أعظم ما ينبغي على العبد الاهتمام به هو معرفة الله جلَّ جلاله بأسمائه الحُسْنَى وصفاته العُليا، وإنما يشْرف العلم بحسب شرف المعلوم، ولا علم أشرف من العلم بالله عز وجل وأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، والتعبد لربه سبحانه بذلك.
وأسماء الله تعالى عند أهل السُنَّة توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري. قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حَصْر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سمَّيْتَ به نفسك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك.. وأما قوله صلى الله عليه وسلم (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها، فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر، لأنه جاء مُفَسَرَّاً في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل: (أحصاها): عدها".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسُنة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء:36)، وقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:33)، ولأن تسميته تعالى بما لمْ يُسَمِّ به نفسه، أو إنكار ما سَمَّى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص".
و"الكبير" اسم مِنْ أسماء الله الحسنى، قال ابن منظور في "لسان العرب": "والكبير في صفة الله تعالى: العظيم الجليل". وقال الطبري: " "ألكبير" هو العظيم الذي كل شيء دونه، ولا شيء أعظم منه". وقال الخطابي: "الكبير" هو: الموصوف بالجلال وكِبَر الشأن فصَغُر دون جلاله كل كبير". وقال الزجاج: "الكبير: العظيم الجليل، يُقال: فلان كبير بني فلان، أي: رئيسهم وعظيمهم، ومنه قوله سبحانه: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا}(الأحزاب:67) أي: عظماءنا ورؤساءنا". وقال البيهقي في "الأسماء والصفات". "قال الحليمي في معنى "الكبير": "إنه المصرف عباده على ما يريده منهم مِنْ غير أن يروه".
والله هو "الكبير" في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وكل شيء بالنسبة للكَبير ـ سبحانه ـ مهما عَظُم وكبر فهو صغير، قال ابن القيم: "فالله سبحانه أكبر مِنْ كل شيء، ذاتًا وقدْراً وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء: في ذاته، وصفاته، وأفعاله، كما هو فوق كل شيء، وعالٍ على كل شيء، وأعظم مِنْ كل شيء، وأجلّ من كل شيء، في ذاته وصفاته وأفعاله". وقال السعدي: "وهو الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجلُّ وأعلى، وله التَّعظيم، والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد مُلِئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه".
وقد ورد اسم الله "الكبير" في القرآن الكريم في ستة مواضع:
ـ قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}(الرعد:9)، قال ابن كثير: "{الْكَبِيرُ} الذي هو أكبر من كل شيء". وقال السعدي: "فإنه {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ} في ذاته وأسمائه وصفاته". وفي تفسير أبي السعود: "{الْكَبِيرُ} العظيمُ الشأنِ الذي كلُّ شيء دونه".
ـ وقال الله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(الحج:62). قال البغوي: "{الْكَبِيرُ} الْعَظِيمُ الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ دُونَه". وقال الطبري: "{الكَبِيرُ} يعني العظيم، الذي كل شيء دونه ولا شيء أعظم منه".
ـ وقال الله سبحانه: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(لقمان:30).
ـ وقال عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(سبأ:23).
ـ وقال الله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}(غافر:12)، قال السعدي: "{الْعَلِيِّ}: الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدْر، وعلو القهر، ومِنْ علو قدْرِه كمال عدله تعالى، وأنه يضع الأشياء مواضعها، ولا يساوي بين المتقين والفجار. {الْكَبِير} الذي له الكبرياء والعظمة والمجد، في أسمائه وصفاته وأفعاله المتنزه عن كل آفة وعيب ونقص".
ـ وقال الله عز وجل: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}(النساء:34). قال ابن كثير: "{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير ولِيُهُنَّ وهو منتقم مِمَّن ظلمهن وبغى عليهن". وقال السعدي: "{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} أي: له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر، الكبير الذي لا أكبر منه ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات".
وقد أمرنا الله عز وجل بتكبيره فقال سبحانه: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}(الإسراء:111)، قال ابن كثير: "{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} أي: عظِّمْه وأجِلَّه عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا". وقال السعدي: "{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} أي: عَظِّمْه وأجِلَّه بالإخبار بأوصافه العظيمة، وبالثناء عليه، بأسمائه الحسنى، وبتمجيده بأفعاله المقدسة، وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين كله له". وقال الله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}(لمدثر:3). قال ابن كثير: "أَيْ: عَظِّمْ". وقال السعدي: "{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي: عظِّمه بالتوحيد، واجعل قصدك في إنذارك وجه الله، وأن يعظمه العِباد ويقوموا بعبادته".
والعبادات كلُّها المقصود منها تكبيرُ الله وتعظيمه، وإجلاله وإكرامه، ولهذا كان التكبير "الله أكبر" شعيرةً مِن شعائر الله، وشعارًا للكثير من العبادات، للدلالة على أن الله أعظم وأكبر من أي شيء في الكون. ويُذْكَر التكبير في الكثير من العبادات مثل: ابتداء الصلاة وسائر تكبيراتها، والأذكار أدبار الصلوات، وقبل النوم، ورمي الجِمار، وعند الذبح، وفي العيدين وأيام التشريق. قال ابن تيمية في قول "الله أكبر": "إثبات عظمته، فإن الكبرياء يتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل، ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول "الله أكبر" فإن ذلك أكمل من قول الله أعظم". وقال ابن عثيمين في "الشرح المممتع في باب صفة الصلاة": "كلمة "الله أكبر" معناها أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء في هذا الوجود، وأعظم وأجَّل وأعز وأعلى من كل ما يخطر بالبال أو يتصوره الخيال".
والأحاديث الصحيحة والأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي فيها وصف الله عزَّ وجلَّ بالكِبير، والحث على الإكثار من التكبير كثيرة جدًّا. عن سَمُرة بن جُنْدُب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَحبُّ الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه مسلم. وجاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُريد السفر فقال: (أوصني، قال صلى الله عليه وسلم: عليك بتقوى الله والتكبير (تَقول: اللهُ أَكْبَرُ) على كل شرَف (عِنْدَ صُعودِ كُلِّ شيءٍ مُرْتَفِعٍ)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
اسم الله عز وجل "الكبير" يورث في نفس العبد الثقة بالله سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه الكبير في مُلْكِه، الكبير في رحمته، الكبير في عطائه، الكبير في عفوه، فكُلُّ شَيْءٍ دُونَه، وَلاَ شَيْء أعظم مِنْه.. وتكبير الله يكون بالقلب واللسان، فأما تكبيره بالقلوب، فتعظيمه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، بحيث تَستشعِر القلوب أن الله هو الكَبير المُتعال، عظيم الملكوت والسلطان، المُستحِق للتعظيم والإجلال. وأما تكبيره باللسان، فبقول: الله أكبر، والله أكبر كبيرا، فمَن علِمَ أن الله هو "الكَبير"، وأنَّ شأن اللهِ أكبرُ مِن كل شأن، هانَ أمامه كل أمر مِن أمور الدنيا، فيُقدِّم رضوان الله على كل شيءٍ، فإن شأن اللهِ أكبرُ، وطاعة الله مقدَّمة على أي وكل شيء، فالكلُّ صغير، والله أكبر، فإن من أسمائه سبحانه "الكبير"، قال الله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(الحج:62).
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
معجم أسماء الله الحسنى