دفعت الانتهاكات الإسرائيلية والتنكيل بالشعب الفلسطيني أشخاصا من بني جلدتهم، يرفضون الظلم ويأملون بعالم يسوده العدل، إلى معارضة تلك الممارسات والدعوة إلى إعادة حقوق الفلسطينيين المسلوبة، بل والوقوف في وجه اللوبي الصهيوني في الغرب.
وقد سعى هؤلاء إلى تشكيل شبكة تجمعهم لفضح الممارسات الإسرائيلية تحت اسم "يهود من أجل فلسطين" الناشطة في بريطانيا، والتي يؤكد القائمون عليها أن معاداة السامية بدأت من الغرب، مشددين على أن اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا يسحق كل من يعارضه، فضلا عن رفضهم القاطع أن تكون إسرائيل هي المتحدث الحصري باسم اليهود في العالم.
ويرى رئيس "يهود من أجل فلسطين" ديفيد كانون أن الشبكة صوت يهودي مناهض للصهيونية، تروج لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتدعو لفرض العقوبات المناسبة على إسرائيل، مشددا على أن بعض اليهود ضد إسرائيل ولكنهم يخشون التلويح بذلك أو استخدام مصطلحات مثل إسرائيل دولة فصل عنصري أو يترددون في اعتبار أنفسهم ضد الصهيونية أو الإفصاح بأن إسرائيل دولة أسست على الأكاذيب.
واعتبر كانون، في حديث مع الجزيرة نت، أن نكبة 1948 كانت كارثة ما كان لها أن تحدث، مطالبا بضرورة معاقبة إسرائيل على النكبة وأن يحاسبها الغرب على كل الأفعال العنصرية العنيفة "فنحن منظمة يهودية تعارض ما يفعله الإسرائيليون".
وأضاف أن المنظمة الصهيونية استغلت الهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية من أجل الترويج إلى أن اليهود يرغبون في الشعور بالأمان في بلدهم، وأقنعوا اليهود بأنهم لن يكونوا آمنين في أوطانهم الأصلية، وبالتالي يجب أن تتأسس الدولة اليهودية، وبعد قيام دولة إسرائيل طبقوا نفس المعايير "فأولادي لهم الحق في الذهاب إلى إسرائيل أكثر من الفلسطينيين الذين عاشوا على هذه الأرض لقرون".
وشدد كانون على أن حصول الحركة الصهيونية على كل هذا الدعم من أوروبا والولايات المتحدة يعد معاداة للسامية في أبهى صورها، مشيرا إلى أن الغرب لم يرغب باستقبال اللاجئين اليهود في بلادهم خلال الحرب العالمية الثانية، فرأى الساسة حينها أن دعم إسرائيل سيحول اللاجئين اليهود إلى مكان آخر غير بلادهم: "هذا مؤذ جدا وشديد التمييز والعنصرية، وإيجاد دولة فصل عنصري جديدة".
ضحايا انتقاد إسرائيل
وأكد المتحدث أن المحرك الرئيس وراء دعم الشبكة للقضية الفلسطينية هو حقوق الإنسان التي لا تتجزأ، لافتا إلى أن أي شخص ينتقد إسرائيل أو الصهيونية تلصق به تهمة معاداة السامية، وقضية القس ستيفن سايزر خير شاهد على ذلك.
وكانت كنيسة إنجلترا قد حظرت سايزر بسبب مزاعم "نشاط معاد للسامية" وانتقاد "إسرائيل" في خطوة اعتبرها البعض بمثابة "انحناء للمؤسسة الدينية التاريخية للوبي الصهيوني" ومُنع القس من الخدمة 12 عاما بعد قرار محكمة الكنيسة، ليصبح غير قادر على أداء أي أدوار كهنوتية، مثل خدمات الزواج أو المناولة خلال هذه الفترة.
وعدد كانون العديد من الأشخاص الذين لاقوا نفس مصير سايزر، مثل البرلماني البريطاني كريس ويليامسون الذي اضطر للاعتذار بسبب انتقاده لإسرائيل، ورئيس بلدية لندن السابق كين ليفينغستون: "فقد سحقوا تماما كأنما هذا تمثيل بالمدافعين عن القضية الفلسطينية ليكونوا عبرة ومثالا لكل من يحاول الدفاع عن الشعب الفلسطيني".
وتحدث عن ازدواجية المعايير في الغرب بالتعامل مع حرية الرأي والتعبير، ففي الوقت الذي تم منع الكوميدي الفرنسي ديوديني مابالا من تقديم عروض ساخرة ناقدة لإسرائيل، يتم السماح لصحيفة شارلي إيبدو بنشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة لنبي المسلمين محمد "صلى الله عليه وسلم".
وانتقد كانون الصعوبة الكبيرة التي تواجهها الشبكة في بريطانيا في نشر خطابات الشجب ضد الممارسات الإسرائيلية، قائلا: "وكان يتم إخبارنا أن المنصات الإعلامية ترفض نشر ذلك بسبب سياسات النشر".
ومن جهته، قال البروفيسور ليه ليفيداو -أحد مؤسسي الشبكة- : إن الحركة الصهيونية أسست على أساس علماني، فمؤسسو الحركة الصهيونية كانوا "ملحدين" وظهر وقتها شعار ساخر في وصف الأيدولوجية "إن الله غير موجود ولكنه أعطانا الأرض لأننا الشعب المختار".
وأضاف ليفيداو، في حديث مع الجزيرة نت، أن هذه الشعارات متناقضة فهم لم يؤمنوا بالله ولكنهم كانوا بحاجة إلى تبرير كتابي من التوراة لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وقد عارَضَتْها بالفعل فروع يهودية أرثوذوكسية، وبمجرد تحويل الأمر لدولة يهودية نظر إليهم جميع الأرثوذكس بأنه تدنيس واضح للقدسية.
المزج بين اليهودية والأرثوذوكسية
وتابع: "ولكن تدريجيا بدأت تظهر تسويات مع إسرائيل من خلال اللجوء لتبريرات دينية مزجت بين اليهودية والأرثوذوكسية، وبدأ بعد ذلك التحول من تدنيس للقدسية إلى تصالح مع وجود الدولة".
وعن المشروعات التي تطلقها الشبكة، قال: إنها أطلقت في مايو/أيار الماضي كمشروع تشاركي باسم صناع السلام بين المسلمين والمسيحيين واليهود، ممثلين في المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان والصوت اليهودي من أجل فلسطين والقس المسيحي البارز سايزر.
وأضاف أن المبادرة تهدف إلى إقامة لقاءات تسلط الضوء على كيف عاش أصحاب الأديان الثلاثة بالأندلس في سلام، ونقاشات أخرى عن كيفية أن نكون أكثر فاعلية لخدمة القضية الفلسطينية.
وأوضح ليفيداو أن الشبكة تعمل على فضح التضليل الإعلامي المقصود ضد الفلسطينيين "وسرد فرضية أن للشعب اليهودي الحق في امتلاك الأرض وكل تلك المزاعم المزعجة هي ادعاءات لا علاقة لها باليهودية كديانة".
وخلص إلى أنه يتم استخدام معاداة السامية كسلاح تعسفي لسحق السياسيين الذين يدعمون القضية الفلسطينية، ليس على مستوى الأفراد فحسب، ولكن تم إخراس العديد من المنظمات الإسلامية التي حاولت معارضة أو التفكير في انتقاد إسرائيل.