في القرآن الكريم جاء قول الله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} (الرحمن:33).
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله سبحانه: {إن استطعتم أن تنفذوا} فقال بعضهم: معنى ذلك: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض، فتُعْجِزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم؛ فجُوْزوا ذلك، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم. قالوا: وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض، فانفذوا هاربين من الموت، فإن الموت مدرككم، ولا ينفعكم هربكم منه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا. وقال آخرون: معنى قوله: {لا تنفذون} لا تخرجون من سلطاني.
وقوله سبحانه: {إلا بسلطان} يعني بـ (السلطان) البيِّنة من الله جل ثناؤه، وهذا القول رجحه الطبري. وقال آخرون: معناه: إلا بحجة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا بمُلك، وليس لكم مُلك. هذا حاصل أقوال المفسرين في المراد من الآية.
بعد الذي ذكره المفسرون في المراد من الآية نقول: إن الله سبحانه خلق هذا الكون، وأودع فيه من الأسرار ما لا يعلمها إلا الله، فهذا الكون يتوسع الآن، وذلك ما أخبر عنه سبحانه بقوله: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات:47) وفي هذا البناء الكوني العجيب من الأجرام السماوية والمجرات بنجومها وكواكبها أعداد هائلة، يصل عددها إلى أكثر من (120) مليار مجرَّة معروفة حتى الآن في كل واحدة منها مليارات النجوم والأجرام السماوية، استطاع العلماء أن يرصدوا بعضاً منها باستخدام المراصد الفلكية (Telescopes) التي تعددت في أنماطها، فمنها التي تكون ثابتة على قمم الجبال، وبعضها يتحرك في مدارات محددة خارجية، وبعضها يعمل بالأشعة تحت الحمراء، وبعضها بأشعة (X) والبعض الآخر بموجات الراديو، والهدف واحد هو معرفة أسرار هذا الكون.
وللمجرات -كما هو معروف- أشكال مختلفة، وأبعاد هندسية، وأقطار هائلة، نذكر منها:
1- مجرة درب التبانة (Milky Way Galaxy) قطر المجرّة = 100 ألف سنة ضوئية (السنة الضوئية = 9.46 تريليون كيلومتر)100.000 × 9.46 تريليون كيلومتر = 946000 تريليون كيلومتر، وبُعْد الأرض عن مركز المجرة = 25 ألف سنة ضوئية 25000 × 9.46 تريليون كيلو متر = 236500 تريليون كيلومتر.
2- مجرَّة (NGC 4258) قطر المجرة = 131 ألف سنة ضوئية 131000 × 9.46 تريليون كيلومتر = 1239260 تريليون كيلومتر، وبُعْد المجرة عن الأرض (نقطة انطلاق الجن والإنس) = 25 مليون سنة ضوئية 25.000.000 × 9.46 تريليون كيلومتر = 236.500.000 تريليون كيلومتر.
3- مجرّة (M87) قطر المجرة = 120 ألف سنة ضوئية 120.000 × 9.46 تريليون كيلومتر=1135200 تريليون كيلومتر، وبُعْد المجرة عن الأرض (نقطة انطلاق الجن والإنس) = 50 مليون سنة ضوئية 50.000.000 × 9.46 تريليون كيلومتر = 473.000.000 تريليون كيلومتر.
4- مجرّة (Andromeda) قطر المجرّة = 200 ألف سنة ضوئية 200.000 × 9.46 تريليون كيلومتر = 1892.000 تريليون كيلومتر، وبُعْد المجرة عن الأرض (نقطة انطلاق الجن والإنس) = 2 مليون سنة ضوئية 2.000.000 × 9.46 تريليون كيلومتر = 18920000 تريليون كيلومتر.
وعادة تكون آلاف من هذه المجرات متقاربة، بحيث تشكل تجمعات عنقودية، يبلغ قطرها أكثر من (10) ملايين من السنين الضوئية.
