قال ابن شبرمة: عجبت لمن يحتمي من الطيبات مخافة الداء، كيف لا يحتمي من المعاصي مخافة النار. فأخذ ذلك بعض الشعراء فقال:
جسمك قد أفنيته بالحمى ... دهرا من البارد والحار
وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي حذر النار
وقال ابن صباوة: إنا نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة الله تعالى أهون من الصبر على عذاب الله تعالى.
وقال آخر: اصبروا عباد الله على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه.
وقيل للفضيل بن عياض - رحمه الله -: رضي الله عنك. فقال: كيف يرضى عني ولم أرضه.
وقال حماد بن زيد: عجبت لمن يحتمي من الأطعمة لمضراتها، كيف لا يحتمي من الذنوب لمعراتها.
وقال بعض الصلحاء : أهل الذنوب مرضى القلوب. وقيل للفضيل بن عياض - رحمه الله -: ما أعجب الأشياء؟ فقال: قلب عرف الله عز وجل ثم عصاه.
وقال رجل لابن عباس - رضي الله عنه -: أيما أحب إليك رجل قليل الذنوب قليل العمل، أو رجل كثير الذنوب كثير العمل؟ فقال ابن عباس - رضي الله عنه: لا أعدل بالسلامة شيئا . وقيل لبعض الزهاد: ما تقول في صلاة الليل؟ فقال: خف الله بالنهار ونم بالليل. وسمع بعض الزهاد رجلا يقول لقوم: أهلككم النوم. فقال: بل أهلكتكم اليقظة.
وقيل لأبي هريرة - رضي الله عنه -: ما التقوى؟ فقال: أجزت في أرض فيها شوك؟ فقال: نعم. فقال: كيف كنت تصنع؟ فقال: كنت أتوقى. قال: فتوق الخطايا.
وقال عبد الله بن المبارك:
أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قوم واستراحوا ... ولم يتجرعوا غصص المعاصي
وقال بكر بن عبد الله: رحم الله امرأ كان قويا فأعمل قوته في طاعة الله تعالى أو كان ضعيفا فكف عن معصية الله تعالى.
وقال عبد الأعلى بن عبد الله الشامي - رحمه الله تعالى -:
العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجل جوارحه عليه شهود
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي ... تقليلها وعن الممات يحيد
وقال بعض السلف : ضاحك معترف بذنبه، خير من باك مدل على ربه، وباك نادم على ذنبه خير من ضاحك معترف بلهوه.
وقال الفضيل بن عياض : رهبة المرء من الله تعالى على قدر علمه بالله تعالى.
وقال الحكماء: ما بينك وبين أن لا يكون فيك خير إلا أن ترى أن فيك خيرا. وقيل لرابعة العدوية - رحمها الله -: هل عملت عملا قط ترين أنه يقبل منك؟ قالت: إن كان شيء فخوفي أن يرد علي عملي.
وقال بزرجمهر : إن يكن الشغل مجهدة، فالفراغ مفسدة .
وقال بعض البلغاء: لا تمض يومك في غير منفعة، ولا تضع مالك في غير صنعة؛ فالعمر أقصر من أن ينفد في غير المنافع، والمال أقل من أن يصرف في غير الصنائع.
قال الحسن البصري - رحمه الله -: ما أطال عبد الأمل، إلا أساء العمل. وقال رجل لبعض الزهاد بالبصرة: ألك حاجة ببغداد؟ قال: ما أحب أن أبسط أملي إلى أن تذهب إلى بغداد وتجيء. وقال بعض الحكماء: الجاهل يعتمد على أمله، والعاقل يعتمد على عمله. وقال بعض البلغاء: الأمل كالسراب غر من رآه، وخاب من رجاه.
وقال محمد بن يزدان: دخلت على المأمون وكنت يومئذ وزيره فرأيته قائما وبيده رقعة فقال: يا محمد أقرأت ما فيها؟ فقلت : هي في يد أمير المؤمنين.
فرمى بها إلي فإذا فيها مكتوب:
إنك في دار لها مدة ... يقبل فيها عمل العامل
أما ترى الموت محيطا بها ... قطع فيها أمل الآمل
تعجل بالذنب لما تشتهي ... وتأمل التوبة من قابل
والموت يأتي بعد ذا بغتة ... ما ذاك فعل الحازم العاقل
فلما قرأتها قال المأمون - رحمه الله تعالى -: هذا من أحكم شعر قرأته. وقال أبو حازم الأعرج: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب، ونحن لا نتوب حتى نموت.
قال عبد الله بن المبارك: أفضل الزهد إخفاء الزهد.
ومر أبو أمامة ببعض المساجد فإذا رجل يصلي وهو يبكي فقال له: أنت أنت لو كان هذا في بيتك.
والعرب تقول: لولا الوئام لهلك الأنام. أي لولا أن الناس يرى بعضهم بعضا فيقتدي بهم في الخير لهلكوا. ولذلك قال بعض البلغاء: من خير الاختيار صحبة الأخيار، ومن شر الاختيار مودة الأشرار.
وهذا صحيح؛ لأن للمصاحبة تأثيرا في اكتساب الأخلاق، فتصلح أخلاق المرء بمصاحبة أهل الصلاح وتفسد بمصاحبة أهل الفساد. ولذلك قال الشاعر:
رأيت صلاح المرء يصلح أهله ... ويعديهم عند الفساد إذا فسد
يعظم في الدنيا بفضل صلاحه ... ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد
وأنشدني بعض أهل الأدب لأبي بكر الخوارزمي:
لا تصحب الكسلان في حالاته ... كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... والجمر يوضع في الرماد فيخمد
وقال بعض البلغاء: الدنيا لا تصفو لشارب، ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة،..، فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك، واستبدل بها قبل أن تستبدل بك، فإن نعيمها يتنقل، وأحوالها تتبدل، ولذاتها تفنى، وتبعاتها تبقى. وقال بعض الحكماء: انظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق لها، ولا تتأملها تأمل العاشق الوامق بها.
وقال علي رضي الله عنه يصف الدنيا : أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها أمن ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.
وقال وهب بن منبه: مثل الدنيا والآخرة مثل ضرتين إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى. وقال عبد الحميد: الدنيا منازل، فراحل ونازل.
وقال بعض الحكماء : الدنيا إما نقمة نازلة، وإما نعمة زائلة.وقال الشاعر:
تمتع من الأيام إن كنت حازما ... فإنك منها بين ناه وآمر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
فلن تعدل الدنيا جناح بعوضة ... ولا وزن ذر من جناح لطائر
فما رضي الدنيا ثوابا لمؤمن ... ولا رضي الدنيا جزاء لكافر