الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جامع القرويين منارة العلم والعلماء في المغرب الأقصى.

جامع القرويين منارة العلم والعلماء في المغرب الأقصى.

جامع القرويين منارة العلم والعلماء في المغرب الأقصى.

في تاريخ 21 ربيع الثاني 1409هـ الموافق 2 أبريل 1988م تم استئناف الدراسة بجامع القرويين بمدينة فاس، العاصمة العلمية للمغرب الأقصى، و ذلك بعد أن كانت الدراسة بالجامع قد توقفت لمدة تزيد على ثلاثة عقود من الزمن.

و قد كان عدد الطلبة الذين سُجّلوا في هذا الفوج 150 طالباً اختيروا من بين الناجحين في مباراة الالتحاق بجامع القرويين.

بدأت الدراسة ببرنامج كثير المواد و الدروس، طويل المدة، التي تبلغ 12 سنة، تتوزع على ثلاثة أطوار: الطور الابتدائي: 3 سنوات، و الطور الثانوي: 6 سنوات، و الطور النهائي: 3 سنوات.

و قد قطع هذا الفوج الأول هذه المدة، فسقط منه أكثر من نصفه، و تخرج من الباقي 28 عالما، برسم السنة الدراسية 1420-1421هـ/1999-2000م ، كان ذلك أول فوج من العلماء يتخرج من جامع القرويين، بعد توقف دام ردحا من الزمن.

و بذلك فتح باب الأمل لربط الصلة بين حاضر الأمة و ماضيها في هذه البقعة من الأرض، وفي جامع كان بيتا للعبادة و الذكرى، و مقرا للنور و الهدى، و معهدا للعلم و الحكمة، طاول القرون والأجيال، و عاصر الخطوب و الأهوال، و أنشأ العقول و الرجال، و كانت عليه الموردة من المشرق والمغرب.

كان جامع القرويين مركزا صنع فيه رجال قاوموا الاستعمار الفرنسي للمغرب، و إن المغاربة ليذكرون ما قاله الجنرال الفرنسي: "ليوطي" في جامع القرويين، بعدما لقي من شدة بأس أهله ورواده، لقد قال: " لا استقرار لنا في المغرب إلا بالقضاء على هذا البيت المظلم "، و هو يعني جامع القرويين، لكن سعيه خاب و لم يقدر على شيء من ذلك.

و لنقف في هذه الكلمات وقفات مع هذا الجامع المنارة من أجل التعريف به و بتاريخه ودوره في حفظ التراث الإسلامي، والمقومات الثقافية للأمة. منظر لجامع القرويين من أعلىالتعريف بجامع القرويين:

أسس الإمام إدريس بن إدريس (177-213) مدينة فاس لتكون مقرا للدولة الإدريسية، ودار علم وفقه و دين في المغرب الأقصى، و كان ابتداء ذلك في غرة ربيع الأول سنة 192، فأسس العدوة التي نزل بها أهل الأندلس و أضيف اسمها إليهم، و في غرة ربيع الآخر سنة 193 شرع في بناء العدوة الأخرى التي نزل بها أهل القيروان و أضيف اسمها إليهم.

و في عهد الإمام يحيى بن محمد بن إدريس، خامس الأدراسة المتولى سنة 234، ضاقت مدينة فاس بسكانها لتوالي وفود العرب عليها فبنيت الأرباض بخارجها، و كثرت العمارة بها، و بنى الأمير الحمامات و الفنادق.

و كان من أهل القيروان النازلين بفاس: أم البنين فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهري، و قد رأت أن تتقرب إلى الله بالتوسعة على الناس في إقامة دينهم، و بناء بيت يذكر فيه اسم الله، فاشترت أرضا في عدوة الواردين القرويين لتجعل منها مسجدا، و شرعت في حفر أساسه و بنائه مهلّ رمضان سنة 245 ، و تم في أربع بلاطات و صحن صغير، و كان محرابه في موضع الثريا الكبرى، وصومعته غير مرتفعة تقع في مكان قبة العنزة، و طوله من الحائط الغربي إلى الحائط الشرقي 150 شبرا.

و في تلك السنة بنت أختها مريم مسجدا بعدوة أهل الأندلس، فكان تأسيس المسجدين معا من عمل النساء، و صار كل مسجد يعرف بالإضافة إلى العدوة التي هو فيها من ضفتي نهر فاس، فيقال: "مسجد عدوة القرويين"، و "مسجد عدوة أهل الأندلس"، ثم صار هذا يعرف بمسجد الأندلس، وذاك يضاف إلى القرويين الواردين من مدينة القيروان التي اختطها بإفريقية عقبة بن نافع الفهري سنة 50. و لقد احتفظت مدينة فاس بمكانتها العلمية و مقامها الثقافي على مرور القرون المتعاقبة، وترادف المحن، و تقلب الدول، وتغلب الرجال، فظلت مع ذلك كله دار علم و دين، و منبع ثقافة، و مولد رجا و في المائة الرابعة كانت فاس ميدانا للتقلبات السياسية و الحملات العسكرية، و تداولها قواد وأنصار الشيعة العبيديين و المروانية والأندلسيين.

و كان مسجد القرويين على ما بني عليه إلى أن اتسعت العمارة بفاس و كثرت الأرباض واتصل البناء حولها من كل جهة في عهد زناتة، فوقعت زيادة كبيرة في مسجدي القرويين والأندلس صدر هذه المائة، و نقلت الخطبة من جامع الشرفاء الذي بناه الإمام إدريس و ضاق عن الناس، إلى القرويين لسعته و كبره، و صار بذلك جامعا تتوالى فيه الزيادات، و تتسع أركانه مع الأيام.

و يظهر أن سير الدراسة بجامع القرويين كان على مراحل كبنائه شأن الأشياء في أول أمرها، وبقدر الاتساع كثر المدرسون و الوعاظ و تعددت الكراسي و الحلق، و تنوعت الكتب و الفنون المتدارسة، واستغرقت الدروس ساعات النهار و زلفا من الليل، و أقبل الطلاب من أهل المدينة ثم طلاب القبائل والمدن المجاورة، ثم من بقية المدن و القبائل و أطراف البلاد المنضمة إلى المغرب أو الجامعة بينه و بينها أخوة الإسلام و لغة العرب.

و لما كثر الواردون الذين ليس لهم أهل و لا مسكن حدثت المدارس و أجريت عليها الجرايات، وحبست الأوقاف لإعانة الطلبة على المأوى و التفرغ للتحصيل و الدرس و المطالعة، وهكذا كان يتسع نطاق الدراسة جيلا بعد جيل كلما اتسعت رحاب المعهد الكبير .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة