من الثابت عند أهل العلم أن ما نُقل إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفسير لكتاب الله لم يتناول جميع آيات القرآن الكريم، بل جُلُّ ما نقل إلينا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، إنما كان تفسيرًا لبعض آيات القرآن، فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّنها نتيجة لنازلة نزلت، أو إجابة لسؤال سائل.
ثم جاء عصر الصحابة، الذين نقلوا ما تيسر لهم من تفسير رسول الله للقرآن الكريم، واجتهدوا في تفسير ما لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قول، ثم نقلوا علمهم هذا إلى من بعدهم، بعد أن انتشروا في عدة بقاع إسلامية على إثر توسع دولة الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً.
ونتيجة تفرق صحابة رسول الله في العديد من البقاع والأماكن، فقد برزت هناك العديد من المدارس العلمية التي نقلت علم الصحابة واجتهاداتهم الشرعية، ومنها علم التفسير لكتاب الله، فكانت هناك مدرسة مكة، ومدرسة المدينة، ومدرسة الكوفة، وغيرها من المدارس.
وقد تلقَّف هذا العلم عدد كبير من التابعين الذين لازموا صحابة رسول الله، ونهلوا من علمهم، وتأثروا بمنهجهم، وساروا على سننهم في تفسير كتاب الله.
وكان من منهج التابعين في تفسيرهم لكتاب الله، أن يفسروا القرآن بالقرآن، أو القرآن بالسنة، فإن لم يقفوا على شيء في ذلك اجتهدوا في النظر، وأعملوا الرأي بما يبين المراد، ويكشف المقصود من آيات الكتاب.
والمتأمل في كتب التفسير التي وصلت إلينا، لا يعجزه أن يجد الكثير من أقوال التابعين، قالوها بطريق الرأي والاجتهاد المنضبط بميزان الشرع الحنيف.
وقد تفاوتت أنظار العلماء في الرجوع إلى تفسير التابعين والعمل بأقوالهم، في حال لم يكن في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فنُقل عن الإمام أحمد في الاحتجاج بتفسير التابعين روايتان، والمعتمد في ذلك والذي عليه أكثر أهل العلم، أنه يُعمل بقول التابعي في التفسير، لأن التابعين نقلوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة رضي الله عنهم، ونقلوا كذلك مناهجهم في التفسير عنهم، ولهذا وجدنا الإمام مجاهد يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها، وهكذا كان حال باقي التابعين، كقتادة، وسعيد بن جبير، وغيرهما.
وإذا كان الأمر على ما ذكرنا، فلا غرابة أن نجد أقوال التابعين واجتهاداتهم مبثوته في كتب التفاسير بهذه الكثرة، بل إن بعض التابعين كَتَبَ تفسيراً خاصاً به، كما هو الحال في تفسير الإمام مجاهد، الذي بقي محفوظاً بين أيدينا إلى يوم الناس هذا ولم تنل منه عوادي الدهر ونوائبه.
وعلى الرغم مما سبق بيانه، فإنه لا بد من القول: إن من خصائص التفسير في عصر التابعين، تسرب بعض الروايات الإسرائيلية إلى بعض التفاسير؛ نتيجة توسع ديار الإسلام، ودخول العديد من الأعاجم في الإسلام، ومن بينهم أهل الكتاب الذين نقلوا معهم بعض الأقوال والحكايات والقصص التي لا تمت إلى الحقيقة بشيء، والتي بدورها تسربت إلى كتب التفسير بشكل أو بآخر فيما بعد.
ومحصلة القول: إن تفسير التابعين للقرآن الكريم يشكل حلقة مهمة، وركيزة أساسية في فهم القرآن الكريم، من جهة أن هؤلاء التابعين قد نقلوا إلينا أقوال الصحابة واجتهاداتهم في ذلك، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، قُرْبِ عهدهم بعهد الرسالة، حيث كانت لا تزال الفِطَر سليمة، والنفوس لا سبيل لها للقول في كتاب الله، وَفْق أهوائها ورغباتها.
بيد أن ما سبق لا يعني أن تفاسير التابعين لآيات القرآن الكريم قد خلت وسلمت من الأقوال الضعيفة، والآراء المرجوحة؛ بل الصحيح أن فيها نصيب من ذلك، غير أن ذلك النصيب لا يقلل من قيمتها، ولا يحطُّ من شأنها.
ونظراً لأهمية هذه المرحلة من مراحل التفسير، فسوف تكون لنا عدة وقفات مع أهم أعلام هذه المرحلة؛ لنبرز -قدر ما تيسر- أهم جهودهم في تفسير القرآن الكريم، ولنؤدي بعض واجبنا نحو أجيال الأمة بتذكيرها بكبار علمائها، الذين حفظوا عليها دينها، ونقلوا شعاع حضارتها إلى بقاع كثيرة من العالم.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
التفسير و المفسرون