في عام 1943م تسلَّم الشيوعيون الحكم في ألبانيا بقيادة أنور خوجه الذي طمس الهوية الإسلامية تمامًا من خلال نظام ستاليني فولاذي، قضى على حرية الشعب وتديّنه ، وأقام خوجه ستارًا حديديًا على ألبانيا جعلها معزولة عن العالم، وحوّلها من الدولة الإسلامية الوحيدة في أوروبا إلى الدولة الوحيدة الكاملة الإلحاد لا في أوروبا وحسب،بل في العالم أجمع، وحارب الأديان كلها، وحوّل المساجد إلى متاحف ومخازن ومتاجر ومراقص.
ونشأ من جراء ذلك جيل قتل فيه الطموح ومات فيه الإسلام إلا من رحم الله، إنها الحقبة السوداء في تاريخ ألبانيا. ومع انهيار الحكم الشيوعي عام 1990م دخلت ألبانيا عهدًا جديدًا من الانفتاح على العالم، فكانت ردة فعل الناس قوية جدًّا استغلها الغرب النصراني ووظفها لتحقيق مصالحه، يتقدمه في ذلك الرهبان والقساوسة.
جهود نصرانية محمومة:
اشتد النشاط النصراني بعد زوال الاتحاد السوفياتي، فشيدت الكنائس وبنيت المدارس النصرانية، وذلك في كثير من المدن والقرى، حتى إنك ترى بعض القرى ليس فيها نصراني واحد ومع ذلك يوجد فيها كنيسة كما هو الحال في مدينة كوكس، بل إن هناك قرى في أعالي الجبال لا يتوصل إليها إلا عن طريق الحمير والبغال ومع ذلك وصل إليها النشاط التنصيري، حيث يوجد ما لا يقل عن مائة مؤسسة تنصيرية، ولدى هؤلاء النصارى أساليب كثيرة في تنصير الشباب منها – على سبيل المثال – إعطاؤهم منحًا للدراسة.
ومما يبعث الحزن في النفوس ما تراه من شروط تضعها بعض السفارات والقنصليات لمنح الألبان تأشيرة الدخول إلى بلدها إنها تشترط تغيير الاسم إلى اسم نصراني! إنها بداية مشوار اسمه التنصير أو تأشيرات للعمل في الدول الأوربية (وخاصة إيطاليا واليونان). وللأسف فإن الألبان يحرصون أشد الحرص على هذه التأشيرات، فإذا ظفر بها أحدهم أقام حفلة ودعا إليها الأصدقاء فرحًا بهذه المناسبة! يدفعهم إلى ذلك الأوضاع المزرية التي يعيشها بلدهم وخاصة من الناحية الاقتصادية.
وهناك تعاون بين هذه المؤسسات التنصيرية من جهة والمنظمات الماسونية من جهة أخرى (مثل شهود يهوه والروتاري) يصل إلى حد بناء مقرات لهذه المؤسسات.
هناك نشاط لبعض الفرق المنتسبة للإسلام مثل البكتاشية وهي وجه آخر للنصيرية ، وكذلك البهائية حيث أقاموا جمعيات خيرية ومدارس تعمل بين كافة طبقات المجتمع.
المؤسسات الإسلامية مؤخرًا:
دخلت المؤسسات الإسلامية بعد ذلك (لا يتجاوز عددها خمس عشرة مؤسسة) ولم تكن لديها الإمكانات التي كانت لدى غيرها من المؤسسات النصرانية، ولم يكن لدى القائمين على هذه المؤسسات تخطيطٌ بعيد المدى كما هو الحال بالنسبة للتخطيط النصراني لذلك كانت النتائج متواضعة جدًا.
بالرغم من عمق الخلافات القائمة بين الكنائس التي تصل في معظم الأحيان إلى الأصول العقدية فإنه توجد مجالس للتنسيق مهمتها القيام بتنظيم الجهود وتوزيع الأدوار، وقد نجحت في مهمتها تلك، في الوقت الذي أخفقت فيه المؤسسات الإسلامية في إيجاد مجالس للتنسيق مع قلة وبساطة بل وسذاجة أسباب الخلاف بينها، والعجيب أنك ترى هذا الخلاف يتكرر في كثير من مواقع العمل الإسلامي.
استهداف للدين والأخلاق:
ترى في ألبانيا الملابس العارية الفاضحة جدًّا التي تكشف أكثر مما تستر، ويذكر أحد الإخوة الألبان أن هذه الألبسة لا تلبس في بلاد الغرب إلا من قبل بعض النساء اللاتي لهنَّ مقاصد سيئة لتكون علامة لهنَّ لمن أرادهن، بينما تجد غالب النساء في ألبانيا يلبسن تلك الملابس العارية وإن لم يكن لهنَّ تلك المقاصد السيئة.. إنه التقليد الأعمى والتطبيع مع (الانحلال). لكنك تجد الناس في ألبانيا يغلب عليهم حب القراءة والاطلاع، وهذا ما يدعو إلى التفكير بجدية في كيفية توصيل هذا الدين إليهم عن طريق الكتيبات والرسائل والمطويات، ومما يحزّ في نفسك أنك ترى جمعية (شهود يهوه) تنشط أكثر من غيرها في هذا المجال، فتجدهم يوزعون مئات الآلاف من الكتب التي تحوي الباطل والضلال ليصدُّوا الألبان عن دينهم.