وهناك أيضاً تجمعات عملاقة من المجرات، محبوكة مع بعضها بأوتار وخيوط دقيقة، وتشكل منها نسيجاً رائعاً محبوكاً بعناية إلهية خارقة، شأنها شأن السماء كلها، وهذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله عز وجل: {والسماء ذات الحبك} (الذاريات:7).
ومن أمثلة هذا التجمعات العملاقة ما يُعرف بالحائط العظيم (Great Wall) حيث تصل أبعاده إلى (200) مليون سنة عرضاً، و(500) مليون سنة طولاً.
ولا شك، فإن البشرية كلها بقوتها وتقنيتها لو أرادت أن تنفذ وتخرج من مجرّة درب (التبانة) فقط من غير الحديث عن غيرها، هل إلى ذلك من سبيل؟
وعلى فَرَض أن أهل العلم أمكنهم صُنْعَ مركبة تسير بسرعة الضوء، وامتطوا صهوتها، هل سيسيرون في هذا المسار لمدة (25) ألف سنة؟! وهو بعد مركز المجرة عن أرضنا، ومن هو هذا الكائن الذي يمتلك هذا العمر السحيق؟!
ولو أنَّ لكائن ما هذا العمر، فمن أين لمركبته الخارقة الوقود الذي يسيرها على مدى هذه الآلاف والملايين والمليارات من السنين، وليست السنين العادية، بل السنين الضوئية؟!
فعلى سبيل المثال، أطلقت وكالة الفضاء الأميركية ناسا (NASA) عام (1980م) رحلة فضائية تحتوي على مركبتين، وأطلقوا على هذه المهمة (The Interstellar Mission)وإحدى هاتين المركبتين تتميز بسرعة هائلة، ولتقريب هذه السرعة إلى الأذهان، فإنها تقطع المسافة بين غرب الولايات المتحدة الأمريكية وشرقها في أقل من أربع دقائق، وهي مزودة ببطارية نووية طويلة الأمد، ولكن موضع الشاهد هنا أن عُمْرَ البطارية ينتهي بحلول عام (2020م) وهي ما قطعت إلا جزءاً يسيراً من سنة ضوئية واحدة.
فكيف لو أرادت البشرية بعلمها وتقنيتها أن تخترق ما يسميه العلماء اليوم بالحائط العظيم (Great wall) طولاً أو عرضاً، ولديهم المركبة الضوئية التي تقطع (9.46) تريليون كيلومتر في ثانية واحدة من أين لأحدهم هو ومركبته الخارقة هذا العمر الخيالي (200) مليون سنة أو (500) مليون سنة؟!
لقد صدق الله العظيم إذ يقول: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان}.
وللعلم، فإن كل ما ذُكِرَ ليس إلاّ جزءاً يسيراً من السماء الدنيا، التي هي بالنسبة إلى السماء الثانية كحبّة في صحراء، فكيف بهذا الملكوت الذي لا يعلم اتساعه وعظمة خلقه إلا خالقه جل جلاله، لا شك أن ذلك لا يكون إلا بسلطان المعجزة من الله.
كما أن الخلق كلهم لو أرادوا أن ينفذوا من الأرض وطبقاتها السبع لانصهروا قبل أن يصلوا إلى اللب الخارجي من شدة حرارته وعمق قراره. هل يستطيعون ذلك؟
وواضح أنَّ هذا السؤال ليس بحاجة إلى تفكير للجواب عنه، فقد كفانا الله الجواب حين قال جلَّ شأنه: {لا تنفذون إلا بسلطان}.
ونختم بخبر جميل، وهو أنّ رجلاً واحداً فقط اخترق هذا الكون بمركبة ضوئية، إنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نفذ من هذا الكون، ورأى ما لم يره الأولون والآخرون بسلطان المعجزة والقدرة من عند الله في حادثة الإسراء والمعراج على البُراق، فاستحقَّ بذلك أن يكون: أول رائد فضاء حقيقي عرفته البشرية.
* مادة المقال مستفادة من موقع (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
إعجاز القرآن الكريم