عاصم بن أبي النجود الأسدي: الإمام الكبير، مقرئ العصر، أبو بكر الأسدي مولاهم، الكوفي. واسم أبيه: بهدلة. وقيل: بهدلة أمه، قال الذهبي: وليس بشيء، بل هو أبوه. مولده: في إمارة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
قرأ القرآن على: أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، وزر بن حبيش الأسدي، وحدث عنهما، وعن: أبي وائل، ومصعب بن سعد، وطائفة من كبار التابعين. وهو معدود في صغار التابعين.
حدَّث عنه: عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان -وهما من شيوخه- وسليمان التيمي، وأبو عمرو بن العلاء، وشعبة، والثوري، وحماد بن سلمة، وشيبان النحوي، وأبان بن يزيد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وعدد كثير. وتصدَّر للإقراء مدة بالكوفة، فتلا عليه: أبو بكر بن عياش، وحفص بن سليمان، وآخرون.
انتهت إليه رئاسة الإقراء بعد أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ شيخه. قال أبو بكر بن عياش: لما توفي أبو عبد الرحمن السلمي، جلس عاصم يُقرئ الناس، وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن حتى كأن في حنجرته جلاجل، (الجلجل: الجرس الصغير).
قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق، يقول: ما رأيت أحداً أقرأ من عاصم. وعن الحسن بن صالح، قال: ما رأيت أحداً قط أفصح من عاصم بن أبي النجود، إذا تكلم، كاد يدخله خيلاء.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة، فقال: رجل صالح، خيِّر، ثقة. قلت: أي القراءات أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن، فقراءة عاصم.
وحدَّث أبو بكر بن عياش، قال لي عاصم: مرضت سنتين، فلما قمت، قرأت القرآن، فما أخطأت حرفاً.
وروى شريك، قال: كان عاصم صاحب همز ومدٍّ وقراءة شديدة. وقال أحمد العجلي: عاصم صاحب سنة وقراءة، كان رأساً في القرآن، قدم البصرة، فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر.
وقال أبو بكر بن عياش: كان عاصم نحويًّا فصيحاً إذا تكلَّم، وكان هو والأعمش وأبو حصين الأسدي لا يبصرون. وجاء رجل يوماً يقود عاصماً، فوقع وقعة شديدة، فما نهره، ولا قال له شيئاً.
وذكر ابنه سلمة بن عاصم في وصف أبيه، قال: كان عاصم بن أبي النجود ذا أدب، ونسك، وفصاحة، وصوت حسن.
قال عاصم: من لم يحسن من العربية إلا وجهاً واحداً، لم يحسن شيئاً. قال: ما أقرأني أحد حرفاً إلا أبو عبد الرحمن السُّلَمي، وكان قد قرأ على عليٍّ رضي الله عنه، وكنت أرجع من عنده، فأعرض على زر بن حبيش، وكان زر قد قرأ على ابن مسعود، فقلت لعاصم: لقد استوثقت.
وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن السُّلَمِيِّ في شيء من قراءته، وأنَّ أبا عبد الرحمن لم يخالف عليًّا رضي الله عنه في شيء من قراءته.
وروي عن حفص بن سليمان، قال: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي قرأتُ بها على أبي عبد الرحمن، فهي التي أقرأتك بها، وما كان من القراءة التي أقرأتُ بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي عرضتها على زر عن ابن مسعود.
وذكر أبو بكر بن عياش، قال: لم يكن عاصم يعد {الم} آية، ولا {حم} آية، ولا {كهيعص} آية، ولا {طه} آية، ولا نحوها. قال: وكان عاصم إذا صلَّى، ينتصب كأنه عود، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابداً، خيرا، يصلي أبداً، ربما أتى حاجة، فإذا رأى مسجداً، قال: مِلْ بنا، فإن حاجتنا لا تفوت. ثم يدخل، فيصلي.
قال أبو بكر بن عياش: دخلت على عاصم وهو في الموت، فقرأ: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} بكسر الراء، وهو لغة لهذيل.
قال الذهبي: كان عاصم ثبتاً في القراءة، صدوقاً في الحديث. وقد وثَّقه: أبو زُرْعة، وجماعة. وقال أبو حاتم: محلُّه الصدق. وقال الدار قطني: في حفظه شيء -يعني: للحديث لا للقرآن- وما زال في كل وقت يكون العالم إماماً في فنٍّ مقصِّراً في فنون. وكذلك كان صاحبه وراويه حفص بن سليمان ثبتاً في القراءة، واهياً في الحديث، وكان الأعمش بخلافه، كان ثبتاً في الحديث، ليناً في الحروف، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب (المنهج) وغيره، لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر.
توفي عاصم رحمه الله في آخر سنة سبع وعشرين ومئة. قال الذهبي: حديثه في الكتب الستة، لكن في (الصحيحين) متابعة.
ثم إن لعاصم راويين:
الأول: حفص بن سليمان بن المغيرة، أبو عمر الأسدي الكوفي الغاضري البزاز، ويُعرف بـ (حفيص)، أخذ القراءة عَرْضاً وتلقيناً عن عاصم، وكان ربيبه ابن زوجته، ولد سنة تسعين، قال الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم عن الناس تلاوة، ونزل بغداد فأقرأ بها، وجاور بمكة فأقرأ أيضاً بها، وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم روايةُ أبي عمر حفص بن سليمان، وقال أبو هاشم الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم. وقال ابن المنادي: قرأ على عاصم مراراً، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم، وأقرأ الناس دهراً، وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى عليٍّ رضي الله عنه.
وقد روي عن حفص أنه قال: قلت لعاصم: أبو بكر يخالفني، فقال: أقرأتك بما أقرأني أبو عبد الرحمن السُّلَمِيِّ عن علي بن أبي طالب، وأقرأته بما أقرأني زِرُّ بن حبيش عن عبد الله بن مسعود.
وذكر حفص أنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا في حرف الروم {الله الذي خلقكم من ضعف} (الروم:54) قرأه بالضم {ضُعف} وقرأه عاصم بالفتح {ضَعف}، روى القراءة عنه عرضاً وسماعاً: حسين بن محمد المروذي، وحمزة بن القاسم الأحول، وسليمان بن داود الزهراني، وحمد بن أبي عثمان الدقاق، والعباس بن الفضل الصفار، وعبد الرحمن بن محمد بن واقد، ومحمد بن الفضل زرقان، وخلف بياض الحداد، وعمرو بن الصباح، وعبيد بن الصباح، وآخرون. توفي سنة ثمانين ومئة على الصحيح.
الثاني: شعبة بن عياش بن سالم، أبو بكر الحناط -بالنون- الأسدي النهشلي الكوفي الإمام العَلَم راوي عاصم، اختلف في اسمه على ثلاثة عشر قولاً أصحها شعبة، ولد سنة خمس وتسعين، وعرض القرآن على عاصم ثلاث مرات وعلى عطاء بن السائب وأسلم المنقري، عرض عليه: أبو يوسف يعقوب بن خليفة، وعبد الرحمن بن أبي حماد، وعروة بن محمد الأسدي، ويحيى بن محمد العليمي، وسهل بن شعيب، قال الداني: ولا يُعلم أحد عَرَض عليه القرآن غير هؤلاء الخمسة، وروى عنه الحروف سماعاً من غير عرض: إسحاق بن عيسى، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وأحمد بن جبير، وحماد بن أبي أمية، وغيرهم. عمَّر دهراً، إلا أنه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنين. قال ابن الجزري: "كان إماماً كبيراً عالماً عاملًا، وكان من أئمة السنة". وروى يحيى بن أيوب عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يُفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة، وكذا قال يحيى بن معين. توفي سنة ثلاث وتسعين ومئة.
مراجع الترجمة
* سير أعلام النبلاء، للذهبي.
* طبقات القراء، للجزري.