ماذا يقرأ الإسرائيليون؟
حينما تقرأ الصحف العربية تظن أن التجمع الصهيوني قد حقق نجاحاً ما بعده نجاح، وأن الإسرائيليين يقتلون الفلسطينيين في الصباح ثم يرفلون في حلل السعادة والرفاه والرخاء بقية اليوم وفي عطلة نهاية الأسبوع وإجازات البنوك. ولكن ما مدى مطابقة هذه الصورة للواقع الإسرائيلي؟ حتى نتعرف على العقل الإسرائيلي من الداخل فلنحاول أن نستعرض معاً بعض الأخبار التي يقرؤها الإسرائيليون:
يتصور 55 في المئة من الإسرائيليين، مع حلول الذكرى الثامنة لاغتيال رابين، أنه سيقع حادث اغتيال سياسي آخر (صحيفة يديعوت أحرونوت، نوفمبر 2002).
هل هذا الاحتقان السياسي سببه المقاومة الفلسطينية؟
صرح زئيف هرتزوج، عالم الآثار الإسرائيلي، أنه بعد 70 عاماً من البحث عن الآثار اكتشف علماء الآثار أن اسم "إسرائيل" هو اسم جماعة بشرية كانت مستقرة في كنعان في نهاية العصر البرونزي، وأن قصص الآباء كما وردت في العهد القديم قصص أسطورية، وأن العبرانيين لم يستقروا في مصر وبالتالي لم يخرجوا منها، وأنهم لم يغزوا أرض كنعان (كما جاء في الرواية التوراتية)، وأنه لا يوجد أي ذكر لإمبراطورية داود وسليمان أو ما يُسمى المملكة المتحدة، التي لا نعرف حتى اسمها. كما قال هرتزوج إن العبرانيين القدامى لم يعرفوا التوحيد في سيناء وإنما في عهد الملوك.
وهكذا يعرف الإسرائيليون أن الأساطير التوراتية التي تستند إليها نظرية الحقوق الصهيونية لا أساس لها من الصحة، وبالتالي يستند وجودهم في فلسطين إلى قوة السلاح فحسب.
نُشرت معلومات جديدة عن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل. يقول يوسي بيلين في كتابه: هل اليهود على وشك الفناء أو الذوبان؟ (مركز جنين للدراسات الاستراتيجية) إنه على رغم كل ما كُتب عنه يظل إنساناً غامضاً. فتكوينه كان أبعد ما يكون عن اليهودية، فكان في طفولته يكره الدراسات اليهودية مما اضطر والديه إلى نقله إلى مدرسة عمومية، وكان طوال حياته يتصرف بشكل متعالٍ ويضمر في داخله مشاعر معادية للسامية، ويعتبر بسمارك نموذجه القيادي. انخرط في الحركة القومية الألمانية، ونأى بنفسه عن اليهودية إلى درجة أنه اقترح مرة تنظيم حملة لتحويل يهود أوروبا إلى المسيحية، كما أنه لم يكترث بإجراء عملية ختان على الطريقة اليهودية لطفله الأول.
وقد كان في حياته الشخصية إنساناً كريهاً يعاشر العاهرات حتى أصيب بمرض الزهري كما أقام علاقة بطفلتين تبلغان من العمر ثماني وتسع سنوات. وكان عاجزاً عن إقامة علاقات مع النساء البالغات، أما حياته الزوجية فكانت سلسلة من النزاعات وكان يهرب من البيت لعدة أشهر بذرائع مختلفة ليظل بعيداً عن زوجته.
واختفت آثار عائلته بعد وفاته كما لو أنها لم توجد أصلاً، فقد ماتت زوجته بعد إصابتها بالجنون، واعتنق ابنه هانز المسيحية ثم انتحر في عام 1930، أما شقيقته بولينا فكانت مدمنة على المخدرات وانتحرت في العام ذاته، وماتت ابنته الثالثة ترود عام 1943 بعد أن قضت سنوات في مستشفى للأمراض العقلية، ثم انتحر ابنها الوحيد بيتر تيودور بعدها بثلاث سنوات. معظم هذه المعلومات، إن لم يكن كلها، سقطت من التواريخ الصهيونية حتى تحيط مؤسسي الحركة الصهيونية بهالة من القداسة. ولكن الأساطير الصهيونية تتساقط الواحدة تلو الأخرى تماماً مثل سقوط الأساطير التوراتية.
نشر البروفسور زئيف ماموز، الأستاذ بجامعة تل أبيب، دراسة بيّن فيها أن برنامج "إسرائيل النووي" قد أخفق تماماً. فهو لم يمنع اندلاع الحروب ولم يحل دون انتشار الصراع ولا التصعيد العسكري ولم يزود المدنيين بالحماية ولم يسرّع بعملية السلام (صحيفة جيروزاليم بوست، 14 يناير 2002).
وما لم يذكره التقرير أن مقاومة الكتلة البشرية الفلسطينية للكتلة البشرية الصهيونية الغازية واشتباكها معها هو الذي حيّد أسلحة "إسرائيل" النووية، إذ كيف يمكنها أن تستخدمها ضد سكان الخليل على سبيل المثال؟
نشر مقال بعنوان "تاريخ "إسرائيل" بأكمله من ب.ج حتى بيبي" (أي من بن جوريون حتى نتنياهو) (صحيفة هآرتس 29 مايو 2003) بقلم يوسى ساريد أشار فيه إلى أن منظمة يهودية خيرية (لجنة التوزيع المشتركة) بدأت تجمع المعونات لإسرائيل باعتبارها إحدى البلاد التي يعانى مواطنوها من الجوع، فأعدت ما سمته "منبر الجوع" والذي يبين أن المشكلة الأساسية التي تواجهها الدولة الصهيونية الآن هي الجوع وليس الإرهاب. وأصدرت اللجنة كتيباً يقول إن واحداً من كل ثلاثة أطفال إسرائيليين يعيش تحت خط الفقر.
