أبو الأسود الدؤلي هو أول مَن وضع النقاط على الأحرف العربية، وأول من ضبط قواعد النحو، فوضع باب الفاعل، والمفعول به، والمضاف، وحروف النصب، والرفع، و الجر، والجزم، كما أجمعت على ذلك كتب التاريخ.
أمره علي بن أبي طالب رضي الله عنه بوضع شيء في النحو لما سمع اللحن، فأراه أبو الأسود ما وضع، فقال علي: "ما أحسن هذا النحو الذي نحوت"، فمن ثم سمي النحو نحواً.
قال محمد بن سلام الجمحي: "أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف، وحرف الرفع، والنصب، والجر، والجزم، فأخذ ذلك عنه يحيى بن يعمر".
وطبعاً لم يرسم أبو الأسود جميع القواعد النحوية بل ترك كثيراً منها لتلاميذه ولمن جاء بعده من أئمة النحو، فأتموها، وكملوها، وأضافوا إليها، وفرّعوها، وعللوها، واستدلوا لها، وأثبتوا أصولها وقواعدها .
ولا شك أن أعلاماً كُثْراً ساهموا في إنشاء النحو، ولكنَّ أبا الأسود كان صاحب السبق، وقائد الركب، قال المدائني: "أمر زياد أبا الأسود الدؤلي أن ينقط المصاحف فنقطها، ورسم من النحو رسوماً، ثم جاء بعده ميمون الأقرن فزاد عليه في حدود العربية، ثم زاد فيها بعده عنبسة بن معدان المهري، ثم جاء عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأبو عمرو ابن العلاء فزادا فيه، ثم جاء الخليل بن أحمد الأزدي فلحب الطريق".
براءة الاختراع
قال أبو عبيدة: "أخذ أبو الأسود عن علي بن أبي طالب العربيةَ فسمع قارئاً يقرأ [إن الله بريء من المشركين ورسوله] (يخفض رسوله عطفا على المشركين)، فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا؛ فقال لزياد الأمير: ابغني كاتباً لقناً - قارئاً ذكياً- فأتى به فقال له أبو الأسود إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني قد ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئاً من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين، فهذا نقط أبي الأسود".
كان التّنقيط الذي وضعه الدُّؤليّ المبنيّ على وضع الحركات في موضعها الصّحيح ذا أهميّة بالغة في معرفة المرفوعات بالضّم، والمنصوبات بالفتح، والمجرورات بالكسر، ووسمها بالدّلالات التي تميّز كلّ واحد منها، كأن تكون المرفوعات للدّلالة الفاعليّة، والمُبتدئيّة، والخبريّة وهكذا، والجدير بالذِّكر أنّ تلامذة الدُّؤليّ لم يقِفوا عند القواعد، والضّوابط المُوجزة التي أوجدها معلمهم بل اعتبروها بذرة عِلم النّحو وأضافوا عليها لتصبح أكثر نُضجاً وثراءً.
اسمه ونسبه:
ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل، أبو الأسود الدؤلي وقد طغت كنيته على اسمه فاشتهر بها، علمًا بأنه لم يكن ذا بشرة سوداء، وليس له ولد اسمه الأسود. قال في وفيات الأعيان (والدؤلي: بضم الدال المهمة وفتح الهمزة وبعدها لام، هذه النسبة إلى الدئل بكسر الهمزة، وهي قبيلة من كنانة، وإنما فتحت الهمزة في النسبة لئلا تتوالى الكسرات).
ولِد وأسلم قبل وفاة النبي وقد كان يعيش مع قومه بني الدئل جنوب مكة المكرمة فلم يدخل المدينة إلا بعد وفاة النبي.
هاجر إلى البصرة بعد الفتح في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وسكن فيها وله بِها مسجد باسمه.
شيوخه
روى العلم عن أكابر الصحابة فقد حدَّث عن عمر وعلي وأبي بن كعب وأبي ذر وعبد الله بن مسعود والزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين. وقال أبو عمرو الداني: "قرأ القرآن على عثمان وعلى رضي الله عنهما".
تلاميذه
أبو الأسود كان قامة كبيرة، ساهم في بلورة العلوم والمعارف العربية والإسلامية، وقد تخرج على يديه كثير من العلماء، وممن قرأ عليه:
ولده أبو حرب ابن أبي الأسود، ونصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، وابن بريدة، وعمر بن عبد الله مولى عفيرة، وسعد بن شداد الكوفي المعروف باسم سعد الرابية، وميمون بن الأقرن، وغيرهم.
مكانته وثناء العلماء عليه
كان أبو الأسود الدؤلي من ساداتِ التابعين، وأعيانِهم، وفقهائهم، وشعرائهم ومحدِّثيهم، ومن الدهاة المعدودين.
قال الجاحظ: "أبو الأسود مقدم في طبقات الناس كان معدوداً في الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة".
قال أحمد العجلي: "ثقة، كان أول من تكلم في النحو".
وقال عنه أبو الطيب الحلبي:"وكان أبو الأسود أعلم الناس بكلام العرب".
قال ابن خلكان: "من سادات التابعين وأعيانهم... وكان من أكمل الرجال رأياً، وأسدهم عقلاً".
قال أبو عمر: "كان ذا ديِنٍ، وعقل، ولسانٍ، وبيان، وفهم، وحَزْم".
قال الحلي: " أبو الأسود الدؤلي هو من بعض الفضلاء الفصحاء، من الطبقة الاولى من شعراء الإسلام".
وذكر الذين ترجموا لأبي الأسود أنه كان من الشعراء المجيدين، ومن جميل شعره في الحكمة قوله:
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله |
عار عليك إذا فعلت عظيم | |
وفاته
قال يحيى بن معين: "مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين" وهذا هو الصحيح وقيل مات قبيل ذلك وعاش خمساً وثمانين سنة.