يكنى أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه أبا المنذر، شهد العقبة وبدراً، وكان أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، وهو من أشهر كُتَّاب الوحي؛ قال فيه صلى الله عليه وسلم: (أقرؤهم لكتاب الله أُبيُّ بن كعب) رواه الإمام أحمد.
ويدل على رسوخ باعه في قراءة كتاب الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يقرأ القرآن عليه، ففي "الصحيحين" من حديث أنس رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأُبيِّ: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} قال: وسماني؟ قال: (نعم)، فبكى)، وفي رواية: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال أُبيٌّ: آلله سماني لك؟ قال: (الله سماك لي)، فجعل أُبيٌّ يبكي). وفي رواية ثالثة عند أحمد، قيل ل أبيٍّ: يا أبا المنذر! ففرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني، والله تبارك وتعالى يقول: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} (يونس:58) (هكذا قرأها بالتاء).
لقد كان أبيٌّ رضي الله عنه -وهو من المنـزلة بما علمنا- من أشهر الصحابة علماً بكتاب الله ، فضلاً عن أنه رضي الله عنه كان من كُتَّاب الوحي، ومن المقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي جعله على حظٍ وافر من العلم بأسباب النـزول وعلوم القرآن الأخرى، كالناسخ والمنسوخ، والمقدم والمؤخر ونحو ذلك.
ونظراً للمكانة التي حظي بها فقد عُدَّ رضي الله عنه من المكثرين في التفسير، ومن المعوَّل عليهم في فهم كتاب الله، تبيانًا لمعانيه وكشفًا لأسراره.
وقد كثرت الرواية في كتب التفاسير عن أبيّ بن كعب، وتعددت الرواية عنه، وقد وضع عليه بعض الرواة كثيراً من الروايات التي لم تثبت عنه؛ ومن أصح الطرق إليه رضي الله عنه طريقان:
الأول: طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيِّ رضي الله عنه، وقد خرَّج كثير من المحدثين عن هذا الطريق، منهم الإمام أحمد في "مسنده".
الطريق الثاني: طريق وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الفضيل بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، وهذا الطريق خرَّج عنه الإمام أحمد أيضاً في "مسنده".
ومن المفيد أن نقول لك أيها القارئ الكريم: إن الأقوال الثابتة عن الصحابة تفسيرًا للقرآن الكريم، من أهم ما ينبغي الحرص عليها والرجوع إليها؛ وذلك لأنهم رضي الله عنه عاصروا نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوا كذلك تطبيقه على الوقائع والنوازل التي جرت في عصرهم.
وقد وضع أهل العلم في هذا الصدد قاعدة حاصلها: إن تفسير الصحابي إذا صح من جهة النقل، فحكمه حكم الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ونقل الحاكم في "مستدركه" هذا القول عن الشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله؛ وهذه القاعدة تفهم على وجهين:
الأول: أن تفسير الصحابي حكمه في الاستدلال حكم الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن تفسير الصحابي هو تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن بيان الصحابي للقرآن، هو كبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن، إذ إنه صلى الله عليه وسلم بيَّن لصحابته معاني القرآن بياناً شافياً كافياً.
بقى أن نقول أيها القارئ الكريم: إن العمل بهذه القاعدة مشروط بأن لا يخالف تفسير الصحابي نصًّا شرعيًّا، وأن لا يخالفه كذلك أحد غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ وعلى هذا فالقاعدة ليست على إطلاقها. فتنبه -يا رعاك الله- لذلك، واحرص عليه، واعلم -حفظك الله- أن الخير كل الخير في الوقوف عند ما صح من الأقوال، وفي العمل بما ثبت عن السلف الأخيار، والله يتولى الصالحين.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
التفسير و المفسرون