الساعة كما قال ابن الأثير: "الوقت الذي تقوم فيه القيامة". وقال ابن منظور: "قال الزجّاج: معنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة". وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}(القمر:1): "يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها، وحان وقت مجيئها". وقال الشيخ ابن عثيمين: "والساعة هي القيامة".
وقدْ دلت الأحاديث النبوية الصحيحة على أن الساعة لا تقوم إلا على شِرار الناس، ولا يوجد في الأرض حينئذ أَحَدٌ في قَلْبِه خيرٌ أو إيمانٌ بالله عزَّ وجل، وذلك في آخر الحياة الدنيا، بعد ظهور المسيح الدجال وقتله على يد عيسى ابن مريم عليه السلام، وظهور الإسلام وأهله، وبَعْدَ طُلُوع الشَّمسِ من مَغْرِبِها، وخروجِ الدَّابَّةِ، وسائرِ الآيات العِظام. وجاء تفصيل ذلك في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ في أُمَّتي فَيَمْكُث أَرْبَعِين، لا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسى ابْن مَرْيَم كَأنَّه عُرْوَة بن مَسْعُود (في صورة عروة)، فيَطْلُبُه فيُهْلِكُه، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِين، ليسَ بيْن اثْنَيْنِ عَدَاوَة، ثُمَّ يُرْسِل اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِن قِبَلِ الشَّام، فلا يَبْقى على وَجْه الأرْض أَحَدٌ في قَلْبِه مِثْقَال ذَرَّةٍ مِن خَيْر، أَوْ إيمَانٍ إلَّا قَبَضَتْه، حتَّى لو أنَّ أَحَدَكُمْ دَخَل في كَبِدِ جَبَلٍ (وسطه وداخله) لَدَخَلَتْه عليه، حتَّى تَقْبِضَه، قال: سَمِعْتُهَا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاس في خِفَّة (اضطراب) الطَّيْر وأَحْلَامِ السِّبَاع (عقول السباع الناقصة)، لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لهمُ الشَّيْطَانُ، فيَقول: أَلَا تَسْتَجِيبُون؟ فيَقولون: فَما تَأْمُرُنا؟ فَيَأْمُرُهُم بعِبادة الأوْثَان، وَهُمْ في ذلك دَارٌّ (كثير) رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ في الصُّور).
قال النووي: "(فَيَبْقَى شِرَار النَّاس فِي خِفَّة الطَّيْر وَأَحْلَام السِّبَاع) قال العلماء: معناه يكونُون في سُرْعَتهمْ إِلَى الشُّرُور وَقَضَاء الشَّهَوَات والفساد كطيران الطَّيْر، وفي الْعُدْوَان وَظُلْم بَعْضهم بَعْضاً في أَخْلَاق السِّبَاع العادية".
والأحاديث الصحيحة في أن الساعة لا تقوم إلا على شِرار الناس كثيرة، ومنها:
1 ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة إلا على شِرار الناس) رواه مسلم.
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث ريحاً من اليمن، ألين من الحرير (ألين مِنَ الحرير رِفقًا وإكراما لِلمُؤمِنين)، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضتْه (قبضت روحه وذلك عند قيام الساعة)) رواه مسلم.
3 ـ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله) رواه مسلم.
4 ـ عن النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الدجال ويأجوج ومأجوج: (فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارُج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة) رواه مسلم.
قال القاضي عياض: "الهرْج: الفتن في آخر الزمان. والهرج أيضاً: الاختلاط، ومنه قيل: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة. والهرج أيضاً: كثرة النكاح.. وفى الحديث: (يتهارجون تهارج الحمر) يحتمل للمعنيين معا". وقال ابن حجر: "والذي يظهر أنه هنا بمعنى يتقاتلون". وقال العيني: "(يتهارجون تهارج الحُمُر) قيل: معناه: يتخالطون رجالا ونساء ويتناكحون مزاناة.. وقال الكرماني: إرادة القتل من لفظ الهَرْج إنما هو على طريق التجوز".
5 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبَدَ اللّاتُ والْعُزَّى، فَقُلتُ: يا رسول الله إن كنتُ لأظن حين أنزل الله {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}(الصف:9) أن ذلك تاماً (أي أن ملَّةَ الإِسلامِ ظاهرةٌ على الأَديانِ كلِّها)، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم) رواه مسلم.
هذه الأحاديث وما في معناها من أحاديث، تدل على أن الساعة لا تقوم إلا على الشرار من الناس فقط، قال القرطبي: "هذا غاية في البيان في كيفية انقراض هذا الخَلق وهذه الأزمان، فلا تقوم الساعة وفي الأرض من يعرف الله، ولا من يقول: الله الله".
فائدة:
1 ـ يدَّعي بعض المشككين أن هناك تعارضاً بين الأحاديث الدالة على بقاء الخير في الأمة، مع الأحاديث الواردة في قيام الساعة على شرار الناس. ويستدلون بأحاديث كثيرة، منها ما رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم: (الخير في أمّتي إلى قيام السّاعة). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة).
