حق لنا - نحن المسلمين - أن نبكي ولا نضحك، وأن نجد ولا نهزل.
كيف لا! ونحن نرى في هذه الأيام ضراوة الأعداء، وشراسة الكائدين، وسعي المشركين والمرجفين لإفساد الدين!؟
لست ممن ينظر إلى واقع أمتنا نظرة سوداوية، ولكن ليس لذي بصر أو بصيرة أن يغض طرفه أو يخرس لسانه أو يوقف صريف قلمه وهو يرى أوصالاً كبيرة من جسد الأمة تقطع، ويرى استسلام كثير من أبنائها لعدوها الذي يقطع أوصالها.
وإن من ذلك؛ ما نراه في هذا الزمان من (انفلات إعلامي) تسبب في نشوء ظواهر خطيرة لم يعهدها المسلمون في بلادنا المسلمين، منها تلك المعاكسات وحالات الاختطاف والزنا والانحراف، وفشو الطلاق وغيرها، بل أصبح ذلك الانفلات يتعدى إلى ما هو أخطر من ذلك، حيث أصبح ينهش في عقيدة المسلمين، ويخلط الغث بالسمين، فصارت مشيجاً من المعتقدات الفاسدة، بدأ من الوثنية اليونانية ثم الديانات المحرفة من يهودية ونصرانية وانتهاء بالمذاهب المادية العاصرة، وهذا يؤدي ـ بلا شك ـ إلى التمرد على الدين وصهر المسلمين مع غيرهم من اليهود والنصارى والملحدين.
إننا ـ وكما يقول الأستاذ ياسر سليم ـ: لا نلوم الكفار حين يسعون جاهدين في نشر الباطل، وإفساد العقول، وتغيير المفاهيم، وسلخ الشعوب الإسلامية عن عقيدتها، ولكن اللوم كل اللوم حين يقوم قوم من بنى جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، بالمساهمة في تقطيع جسد أمتنا، في تبعية قاتلة، لا يرجى منها تحصين فكر ولا حفظ دين، فينشرون إعلاماً ينطلق من ديار الإسلام، فلا يكون إعلامهم هذا إلا صدى لذلك الصوت المنحرف، من خلال إشاعة الفاحشة، وبث الرذيلة، ونشر الاختلاط والسفور والإباحية، وتفجير الغرائز بالعري الفاضح، والترويج للعنف والجريمة، والتعود على رؤية المنكرات، وعدم التفكير في إنكارها، مع معارضة صريحة لحجاب المرأة المسلمة، فأخرجوا المرأة من عفتها وكرامتها وطهرها، وهم يسمون كل ذلك (منافسة إعلامية) يريدون بها أن يدخلوا ويدخلونا معهم في جحر الضب الخرب!
آمال.. ولكن:
كان المأمول من وسائل الإعلام أن يكون هدفها الأول غرس القيم الإسلامية، ودعم الثوابت الإيمانية، وكشف خطط الأعداء وأساليبهم، كما كان الواجب عليها ترسيخ المفاهيم الإيمانية والثوابت الإسلامية والأخلاق القرآنية ومحاربة ما يناقض ذلك.
كما كان المأمول منها أن تربط الناس بالعلماء وأهل العلم والدعاة الثقات، وإيقاف حملات التشويه التي نصبت ضدهم، لمحاولة التفريق بين الناس وعلمائهم ودعاتهم.
كان عليها حراسة سياج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الغلو والتطرف بطرفيه الإفراط والتفريط.
كما يجب عليها أن لا تلبس الحق بالباطل، بل تميز بين الصالحين المصلحين الغيورين على الإسلام وبين الضالين والمنحرفين المحاربين لله ولرسوله وثوابت هذا الدين.
كان المأمول أن تنتهج وسائل الإعلام في بلاد المسلمين طريقا يتوافق مع منهج الإسلام الذين تدين به الأمة عقيدة وشريعة وتهدف إلى ترسيخ الإيمان بالله عز وجل في نفوس الناس، وتلتزم بأصول الإسلام في كل ما يصدر عنها، وتقدم للمتابع ما يحافظ على عقيدة سلف هذه الأمة ويستبعد من وسائله جميعاً كل ما ينافي شريعة الله التي شرعها للناس.
كان من المفترض بل من الواجب على وسائل الإعلام في بلاد المسلمين أن تعمل على مناهضة التيارات الهدامة، والاتجاهات الإلحادية، والفلسفات المادية، ومحاولات صرف المسلمين عن عقيدتهم، وأن تقوم بكشف زيف هذه التيارات والاتجاهات والفلسفات وكشف خطرها على الأفراد والمجتمعات، والتصدي لكل هذ التحديات.
كذلك كان عليها أن تدأب على خدمة المجتمعات المسلمة عن طريق تأصيل قيمها الإسلامية الثمينة، وترسيخ تقاليدها العربية الكريمة، والحفاظ على عادات هذه المجتمعات الخيرة والموروثة، ومقاومة كل ما من شأنه أن يفسد نقاءها وصفاءها.
كان عليها أن تعنى بالنهوض الفكري والحضاري والوجداني للمجتمع، جنبا إلى جنب مع الجانب العقدي والثقافي، وتعمل على دفع عجلة التنمية في بلادنا التي سبقت في كل هذه المجالات.
إن الإعلام في أكثر بلادنا يحتاج وبشدة أن يقدر ـ وبعمق ـ شرف الكلمة، ووجوب صيانتها من العبث، وأن يعتمد على عرض الحقائق والبعد عن المبالغات والمهاترات. ويرتفع عن كل ما من شأنه أن يثير الضغائن ويوقظ الفتن والأحقاد بين مجتمعات المسلمين وبين أبناء الوطن الواحد.
ماذا قدموا
فهل تساءلت وسائل الإعلام في بلاد الإسلام من فضائيات وإذاعات ومجلات: ماذا قدمت للشاب المسلم؟ ماذا صنعت من أجل المرأة المسلمة؟ ماذا أعدت للطفل المسلم؟ ماذا قدمت للمسلمين في شتى بقاع الأرض، الذين ينظرون إليها بعين التبجيل والتقدير وينتظرون منها الشيء الكثير؟ قال سبحانه: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (البقرة: 143).