هذا نص البيان الذي وزعه الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى الاصلاح ، حول قضية "زواج فريند":
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد عمت البلوى في الغرب بشيوع الزنا عن طريق الاخدان، المسمى عندهم (بوي فريند، وجيرل فريند) فَدَعَوَتُهم إلى الزواج الميسر كما قال تعالى "(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين) سورة المائدة : آية (5).
وبنيت الفكرة على أسس شرعية لمن لا يقدر على الهجرة إلى بلد يكون فيها أعبد لله ، أو يعجز عن الصوم الذي ارشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لمن خاف على نفسه الفتنة كما قال عليه الصلاة والسلام : "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، أخرجه البخاري ومسلم في كتاب النكاح..
**الأسس الشرعية التي بنيت عليها الفكرة***
**اولاً :حل الاستمتاع إثر إبرام عقد الزواج الشرعي :***فيجوز شرعاً للزوجين أن يستمتع بعضهما ببعض إثر تمام العقد الشرعي الصحيح الذي يستوفي أركانه وشروطه
والتي منها :الوالي والشاهدان : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث (لا نكاح إلا بولي) أخرجه الترمذي "3/407" وأبو داود "2/568" وابن ماجه "1/605"..ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) أخرجه الدار قطني "3/255" والبيهقي "7/125" وصححه الألباني في الارواء "6/258".
ومنها الصيغة الشرعية للعقد كقول الولي زوجتك أو أنكحتك ابنتي فلانه وقول الزوج قبلت زواجها أو نكاحها، وأن يكون العاقد صاحب أهلية للعقد، وذا صفة شرعية تعطيه الحق في مباشرة العقد على خلاف في اجبار الاب للبكر البالغة.
ومنها الصداق (المهر) الذي لا يجوز تواطؤ الزوجين على إسقاطه بالأصل لقوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) سورة النساء : أية (4)..ومنها رضا الزوجين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا : يا رسول الله كيف إذنها؟ قال : أن تسكت) أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب رقم 41.
ومنها خلو الزوجين من الموانع الشرعية التي تمنع زواجهما ، فاذا وقع العقد مستوفياً لاركانه وشروطه ترتبت عليه آثاره الشرعية من حل استمتاع الزوجين ببعضهما وثوبت المصاهرة والنسب واستحقاق الارث وغيرها من الآثار.
**ثانياً: حق الزوجة في التنازل عن السكن أو النفقة :***يثبت للمرأة بعد إبرام عقد الزواج الصحيح حق السكن والنفقة لقوله تعالى : (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) سورة الطلاق " آية (6)..ولها أن تتنازل لزوجها عن حقها في النفقة والسكن باتفاق الفقهاء، إن لم يشترط ذلك في صلب العقد لقوله تعالى (وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير....) سورة النساء : آية (128)، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هذه الآية : كما في صحيحي البخاري ومسلم : (هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها، تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة عليََ والقَسم لي).. فما ذهبت إليه من جواز تنازل المرأة في بداية الزواج عن حقها في السكن بصفة مؤقتة حتى يتم توفير السكن الذي لا بد منه ، بنيته على هذه الأدلة..وفي غالب ظني انه إذا تم العقد فسيجتهد الزوجان في توفير السكن وسيتنازل الجميع عن مظاهر الرفاهية فيه، ويقبلون بالسكن المتيسر، وما يصرفونه من أموال لحضور السهرات وشراء الكماليات سيوجهونه في تجهيز السكن ومستلزماته وربما تعاطف الآباء مع أبنائهم في توفير غرفة في مسكنهم للزوج الجديد، ولم أقل بإسقاط السكن مطلقاً.
**ثالثا:عدم توفر السكن لا يبطل عقد النكاح:***لم يقل أحد من الفقهاء بان عدم توفر السكن يبطل العقد، ولقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وهي بعيدة عنه في الحبشةـ فلم يتحقق السكن بسبب البعد ولم يؤثر ذلك على صحة العقد، فعن عروة عن أم حبيبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده ... الحديث) رواه احمد في مسنده "6/427" والنسائي في سننه "6/119"..وبنى عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها في الطريق بين المدينة وخيبر، وعلى هذا يجوز دخول الزوج على زوجته بناءً على عقد الزواج الشرعي وإن لم يتوفر السكن.. بوب البخاري في صحيحه باب البناء في السفر، وروى حديث أنس رضي الله عنه قال : (أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثاً يُبنى عليه بصفية بنت حيي فدعوت المسلمين إلى وليمة، فما كان فيها من خبز ولا لحم .. الحديث) البخاري مع الفتح كتاب النكاح،ج9، 279 باب رقم 60.. وفي هذا دليل ايضاً على التيسير في مظاهر الزواج.وعقد النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي بنت ست سنوات ولم يدخل بها إلا بعد عدة سنوات لصغر سنها الذي كان حائلاً دون البناء عليها، فعدم توفر السكن في مثل هذه الحالة لا يبطل عقد الزواج، وقال الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين...) الحديث رقم 3894 صحيح البخاري مع الفتح ، ج7، باب 44 .. وفي حديث عروة "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين، وبني بها وهي بنت تسعة سنين، ومكثت عنده تسعاًِ صحيح البخاري، كتاب النكاح.