والجواب على ذلك:
حديث (الخير في أمّتي إلى قيام السّاعة) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورده علماء الحديث في كتب الأحاديث الموضوعة، كما فعل الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. وقال عنه ابن حجر: "لا أعرفه". وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة والموضوعة": "لا أصل له، إلا أن معناه صحيح، فقد قال السخاوي في "المقاصد الحسنة": قال شيخنا ـ يعني ابن حجر العسقلاني ـ: لا أعرفه، ولكن معناه صحيح". ومع ضعف حديث (الخير في أمّتي إلى قيام السّاعة) إلا أن معناه صحيح كما قال ابن حجر، وقد ورد معناه في الحديث الثاني الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) رواه مسلم.
ومن المعلوم عند العلماء أن الجَمع هو إحدى طرق إزالة التعارض بين الأحاديث الصحيحة التي ظاهرها التعارض. فالطائفة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين) تستمر على هذه الصفة إلى قبيل قيام الساعة، ثم يبعث الله عز وجل ريحا طيبة لا تدَع مؤمنا إلا قبضته حتى لا يبقى على وجه الأرض إلا شرار الناس، فتقوم القيامة عليهم. وقد ورد هذا الجمع صريحاً في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن شَماسَة المَهْرِي قال: ( كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخَلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم، فبينما هم على ذلك، أقبل عقبة بن عامر فقال له مَسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة (جماعة وطائفة)من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك، فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة).
قال القاضي عياض: "لا تزال هذه الطائفة على الصفة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بها إلى أن يقبضهم الله فيمن يقبض من المؤمنين قُرب الساعة، وإذ أظهرت أشراطها فقد حان يومها وقرب وقتها".
وقال النووي ـ بعد ذِكْرِهِ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخَلق)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله): "وهذه كلها وما في معناها على ظاهرها، وأما الحديث الآخر (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة) فليس مخالفا لهذه الأحاديث، لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة، وعند تظاهر أشراطها، فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة على أشراطها، ودنوها المتناهي في القُرب".
وقال ابن حجر بعد ذِكْرِه حديث: (لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله): "والجمع بينه وبين حديث (لا تزال طائفة): حمل الغاية في حديث (لا تزال طائفة) على وقت هبوب الريح الطيبة التي تقبض روح كل مؤمن ومسلم فلا يبقى إلا الشرار فتهجم الساعة عليهم بغتة".
2 ـ الساعة لن تقوم حتى يقاتل المسلمون اليهود وينتصروا عليهم، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقاتل المُسْلِمُون اليَهُود، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُون حتَّى يَخْتَبِئ اليَهُودِيُّ مِن وراءِ الحَجَرِ والشَّجَرِ، فيَقولُ الحَجَرُ أوِ الشَّجَر: يا مُسْلِم يا عَبْدَ اللهِ هذا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعالَ فاقْتُلْه، إلَّا الغَرْقَدَ (نوعٌ مِن شجَرِ الشَّوكِ مَعروفٌ ببِلاد بيت المقدِس) فإنَّه مِن شَجَرِ اليَهُود).. وكذلك الساعة لن تقوم إلا على شِرار الخَلق لقوله صلى الله عليه وسلم أنه: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق). ولا تعارض أيضا بين هذين الحديثين الصحيحين، إذ الحديث الأول فيه بيان أن الساعة لن تأتي إلا وقد قاتل المسلمون اليهود، وليس معناه أن ذلك يكون عند قيام الساعة. أما الحديث الآخر ففيه أن الساعة تقوم على شرار الناس. ومما يوضح ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: إن مِن شرار الناس مَنْ تدركهم الساعة وهم أحياء). أما المؤمنون، فلن تدركهم الساعة، بل يموتون قبل ذلك، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وفيه: (ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى ولو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه. قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ في خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاع).
موعد قيام الساعة مِنَ الغيب الذي استأثر الله عز وجل بعلمه، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}(لقمان:34)، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "علم قيام السَّاعَة مخزون عَنِ العباد". وقال الطبري: "{إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره". وقال تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}(فصلت:47)، قال ابن كثير: "{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} أي: لا يعلم ذلك أحد سواه، كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو سيد البشر لجبريل ـ عليه السلام ـ حين سأله عن الساعة فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل)". وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أخفى الساعة عن الخَلق، فقد جعل لها علامات تدل على قرب وقوعها، قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}(محمد:18). قال ابن كثير: "{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أَيْ: أَمَارَاتُ اقْتِرَابِها".
وفي آخر الزمان بعد ظهور المسيح الدجال وقتله على يد عيسى ابن مريم عليه السلام، وظهور الإسلام وأهله، وقبل أن تقوم الساعة يرسل الله عز وجل ريحاً طيبة لينة فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى في الأرض إلا شرار الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخَلق)..
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
الإيمان باليوم الآخر