بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد ..
فأعداء الإسلام قديماً وحديثاً يحرصون على إلحاق الهزيمة النفسية بهذه الأمة حتى يتيسر لهم السيطرة على البلاد والعباد، فتراهم يهولون من قدرتهم، ويهونون من شأن المسلمين، حتى نرفع رايات الاستسلام قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (سورة آل عمران:175).
وقد يشيعون شائعة الأمن حتى نسترخي، ويشيعون شائعة الخوف تارة أخرى حتى ننكسر ونلقي سلاحنا، يقول تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83). والواجب علينا أن نعتصم بمعاني الإيمان في كل حين وآن، حتى نستعصي على الفتن ما ظهر منها وما بطن: (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم).
جرائم في كل مكان
والمطالع للأحداث والمتابع لها، يدمى قلبه، ويصيبه الغم والحزن لاغتصاب المسلمات هنا وهناك وإكراه الرجال على الشذوذ الجنسي بالإضافة لقتل الشيوخ الركع والبهائم الرتع والأطفال الرضع وهدم المساجد على من فيها.
وعلى الرغم من حرص الأعداء على التعتيم الإعلامي الرهيب، إلا إنهم ينشرون أخبار وصور ما يحدث وقد يظهر الأمر بمظهر السبق الصحفي، ولن تعدم تسريبهم لهذه الأمور، وتعقيبهم على هذا الإجرام بأنه موضع تحقيق!! وأن من مارس ذلك أو ارتكبه سيتوجه إليه خطاب تأنيب!! أو منع ترقيته!!
جرائم يندى لها الجبين تخالف الشرائع والأعراف والقوانين، شارك فيها رجالهم ونساؤهم، وهذا ليس بعجب فكل إناء بما فيه ينضح، فهذه هي ديمقراطيتهم وحرياتهم، وهذا هو الرخاء الذي يقدمونه للمسلمين!!
وواقع الأمر وحقيقته أن هؤلاء لا يحبوننا، وينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويريدون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا حتى لا تقوم لهذه الأمة قائمة ولا نستطيع رفع رؤوسنا.. وهم كما وصفهم خالقنا وخالقهم: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120) .
إنهم بنشرهم لهذه النجاسات والرذائل يريدون تحطيم معنويات هذه الأمة وإحداث العاهات النفسية لها، فما حدث لإخواننا وأخواتنا هنا وهناك سيحدث لنا حتما لا محالة، وهذه هي الرسالة التي يريد الأعداء إيصالها لنا، حتى نقول أكلنا يوم أكل الثور الأبيض، تسلط عجيب وقحة لا مثيل لها حالهم ينطق ويقول: "من أشد منا قوة"؟!
والمحزن أنه انطلت حيل الأعداء على الكثرة منا، فكانت الموالاة للكفرة الفجرة، وظهر العجز والفشل والخور والضعف في حياتنا، وانكفأ الكل على نفسه يفكر في مصلحته ومشاكله بزعمه، متناسيا معاني الإيمان والأخوة، وجاهلاً في الوقت ذاته بمصالحه الحقيقية، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم وفى الحديث: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم. وفى الحديث أيضا: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه أحمد والترمذي وحسنه . وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه" رواه البخاري ومسلم .. "والمؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم"
ولذا كان الواجب أن نشعر بشعور الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأن نسعى في رد العدوان والظلم ليس فقط عن المسلمين، بل وعن غيرهم ما وسعنا الأمر، فقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم حلفا في الجاهلية في دار عبد الله بن جدعان، وكان الحلف لنصرة المظلوم قرشيًا كان أو غير قرشي، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم "لودعيت به في الإسلام لأجبت"، فكيف يكون الأمر إذا تعلق العدوان باغتصاب مسلمات وعلى أيدي الكفرة الفجرة؟!