ويقارن يوسى ساريد بين حال "إسرائيل" في الوقت الحاضر وحالها في الماضي حينما كانت تقدم للناس باعتبارها بلداً منتجاً للحضارة والعلم، يسكنها رواد صهاينة يحولون الصحارى الصفراء إلى أرض زراعية خضراء ويجففون المستنقعات بل وكانت الدولة الصهيونية تدعى أنها ستصبح (نوراً لكل الأمم). لكن "إسرائيل" الآن تقدم نفسها على أنها بلد من العالم الثالث، وبدلاً من أن تطلب من اليهود التوحد بها، فإنها تطلب منهم أن يعطفوا عليها. لم تعد "إسرائيل" هي داود الشاب الصغير الذي يصرع طالوت العملاق. لم تعد شمشون الجبار وإنما هي شمشون بعد أن قصّت دليلة شعره وفقأت عينيه!
(من الذي فقأ عيني شمشون حقاً؟ ألم تلعب الانتفاضة دوراً أساسياً في ذلك؟)
مع بداية عام 2004، بلغ عدد سكان "إسرائيل" حوالي 6 ملايين و750 ألف نسمة بما في ذلك سكان الأراضي المحتلة في القدس الشرقية وهضبة الجولان السورية المحتلة. وذلك حسب ما جاء في معطيات 2003 التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية في الدولة الصهيونية ولا يشمل هذا العدد الأجانب الذين يسكنون "إسرائيل"، الذين كان عددهم في نهاية عام 2002 حوالي 238 ألف نسمة. وشكل ما اصُطلح على تعريفهم في "إسرائيل" باسم "اليهود وآخرون" 81 في المئة من السكان، بينهم 5 ملايين و 160 ألفا من اليهود و 290 ألفاً من المهاجرين الجدد إلى "إسرائيل" وغير مسجلين كيهود في وزارة الداخلية الإسرائيلية (نصفهم من المسيحيين ونصفهم مسجلون بدون ديانة). وبلغت نسبة العرب في "إسرائيل" 19 في المئة. وبلغت الزيادة السكانية في "إسرائيل" 116 ألفا تقريباً، أي بنسبة 1.7 في المئة، مقارنة مع عدد السكان في عام 2002.
ونوهت دائرة الإحصاء إلى أن نسبة الزيادة السكانية في عام 2003 كانت الأقل منذ عام 1990، وأن السبب الرئيسي لانخفاض وتيرة الزيادة السكانية يكمن في انخفاض عدد المهاجرين اليهود إلى "إسرائيل". فقد ساهمت الهجرة إلى "إسرائيل" بنحو 9 في المئة من مجمل الزيادة السكانية، مقابل 18 في المئة في عام 2002 (34000)، و38 في المئة في عام 2000. ووصلت غالبية المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق وبلغت نسبتهم 57 في المئة (13000)؛ و13 في المئة من إثيوبيا (3000)؛ و8 في المئة من فرنسا (1800)؛ و7 في المئة من الولايات المتحدة (1700).
لماذا انخفض عدد المهاجرين، هل للانتفاضة دور في ذلك؟
لقد أثارت هذه الإحصائيات ضجة في "إسرائيل" بعد إضافة معطيات صادرة عن دائرة الإحصاء المركزي الفلسطينية، تشير إلى أن عدد الفلسطينيين الموجودين بين البحر المتوسط ونهر الأردن بلغ 5.2 مليون نسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل "إسرائيل"، مقابل معطيات الدائرة الإسرائيلية التي أفادت بوجود 5.4 مليون نسمة من اليهود في المنطقة ذاتها.
وأفادت دائرة الإحصاء الإسرائيلية أن اليهود سيصبحون أقلية في هذه المنطقة في غضون 10 سنوات. وقال الجغرافي (أرنون سوفير)، الخبير في الشؤون الديموغرافية، إن اليهود أقلية منذ اليوم فإذا تم "خصم" نحو 300 ألف غير يهودي من العدد المذكور وهو 5.4 مليون يصبح عدد اليهود أقل من العرب. وقال سوفير: إننا بصدد انهيار من الناحية الديموغرافية. خريطة الديموغرافيا في القدس والنقب والجليل تظهر خراباً.
وتستند أقوال سوفير هذه على المعطيات التي تشير إلى أنه يقطن في النقب اليوم أكثر من 140 ألف عربي، ونسبة العرب في الجليل 75 في المئة. ومضى سوفير يقول بلهجة تحذير إنه نشأ تواصل عربي من الجليل حتى جنين، في الوقت الذي يغادر فيه الجيل الشاب من اليهود الجليل للانتقال إلى تل أبيب أو نيويورك. هذه خريطة الخراب الديموغرافي.
لماذا هذا الخوف من الفلسطينيين؟ هل لأنهم تحولوا من كتله بشرية ساكنة إلى جماعة بشرية مقاومة؟ هل هي الانتفاضة مرة أخرى؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الاتحاد 14/2/2004