دخلت مؤسسة (جورج سورس) ألبانيا عام 1996م – وهو رجل أعمال يهودي يحمل الجنسية الأمريكية أخذ على عاتقه محاربة الدول الإسلامية خصوصًا في اقتصادها، حيث أطاح باقتصاد دول النمور السبع، وأبرمت اتفاقية مع الحكومة بموجبها قامت الأولى بتقديم كافة المشروعات العلمية والتربوية، فقامت بترميم المدارس والجامعات وتزويدها بالمعامل والمختبرات بل وبالمناهج! ويزيد العجب حين ترى الشاحنة الكبيرة مكتوب عليها مكتبة سورس وهي تجول في مناطق ألبانيا.
صور جنسية ومنع للحجاب:
ويكفي أن نعلم أن الطالب في المرحلة الابتدائية – تحديدًا في الصف الرابع – يدرس مادة التربية الجنسية، حيث يحتوي هذا المقرر على صور جنسية فاضحة لتعويد الطلاب على ممارسة الجنس في هذه السن. كذلك قامت مؤسسة سورس بطرد الفتيات المحجبات من الجامعة على الرغم من سماح النظام لهنَّ بالحجاب. وتشير أصابع الاتهام إلى هذه المؤسسة في ترويجها للمخدرات بين صفوف الطلاب والطالبات، حيث تباع بسعر زهيد جدًا.
مساجد قليلة وبدون صيانة:
المساجد في ألبانيا قليلة جدًا، ويكفي أن نعلم أن (تيرانا) العاصمة لا يوجد فيها سوى ستة مساجد قديمة جدًا، وإقبال الناس على المساجد في بعض المدن ضعيف جدًا، بني بعضها في القرن الخامس عشر الميلادي، وكثير من القرى لا يوجد فيها مسجد واحد، وفي زيارة رسمية لرئاسة المشيخة الإسلامية ذكر معالي رئيس المشيخة (المفتي سليم) قصة تبين عظم البلاء الذي أصاب تلك البلاد. فيقول: في إحدى القرى الشمالية (تسمى بوك) هُدم المسجد الوحيد في أيام الحقبة الشيوعية المظلمة، وسحبت المنارة بسلاسل الرافعة حتى كسرت، وبعد سقوط الشيوعية رجع المسلمون إلى مسجدهم ليروه أثرًا بعد عين، وأرادوا أن يشيدوه فما استطاعوا لقلة ذات اليد، وأصبحوا يصلّون تحت شجرة قريبة من المسجد، وذات يوم مر عليهم قسيس نصراني فسألهم: لماذا تصلون تحت الشجرة؟ أليس عندكم مسجد؟ قالوا: لا. فقال: لماذا لا تبنون مسجدًا إذن؟ فقالوا: ليس لدينا من المال ما يكفي. عندها كانت المفاجأة حيث قال القس بالحرف الواحد: أنا أبني المسجد لكم! بشرط واحد. قالوا: وما هو؟ قال: أن يكتب اسمي على هذا المسجد.
عند ذلك انتفض المسلمون غضبًا ورفضوا هذا الأمر كليًا وطردوه، وكلهم أمل في أن يسمع أحد المسلمين بهم فيذهب لمساعدتهم.
وتفتقر المساجد في ألبانيا إلى وسائل التدفئة في الشتاء القارس، وتشكو من عدم صيانتها؛ حيث أصبح منظر الجدران المتصدعة والفرش المهترئة يمثل الحالة السائدة لمساجد ألبانيا، غير أننا وجدنا آثار المحسنين الذين ساهموا في بناء عدد من المساجد في مناطق كثيرة من ألبانيا، لكن لا تزال بعض المدن ذات الأغلبية المسلمة تشكو من افتقارها إلى المساجد، خاصة وأن الغالب على الأهالي قلة ذات اليد.
كما أن هناك حركة وعي في ألبانيا انتشرت وازدادت بسبب دراسة بعض الشباب الألبان في الجامعات العربية الإسلامية، وكذلك جهود المؤسسات الإسلامية، لكن حركة الوعي هذه مازالت في بدايتها وهي بحاجة ماسة إلى ترشيد وتوجيه، والأرض هناك خصبة للدعوة وعند الناس إقبال جيد لما يطرحه الدعاة، وكذلك مازالت المؤسسات الإسلامية بحاجة إلى تنسيق الجهود فيما بينها واختيار الأكفاء للعمل فيها.
ألبانيا في سطور:
- تقع ألبانيا في جنوب شرق أوروبا، وتقدّر مساحتها بحوالي 28.748كم مربع، ويصل عدد سكانها إلى حوالي أربعة ملايين ونصف المليون نسمة.
- توزيع السكان: 75% في المناطق الريفية، و25% في المدن.
- نسبة المسلمين حوالي 70% من إجمالي عدد السكان.
- اللغة الرسمية: الألبانية.
- عاصمتها: تيرانا. ويسكنها حوالي نصف مليون نسمة.
- أهم المدن فيها: دورس (الميناء الرسمي) وشكودرا (مسقط رأس الشيخ الألباني) والباسان .
- الاقتصاد: تعتبر أفقر دول أوروبا، ويبلغ متوسط دخل الفرد 480 دولار في السنة.
- دخل الإسلام ألبانيا عام 1430م على يد الخلافة العثمانية، وظلت مملكة من ممالكها حتى عام 1920م. ويذكر المؤرخون أن الإسلام دخل قبل ذلك عن طريق جزيرة صقلية؛ حيث وصل إلى ألبانيا عدد من تجار المسلمين.