صرخة ولا معتصم
لقد فتح المعتصم عمورة ملبيا صرخة امرأة مسلمة استصرخت به، وبعد ما فتحها قال: أين التي تستصرخ، هكذا كانت النخوة والعزة الإيمانية.. ومن قبل وقع القتال بين المسلمين ويهود بنى قينقاع بسبب مسلمة كشف سوءتها يهودي فصرخت، وكان من حديث بنى قينقاع أن أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم ولولا تدخل المنافق ابن سلول لقطع رؤوسهم جميعا.. كل ذلك بسبب احتيالهم لكشف سوءة امرأة مسلمة .. فما بالنا ضاعت عنا النخوة واصبنا بالبلادة وعدم الحس الأخوي؟
قد نعتذر اليوم عن عدم القدرة على نصرة المسلمين ومواجهة الأعداء والانتقام منهم، فلماذا لا نأخذ بأسباب القوة ونعود لإسلامنا ونطبق شريعة ربنا، فهذا هو مصدر عزنا وسبب تمكيننا (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (سورة محمد:7)
فليكن قول أحدنا للأخر: إن الله معنا، ولن يكون الله معنا إلا إذا كنا نحن معه، ولماذا لا نجمع صفوفنا ونحرص أن نكون يداً واحدة على عدو الله وعدونا .
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ... .. ... وإذا افترقن تكسرت آحاداً
والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والرابطة يجب أن تكون إيمانية، نرتفع بها على النعرات الوطنية والقومية والشعوبية فحينئذ يحقق لنا سبحانه موعوده الصادق، حين نستعلي على الحدود المصطنعة والتشريعات الوضعية التي قطعت ما أمر الله به أن يوصل.
ونحن على يقين أن الظلم ظلمات، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وعلى الباغي تدور الدوائر. وأن من سل سيف البغي قتل به "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً"، ومن سلب نعمة غيرِه، سلب نعمته غيرُه، فالجزاء من جنس العمل، وسهام الأسحار نافذة، وعند الله غداً تجتمع الخصوم... أتى رجل لأحد العلماء يقول له: إن بني فلان قد اجتمعوا علي وصاروا يداً واحدة، فقال يد الله فوق أيديهم. قال: إنهم كثر. قال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. قال: إن لهم مكراً. قال: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. وهاهي دعوات المظلومين المسحوقين ترتفع، والله سبحانه يقول: وعزتي وجلالي لأجيبنك ولو بعد حين.
وقد يكون العجز والضعف من مديد العون بنفس أو مال، ونتعلل بأن الواجبات تسقط بالعذر والعجز وعدم الاستطاعة (لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ( سورة البقرة:286)، ولكن هل هذا يحول دون المشاركة بدعوات صالحات في وقت من أوقات الإجابة - وما أكثرها - والسعي الحثيث في تربية النفس والأمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمعصية الجيش أضر عليه من سيوف أعدائه، والنصر عقبى الصابرين، فلا استهانة بمعصية، ولا تهاون في طاعة حتى وإن كانت مستحبة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوانقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَو زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) (سورة المزمل:4).. ويسعنا توضيح المفاهيم، حتى نكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، علما ًوعملا ً واعتقاداً، ولابد من جهاد كبير لإزالة الشبهات المتعلقة بمفهوم الولاء والبراء وغيره، وحتى نعتقد اعتقاد الطائفة الظاهرة الناجية المنصورة، وإلا فالفرق النارية المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة - هي من أعظم أسباب الخذلان وتمكين الأعداء من رقاب البلاد والعباد بالإضافة إلى أنها لا تصلح لإقامة خلافة على منهاج النبوة.
كلنا ثقة ويقين في انتصار هذه الأمة على أعدائها، وسيصل المسلمون بإذن الله بيت المقدس بعد أن يتم فتحه، ويستنطق الحجر والشجر، فيقول: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، فهذا خبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُو إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (سورة النجم:3ـ4).. وهذا يسلتزم أن يعود المسلمون أقوياء في دينهم وفي معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم، يعودون إلى عقيدتهم الصافية، فتعود لهم الخلافة الراشدة، ويعود لهم عزهم ومجدهم المفقود، وما ذلك على الله بعزيز (ولتعلمن نبأه بعد حين) فلا تيأسوا من روح الله فإن جنده هم الغالبون، وحزبه هم المفلحون ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .