سورة الطور هي السورة الثانية والخمسون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الخامسة والسبعون وفق ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة نوح، وقبل سورة المؤمنين. وهي سورة مكية بالاتفاق، وعدد آياتها تسع وأربعون آية.
تسميتها
سميت هذه السورة عند السلف (سورة الطور) دون (واو) قبل (الطور) ففي جامع الطواف من "الموطأ" حديث مالك عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: (فطفت ورسول الله يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بـ: (الطور وكتاب مسطور) أي: يقرأ بسورة الطور، ولم ترد يقرأ بالآية؛ لأن الآية فيها {والطور} بـ (الواو) وهي لم تذكر (الواو).
وفي باب القراءة في المغرب من "الموطأ" حديث مالك عن جُبَير بن مُطْعِم، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب).
وفي تفسير سورة الطور من "صحيح البخاري" عن جُبَير بن مُطْعِم، قال: (سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون} (الطور:35- 37) كاد قلبي أن يطير) وكان جُبَير بن مُطْعِم مشركاً، قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسرى بدر، وأسلم يومئذ
وكذلك وقعت تسميتها في ترجمتها من "جامع الترمذي" وفي المصاحف، وكثير من التفاسير. وهذا على التسمية بالإضافة، أي: سورة ذِكْرِ الطور، كما يقال: سورة البقرة، وسورة الهدهد، وسورة المؤمنين.
وفي ترجمة هذه السورة من تفسير "صحيح البخاري" (سورة والطور) بـ (الواو) على حكاية اللفظ الواقع في أولها، كما يقال: (سورة قل هو الله أحد).
مناسبتها
مناسبة أول سورة الطور لآخر ما قبلها (الذاريات) اشتمال كل منهما على الوعيد؛ قال السيوطي: "وجه وضعها بعد الذاريات، تشابههما في المطلع والمقطع؛ فإن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين، وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار". ولا يخفى ما بين السورتين الكريمتين من الاشتراك في غير ذلك: كالدعوة إلى وحدانية الله، وترك الشرك، وهو المقصد الأول من مقاصد القرآن، بل من مقاصد جميع الأديان.
وقد روي الشيخان في "صحيحهما" ومالك في "الموطأ" عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً، أو قراءة منه).
وروى البخاري في "صحيحه" عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني اشتكي! فقال: (طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة) فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بـ (الطور وكتاب مسطور).
وفي "صحيح البخاري" عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: (سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون} (الطور:35-37) كاد قلبي أن يطير).
وروى أبو عبيد عن يحيى بن حمزة عن أبيه، عن جده، قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما سورة الطور، فلما انتهت إلى قوله: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} (الطور:27) ذهبتُ إلى السوق في حاجة، ثم رجعتُ، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم} {ووقانا عذاب السموم} وهي في الصلاة.
مقاصدها
يدور موضوع سورة (الطور) حول معالجة الجاحدين بيوم الدين، والمكذبين برسالة سيد المرسلين، والمعرضين عن القرآن المبين، ومعالجة جاحدي ربوبيته جلَّ وعلا، ومُدَّعِي أكاذيب اعتقادية، تناقض ما يجب أن يؤمنوا به، ومعالجة مريدي تدبير الكيد؛ للتخلص من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الذين آمنوا به واتبعوه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ومعالجة المشركين بالإنذار والإهلاك.
والسورة في جملتها تضمنت المقاصد التالية:
- قَسَمَه سبحانه في أول سورة الطور بخمسة أشياء، لها شأن عظيم على وقوع العذاب يوم القيامة بالمكذبين، وبيان ألوانه وضروبه، مع ذكر بعض التغييرات الكونية والآيات الإلهية التي تقع في ذلك اليوم.
- ذِكْرُ ما أعده الله للمتقين من جنات ونعيم، وما يتلذذون به ويلقونه من صنوف التَّكريم، حيث يُلْحِقُ الله بهم ذريتهم المؤمنة، ويرفعهم إلى درجتهم؛ لتقرّ بذلك عيونهم، ويتم سرورهم.
- دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المداومة على تبليغ رسالته، فهو -بفضل ما أنعم الله به عليه من النبوة ورجاحة العقل- ليس بكاهن، ولا مجنون، ولا شاعر، كما تدعوه إلى عدم الالتفات إلى ما يتقوّله عليه المتقولون، وعدم المبالاة بما يصفون به القرآن، الذي عجزوا عن الإتيان بمثله.
- توبيخ الكافرين والمشركين، وتقبيح آرائهم الضالة، وتسفيه معتقداتهم الفاسدة، وبيان ضلالهم، وإعلان سوء تقديرهم.
- إبطال خليط من أكاذيب الكافرين الجاحدين، بإعادة الخلق، وببعثه رسول صلى الله عليه وسلم ليس من كبرائهم، وبكون الملائكة بنات الله.
- إبطال تعدد الآلهة، وذكر استهزائهم بالوعيد.
- توكيد حقيقة البعث والقيامة ويوم الدين، مع تقديم بعض مشاهد من يوم الدين للكافرين الجاحدين، وبعض مشاهد للمؤمنين المتقين.
- توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن يتابع تذكيره مَن لم يصلوا إلى دَرَكَةٍ ميؤوس معها من استجابتهم عن طريق إراداتهم الحرة، مع معالجة الكافرين بشأن هذه القضايا.
- توصية الرسول صلى الله عليه وسلم بما ينبغي أن يتصرفه، تجاه الكافرين، الذين وصلوا إلى دَرَكَة ميؤوس معها من استجابتهم عن طريق إرادتهم الحرة، مع بيان الدواء الديني الذي عليه صلى الله عليه وسلم أن يداويَ نفسه به.
- في ختام السورة توصية من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ بالتصرف الحكيم الذي ينبغي له أن يتصرفه مع الكفرة المجرمين المعاندين في مواجهة المواقف التي كانوا عليها إبَّان تنزيل السورة وقبلها، وهو تركهم يمعنون في كفرهم، والاشتغال بغيرهم من الذين لم يبلغوا دَرَكة الميؤوس من استجابتهم عن طريق إراداتهم الحرة.