مع بداية عام 2005، بدأت الحكومة الأسبانية تدريس الدين الإسلامي بعدد من المدارس في المدن الأسبانية الكبرى، في إطار "قانون الإصلاح التربوي" الذي سنته الحكومة الاشتراكية الجديدة في 2004
ورغم أن المنهج الجديد لا يتعدى التعريف بالإسلام وأركانه، إلا أن اليمين الأسباني انتهز الفرصة لشن حملات على الإسلام والمسلمين أفلحت في فرض عدد من الشروط على تدريس الإسلام بالمدارس.
ويأتي تدريس الإسلام بأسبانيا، وفقا لاتفاق عقدته الحكومة الاشتراكية السابقة في بداية التسعينيات مع عدد من الهيئات الإسلامية في أسبانيا، إلا أن تطبيق هذا الاتفاق تأخر لعدة سنوات قبل أن يصل الحزب الشعبي اليميني إلى السلطة في إبريل 1996 ويتم تجميده لثماني سنوات أخرى، ثم تم إحياؤه بعودة الاشتراكيين للسلطة في إبريل 2004
الاتفاق..
ويقضي الاتفاق باعتماد تدريس الدين الإسلامي في المدارس الأسبانية بالمدن التي تشهد وجودا مكثفا للأقلية المسلمة، ومن أهمها برشلونة (شمال شرق أسبانيا)، وهي أكبر مدن البلاد، والعاصمة مدريد، ومدينة ليبانتي وسط شرق البلاد، إضافة إلى إقليم الأندلس كله الذي يعرف وجودا كبيرا للمهاجرين المسلمين أغلبهم مغاربة.
وكانت المديرة العامة للشؤون الدينية في الحكومة الأسبانية "ميرسيدس ريكو جودوي" أعلنت أواخر 2004 أن عددا من المدن الأسبانية الكبرى مثل مدريد، وبرشلونة، ستعتمد تدريس الإسلام بداية من الشهر الأول للسنة الميلادية الجديدة.
وكان تدريس الدين الإسلامي غائبا عن أسبانيا باستثناء مدينتي سبتة ومليلية (بشمال المغرب وتحتلهما أسبانيا) حيث توجد نسبة كبيرة من الأسبان من أصل مغربي، وبدأ تدريس الإسلام بهما في عام 2000
ورغم أن عدد مدرسي هذه المادة الذين وصل عددهم إلى 7 فقط لم يكن يناسب عدد التلاميذ الذين ناهزوا وقتها ألفا و900 تلميذ بالمدارس الابتدائية الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة، إلا أن البادرة كانت بمثابة نموذج شجع على نقلها لباقي أسبانيا.
وقامت مسئولة الشؤون الدينية بالحكومة الأسبانية مؤخرا بزيارة لعدد من مدارس "مليلية" صرحت خلالها بأن تجربة هذه المدينة كانت حافزا نحو توسيع التجربة لتشمل مدنا أسبانية أخرى.
المنهج الجديد
المنهج التعليمي حول الإسلام الذي تم اعتماده لن يتعدى في البداية دروسا بسيطة للتعريف بالإسلام وأركانه العامة، باعتبار أن الدروس ستلقى على جميع التلاميذ وليس المسلمين فحسب.
ولم يثر مضمون ذلك المنهج جدلا يذكر بين الحكومة الاشتراكية وهيئة اتحاد المنظمات الإسلامية في أسبانيا، حيث اتفق الطرفان على أن يكون التعريف بالإسلام ومبادئه الأساسية هو محور هذا المنهج. كما أن المنظمات الإسلامية في أسبانيا تركز جهودها في البداية على محو الأفكار السيئة المسبقة التي توجد لدى عدد كبير من الأسبان حول الإسلام.
وطالب رياض تتري السكرتير العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في أسبانيا بأن يمتد تعليم الإسلام إلى باقي مناطق أسبانيا في ظل الانتشار الكبير للمهاجرين المسلمين في مختلف مناطق البلاد.
ومن المنتظر أن يلعب المغرب دورا في تدريس الإسلام بالمدارس الأسبانية، حيث يتوقع أن تشرف وزارة التعليم المغربية على إعداد دروس خاصة مثلما هو معمول به في مدينتي سبتة ومليلية.
