لكثير من الأسباب لجأ عدد معتبر من المسلمين لبلدان الغرب، وظنوا أنهم سيتفيؤون ظلال الحرية والعدالة، ولكنهم فوجئوا مفاجأة صادمة، لتناقض هويتهم الثقافية مع ما استقر عند الغربيين، من مكتسبات وتجارب غطت على الأخلاق الدينية، والتقاليد التي ما كان يظن المسلمون أنها يمكن أن تتجاوز.
فعاشت هذه الجليات أو لنقل الأقليات المسلمة في الغرب مشتتة بين ثقافتين؛ بين الثقافة الإسلامية التي تعكس الهوية الدينية الفطرية، وبين الثقافة الغربية التي تعكس الهوية الوطنية المكتسبة.
وبرز للوجود سؤال لا يمكن تجاوزه، بل الواجب الوقوف عنده للإجابة عليه، وهذا السؤال هو : هل يمكن للمسلمين في الغرب أن يكونوا مواطنين غربيين بهوية إسلامية؟ أم يجب استيعابهم ضمن هوية مدنية تلغي الخصوصيات الدينية والثقافية.
والحقيقة أنه لولا الشحن السياسي، ولوبيات العنصريين وأعداء الحق والخير، لأمكن التعايش مع الواقع الجديد، ومواكبة الغرب مع الاحتفاظ بالهوية الإسلامية؛ وذلك لسبب بسيط، وهو أن الإسلام في أصله دين تسامح، وأهله أقل البشرية تعصباً، وهم أكثر الناس ميلا للرحمة، ويسوغ عندهم الاختلاف، ويؤمنون بالتنوع؛ لأنهم ينطلقون من مسلمات قرآنية كقول ربنا سبحانه[ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين..]، وكقول الله تعالى:[ولكل وجهة هو موليها].
استقر المسلمون في دول الغرب ونيتهم المساهمة في العمران، وسعوا دوما ليكونوا جزءً من البناء والنماء، لكن أيادي اللوبيات الخبيثة، أبت على المسلمين ذلك، وألصقت بهم التهم، وحشرتهم في زاوية ضيقة.
رافقت المسلمين هناك مشكلات دائمة، وإن كانت تختلف من بلد لآخر، لكنها تشترك في عمومها، ويمكن إجمال أبرزها في النقاط التالية:
- جماعات اليمين المتطرف:هذه الجماعات اجتاحت كثيرا ممن بلدان الغرب، وهي تستهدف كل الأجانب، لكنها تصب جام غضبها على المسلمين وتستهدفهم بشكل أدق، وقد وصل الاستهداف إلى التصفيات الجسدية، واستهداف الناس في أولادهم وطرق تربيتهم.
وإنك لتعجب حين ترى أصحاب النحل الأرضية المنحرفة، تفتح لهم الأبواب، ويسمح لهم بطقوسهم، في كل ميدان، بينما تقوم الدنيا من أجل لباس فتاة مسلمة تريد الحشمة والعفاف، و تتحرك الجمعيات والمنظمات لتجريم فعل ثقافي إسلامي يوافق الفطرة ويكرم الإنسان.
- التضيق عليهم في بناء المساجد والمدارس، وهذا يحصل في كثير من بلدان العالم المتحضر الذي يدعي كفالة الحريات، والسهر على حقوق الإنسان.
- تضخيم الاخطاء الفردية، وإعطائها حيزاً إعلاميا كبيرا بهدف تشويه المسلمين، والنيل من عقيدتهم.
- إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، وتصوير المسلم أنه إنسان يود الانتقام من البشرية كلها.
- ضعف التنسيق والتعاون المشترك فيما بين المسلمين، وانكفاء كل جنسية على نفسها إلى حد كبير.
- ضعف الكوادر الإسلامية المؤهلة للعمل في المجال الدعوي، خاصة تلك التي تتقن اللغة الإنجليزية حتى تتمكن من تعليم مبادئ الإسلام واللغة العربية للأجيال المسلمة التي تعاني ضعفا شديدا في ذلك.
- قلة الوعي بالتعاليم الإسلامية وندرة الدعاة المؤهلين.
- التهميش السياسي وعدم المشاركة في الحكومات ومؤسسات الدول التي يعيشون فيها.
ومع كل هذه العقبات ظل المسلمون في غالبهم هناك يحملون وجوها مشرقة، تبني وتعمر وتشارك في نشر الفضيلة والحق والخير.
ويحاولون الحفاظ على هويتهم الإسلامية، لكن ضعف الإمكانات والموارد وندرة الدعاة المتخصصين يقف عائقا دون تحقيق كل ما يطلبون، مما ينعكس سلباً على أوضاعهم الاجتماعية والثقافية، ويزيد من حدة هذه المشاكل عدم وجود لوبي عربي وإسلامي قوي، يشارك في الإعلام ويغطي الاستهداف المباشر للمسلمين.
وعلى الرغم من كل ما تتعرَّض له الأقليات الإسلامية من عسف ومكر وكراهية في المجتمعات التي تعيش فيها، إلا أنها بدت واثقة بذاتها، قادرة على الدفاع عن كيانها وهويتها، دون صدام مع الآخر، وسيكون المستقبل مشرقا بإذن الله، خاصة وأن الناس تقبل على الإسلام في كل يوم جديد، تبحث عن الطمأنينة واليقين، [والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون].