وفاة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (صاحب الحنجرة الذهبية) 20 ربيع الآخر 1409هـ(1988م):
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من مشاهير القرّاء وعمالقة دولة التلاوة، الذين ملأوا الدنيا تلاوة خاشعة، وقراءة تأخذ بالألباب، مع جمال الصوت وحُسن الأداء، وروعة التلاوة، وقد أثّرت طريقة أدائه الساحرة في قرّاء الدنيا شرقًا وغربًا، فقلدوه في التلاوة وطريقة الأداء، وعذوبة الصوت.
مولده و نشأته:
ولد القارئ عبد الباسط عبد الصمد عام 1927م بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا.
نشأ فى أسرة قرآنية ..فالجد الشيخ عبد الصمد من الحفظة المشهود لهم بالتمكن فى حفظ القرآن الكريم والوالد هو الشيخ محمد عبد الصمد كان أحد المجودين المجيدين للقرآن الكريم.
كان ترتيبه الثالث بين أخوته فأخوه الأكبر محمود عبد الصمد مفتش ثانوي سابق يليه عبد الحميد عبد الصمد ناظر ثانوي أزهري بالمعاش ثم الشيخ عبدالباسط ثم أخوهم الأصغر عبد الله عبد الصمد.
ألحقه أبوه بكتاب البلدة مع إخوته عام 1934م إلا أن الطفل عبدالباسط تميز عن إخوته في حفظه للقرآن وحسن تلاوته له فرغم التحاقه بالكتاب في السابعة من عمره إلا أ نه أتم حفظه قبل بلوغ العاشرة و مما جعل والده يهتم به أكثر لما رأى فيه من حسن الأداء وجمال الصوت ليكون من أهل القرآن وذلك بخلاف إخوته الذين لم يكونوا مثله ولم يتمتعوا بموهبته فاكتفى بإتمامهم حفظ القرآن ثم وجههم إلى التعليم الأزهري ...
وتفرغ الأب لإبنه عبد الباسط فأولاه إهتماما خاصا حيث ألحقه بالمعهد الديني بمدينة أرمنت فتعلم القراءات وعلوم القرآن ونال اهتمام شيخه العالم الأزهري محمد سليم حمادة الذي كان يصطحبه معه ليقرأ في السهرات والحفلات حتى أصبح الصبي عبد الباسط مشهورا في نجوع وقرى محافظات الوجه القبلي ولم يكن عمره قد تجاوز الخامسة عشرة بعد، حتى أصبح يدعى إلى إحياء الحفلات والسهرات القرآنية بمفرده دون شيخه.
تأثر الشيخ عبد الباسط بمشاهير القراء فى هذا الوقت مثل الشيخ محمد رفعت ومصطفى إسماعيل، وعلي حزين.
بدأ الشيخ عبد الباسط طريق الشهرة من الصعيد مع إحياء ليالي شهر رمضان، حيث تُعقد سرادقات في الشهر الكريم تقيمها الأسر الكبيرة، ويتلى فيها القرآن.
إلى القاهرة
قدم الشيخ عبد الباسط إلى القاهرة سنة (1370هـ - 1950م) وزار مسجد السيدة زينب في اليوم قبل الأخير لمولد السيدة زينب، وقدمه إمام المسجد الشيخ علي سبيع للقراءة، وكان يعرفه من قبلُ، وتردد الشيخ وكاد يعتذر عن القراءة لولا أن شجعه إمام المسجد فأقبل يتلو من قوله تعالى في سورة الأحزاب: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" فجذب الأسماع، وسيطر صوته على الحاضرين.
وبعد عام من حضوره الى القاهرة تقدم الشيخ إلى الإذاعة لإجازته، وتشكلت لجنة من كبار العلماء، وضمّت الشيخ الضياع شيخ عموم المقارئ المصرية، والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد البنا، وقد أجازته اللجنة واعتمدته قارئا، وذاع صيته مع أول قراءة له في الإذاعة، وصار له وقت محدد مساء كل يوم سبت، تذاع قراءته فيه.
بعد الشهرة التي حققها الشيخ "عبد الباسط" في بضعة أشهر كان لابد من إقامة دائمة بالقاهرة مع أسرته التي نقلها من الصعيد إلى حي السيدة، وبسبب التحاقه بالإذاعة، زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو، وتضاعف إنتاجها، وانتشرت بمعظم البيوت للاستماع إلى صوت الشيخ "عبد الباسط" وكان الذي يمتلك (راديو) في منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران من سماع الشيخ "عبد الباسط" وهم بمنازلهم وخاصةً كل يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً، بالإضافة إلى الحفلات الخارجية التي كانت تذاع على الهواء مباشرة من المساجد الكبرى.
و فى سنة (1372هـ-1952م) اختير الشيخ قارئًا للسورة في مسجد الإمام الشافعي، ثم قارئا للمسجد الحسيني خلفًا لزميله الشيخ محمود علي البنا سنة (1406هـ- 1985م) .
و كان للشيخ الفضل فى إنشاء نقابة لمحفظي القرآن الكريم كما انه انتُخب نقيبًا للقرّاء في سنة (1405هـ - 1984م).
و قد سجل الشيخ القرآن الكريم، وكانت بعض تسجيلاته بالقراءات السبع، ولا يزال يذاع في إذاعة القرآن الكريم بمصر المصحف المرتل بصوته العذب و في إذاعات أخرى كثيرة.
زياراته المتعددة إلى دول العالم :
بدأ الشيخ "عبد الباسط" رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغيره .. كانت بعض الدعوات توجه إليه ليس للاحتفال بمناسبة معينة، وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت إليه لإقامة حفل بغير مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها حضر الشيخ "عبد الباسط" فكان ردهم (بأن المناسبة هو وجود الشيخ "عبد الباسط" فكان الاحتفال به ومن أجله، وهذا يظهر من خلال استقبال شعوب دول العالم له استقبالاً رسميًا على المستوى القيادي والحكومي والشعبي.. حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه وهو ينزل من الطائرة..
وفي جاكرتا بدولة أندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه حتى مطلع الفجر.
كانت أول زيارة للشيخ "عبد الباسط" خارج مصر بعد التحاقه بالإذاعة عام 1952م زار خلالها السعودية لأداء فريضة الحج ومعه والده.. واعتبر السعوديون هذه الزيارة فرصة يجب أن تجنى منها الثمار، فطلبوا منه أن يسجل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة.. لم يتردد الشيخ "عبد الباسط" وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي زار فيها السعودية، وإنما تعددت الزيارات ما بين دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام.
ومن بين الدول التي زارها (الهند) لإحياء احتفال ديني كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك، ولم يقتصر الشيخ "عبد الباسط" في سفره على الدول العربية والإسلامية فقط، وإنما جاب العالم شرقًا وغربًا.. شمالاً وجنوبًا وصولاً إلى المسلمين في أي مكان من أرض الله الواسعة..
ومن أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن هي المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس، وكذلك المسجد الإبراهيمي بالخليل بفلسطين، والمسجد الأموي بدمشق، وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم.
تكريمه:
لم ينل قارئ فى القرن العشرين من الأوسمة والنياشين وتكريم المستمعين والحب الذى لاقاه من الملوك والرؤساء مثل الشيخ عبدالباسط فقد كان الملك محمد الخامس رحمه الله متيما بصوت الشيخ عبدالباسط بالإضافة إلى الرئيس مأمون عبدالقيوم رئيس جزر المالديف ففى مطار جزر المالديف استقبله فى المطار وكان يصحبه فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جادالحق وكان ذلك عام 1987م
وعلى المستوى الرسمى نال الشيخ عبدالباسط الأوسمة التالية :
- وسام الكفاءة الفكرية المغربى.
- وسام الاستحقاق السنغالى.
- وسام رئيس وزراء سوريا .. صبرى العسلى.
- وسام الاستحقاق من أندونيسيا.
- وسام الإذاعة المصرية فى عيدها الخمسين عام 1984.
- الوسام الذهبى من باكستان عام 1958.
- نياشين من تونس ولبنان والعراق.
- وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس مبارك فى يوم الدعاة عام 1987.
- وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى الاحتفال بليلة القدرعام 1990.
وفاته
عاش الشيخ عبدالباسط 61 عاما كلها مع القرآن الكريم وفاضت روحه الكريمة - بعد عطاء فياض ما زال يروى القلوب قبل الآذان - فى يوم الأربعاء الموافق (20 من ربيع الآخر 1409هـ - 30 من نوفمبر 1988م) بعد صراع مع المرض وبعد رحلة قصيرة للعلاج فى لندن من التهاب كبدى بالإضافة إلى مرض السكر، رحم الله إمام القراء ورائد المدرسة المتميزة فى عالم التلاوة وأول نقيب لمحفظى القرآن الكريم وقرائه.