فهل يجرؤ أحد على القول ببطلان العقد لعدم توفر السكن حال ابرام العقد..وجاء في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد عن الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم جوابه لها وفيها : (.... فقام رجل فقال يا رسول الله أنكحنيها قال : هل عندك من شيء قال لا ، قال اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب وطلب ثم جاء فقال ما وجدت شئياً ولا خاتماً من حديد، قال هل معك من القرآن شيء قال هي سورة كذا وسورة كذا قال اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفيه أن الفقير يجوز له نكاح من علمت بحاله ورضيت به اذا كان واجداً للمهر، وكان عاجزاً عن غيره من الحقوق، لان المراجعة كانت في وجدان المهر وفقده لا في قدر زائد .. قاله الباجي .. (أ.هـ) الفتح 9/270، كتاب النكاح باب رقم 50.. ومعلوم أن النفقة والسكن تدخل في الحقوق التي عجز عنها الصحابي كما هو ظاهر الرواية وكلام بن حجر..
**رابعا:جواز غياب الزوج عن زوجته: ***يجوز للزوج أن يغيب عن زوجته لأسباب كثيرة: كطلب الرزق أو الغزو والجهاد أو الحج والعمرة او طلب العلم أو غير ذلك وقد أقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدة الغياب لمن يغزو في سبيل الله بما لا يزيد عن ستة أشهر، كما في السنن الكبرى للإمام البيهقي "9/29" فَوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهراً ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين وسئل الإمام احمد : كم للرجل أن يغيب عن أهله، فقال يروى ستة أشهر.. ذكره في المغني "10/241".واذا غاب الزوج برضا زوجته مدة أكثر من ذلك، فلم يقل أحد من الفقهاء بفسخ عقد الزواج أو بطلانه.
**خامسا:قال تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ***:الشريعة المطهرة مبنية على التيسير قال تعالى :(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).. والزواج المبارك ما كانت مؤنته ميسرة قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد "6/82" أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة".والمسلمون في الغرب يعيشون ظروفاً هم فيها أحوج ما يكونون إلى صور ميسرة لزواج شرعي يعفهم ويحفظ عليهم نسلهم ودينهم، واطالب الآباء والامهات أن يفسحوا لأبنائهم في بداية زواجهم غرفة يأوي إليها ولدهم مع زوجته فيفوزوا بأجر إعفاف ابنهم، وتعويده على العيش معهم وبحسن صحبته لهم عند عجزهم أو كبرهم.
**ليس الزواج الميسر صيغة جديدة ولا زواج متعة:***
مما سبق يتبين أني لم أناد إلى صيغة جديدة للزواج بل هي الصيغة المقرة عند علماء الإسلام بأركانها وشروطها المعتبرة.. كما أن الزواج الميسر الذي اقترحته لا يتفق مع زواج المتعة الذي يقوم على التوقيت، ولا يترتب عليه استحقاق الإرث بين الرجل والمرأة، ولا ينتهي بالطلاق المشروع إلى غير ذلك من اوجه الاختلاف بين الزواج الشرعي وزواج المتعة."زواج فريند" أقصد به الزواج الميسر للمسلمين في الغرب وأما الاسم الذي أطلق على الفكرة فكان من باب المشاكلة عند المناقشة (بوي فريند، وزوج فريند) وتعرض الاسم "زوج فريند" للتحريف الاعلامي إلى "زواج فريند" مما أوهم أنه صيغة جديدة للزواج، وأنا لا أدعو إلى مصطلحات غير شرعية .. وأرى أن يكون مسمى هذه الصورة (الزواج الميسر للمسلمين في الغرب) بدلاً عن مصطلح زواج فريند.
**أنا مع أي حل شرعي يحقق الزواج ويُعف عن الرذيلة***
لقد تقدمت بهذا الحل إلى المجمع الفقهي الاوروبي لدراسته، وأنا مع أي حل شرعي يحقق الزواج ويعف عن الرذيلة وينقذ المسلمين في الغرب من هذه البلوى التي أوقعت شبابهم في الحرام وأضاعت نسلهم ومزقت أسرهم وجلبت عليهم الامراض الخطيرة..فمن كان لديه حل شرعي لهذه المشكلة فليتقدم به، وسأكون من أول المؤيدين له أذا استند إلى أدلة شرعية تحقق المصلحة وتيسر على المسلمين حل هذه القضية..والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرر هذا البيان الفقير إلى الله عبدالمجيد بن عزيز الزنداني - صنعاء - 9/6/1424هـ - 7/8/2003م