معارضة اليمين والكنيسة
تدريس الدين الإسلامي بالمدارس الأسبانية لم يكن ليمر دون معارضة شديدة من طرف اليمين بزعامة "الحزب الشعبي" والكنيسة، بسبب معارضتهما لزيادة أعداد المهاجرين المسلمين في البلاد. واستطاعت حملة قادها الحزب الشعبي والتيارات المقربة من الكنيسة أن تفرض على القانون مجموعة من القيود الصارمة التي تم الرضوخ لها.
من أهم تلك القيود أن يتم تدريس الإسلام فقط في المدارس التي توجد بها أغلبية من التلاميذ المسلمين، وأن يتقدم 10 (على الأقل) تلاميذ أو أولياء أمورهم في كل فصل بطلب تلقي دروس الدين الإسلامي، وأن لا تتعارض هذه الدروس مع القوانين الداخلية لعدد من المدارس الأسبانية الحكومية أو الخاصة.
إلا أن المعارضة اليمينية فشلت في فرض قيود أشد صرامة لتدريس الإسلام، ومن بينها أن يقوم مدرسون أسبان بإلقاء الدروس، حيث اعتبرته حكومة الاشتراكيين أمرا غير واقعي على الإطلاق، وشبهته بعملية إعطاء دروس في الكاثوليكية على يد مدرسين مسلمين.
رهان على الفشل
وتراهن أوساط المعارضة على فشل خطوة تدريس الدين الإسلامي بمدارس أسبانية بسبب قلة عدد المدرسين حيث إن مدينتي سبتة ومليلية لا يوجد بهما حاليا سوى 20 مدرسا لمادة الدين الإسلامي. إلا أن الحكومة الأسبانية تدرك ذلك العائق وتعتزم التغلب عليه عبر استقدام مدرسين مغاربة يتكلمون الأسبانية، على غرار الاتفاق بين المغرب وإيطاليا، والذي سمح أخيرا بإيفاد المغرب 30 مدرسا لتدريس اللغة العربية للمهاجرين المغاربة بإيطاليا.
هجوم على الإسلام
وأثار "قانون الإصلاح التربوي" انتقادات شديدة وصلت حد الهجوم على الإسلام والمسلمين من طرف جهات ووسائل إعلام معروفة بهواجسها تجاه الإسلام.
وشنت صحيفة "لاراثون" اليمينية المقربة من دوائر الكنيسة والجيش حملات متتالية ضد الإسلام، واعتبرت أن المسلمين "غير قادرين على الإطلاق على الاندماج في المجتمعات الغربية".
وقالت الصحيفة إن المسلمين "يعتبرون القرآن موجههم الأعلى وهو لا يسمح لهم بالخضوع لقوانين غير القوانين الإسلامية، وهذا ما يمنع المسلمين من الاندماج بسهولة في المجتمعات الغربية"، بحسب الصحيفة.
خلاف اليمين واليسار
ويرى المراقبون للشأن الأسباني الداخلي أن الحملة التي استهدفت الإسلام والمسلمين في أسبانيا بسبب "قانون الإصلاح التربوي" تعكس إلى حد بعيد مدى الخلاف بين اليمين وحليفته الكنيسة الكاثوليكية من جهة، واليسار الأسباني ممثلا في الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم وحلفائه من الشيوعيين وبقايا الجمهوريين من جهة أخرى.
فقد عمد رئيس الحكومة الاشتراكي خوسيه لويس رودريجيز ثاباتيرو مباشرة وبعد وصوله إلى الحكم إلى إلغاء عدد من الامتيازات التي كانت تحظى بها الكنيسة إبان حكم الحزب الشعبي ومنها تمويل مدارسها ومراكزها الدينية، مما أثار الأوساط الكاثوليكية لخوض حملة قوية ضد الاشتراكيين متهمة إياهم بـ"التطرف العلماني".
إلا أن حكومة ثاباتيرو قالت إنها تطبق القانون العلماني للبلاد الذي يفرض المساواة بين الأديان في البلاد، وأكدت أن تدريس الإسلام في المدارس الأسبانية يدخل في صميم القانون العلماني.
ويرى المراقبون أيضا أن الحكومة الاشتراكية تريد من خلال هذا القانون سحب البساط من تحت أقدام المدارس الإسلامية الخاصة التي بدأت تنتشر في البلاد، وهي في أغلبها عبارة عن أماكن عبادة يتم فيها تدريس القرآن واللغة العربية، مما يجعلها تتخوف من عواقب ذلك مستقبلا على أجيال المهاجرين، خصوصا أن شبح تفجيرات الحادي عشر من مارس 2004 جعل الاشتراكيين يحاولون احتواء المهاجرين بدلا من مطاردتهم.