يعتبر الإعلام أحد الآليات الرئيسية والمهمة في نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والدعوة إلى الله تعالى، ذلك أن الإسلام نظام متكامل جاء لتنظيم مفاصل الحياة كافة والسلوك الإنساني في أوقات السلم والحرب.
وكي يقوم الإعلام بواجبه على أكمل وجه، ويؤدي رسالته النبيلة بحقها، كان لا بد له من الالتزام بمجموعة من الضوابط والمعايير والقيم التي تحكم أداءه وتصوبه أن ضل الطريق، ولهذا تميز الإعلام الإسلامي بضوابط قرآنية شرعية تمنحه القدرة على التأثير في الرأي العام واتجاهاته، عكس الإعلام المضلل الذي تسيطر عليه الأنظمة المستبدة وشعاره "الغاية تبرر الوسيلة" لتغييب الناس عن الواقع الحقيقي، وتحسين وجههم القبيح وممارساتهم الشيطانية بحق شعوبهم، بغية البقاء والاستمرار على كرسي السلطة! فلا تضبطهم ضوابط ولا تحكمهم أخلاق ولا مروءة، فهم منسلخون من كل معالم الإنسانية.
وهنا سوف نتعرف على عدة ضوابط إعلامية من القرآن الكريم لكون المقام لا يسمح بإحاطة الموضوع والتوسع فيه بشكل كامل في مقال واحد، ولكنها ومضات نستمدها من الأسلوب القرآني، والذي نستمد منه ضوابط الإعلام الإسلامي الهادف.
وبما أن الإعلام رسالة نبيلة وأمانة كبيرة في أعناق أولئك الذين يبذلون جهوداً كبيرة وجبارة لإيصال الحقيقة مجردة إلى الناس، فحفظ هذه الأمانة داخل في أمر الله تعالى لنا في تأدية الأمانات وإيصالها إلى أهلها فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
التبين والتثبت:
وفي جانب أخر وصورة إعلامية راقية وضابط مهم في تحري الحقيقة وتفحص الأخبار المنقولة قبل اتخاذ القرارات بشأنها، وقبل أن يضع النظام العالمي الحديث ضوابطه لهذه المهنة، قد ذكرها القرآن الكريم قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة، فقد أمرنا الله تعالى أن نتبين ونتأكد من أي خبر منقول قبل الحكم عليه، أو نقله وإذاعته فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}, وفي آية أخرى يقول الله سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.
أدب وخلق عظيم ربانا الله تعالى عليه في نقل الأخبار أو استقبالها، فعلى المراسلين الإعلاميين أو من اشتغل في هذا الميدان، فضلاً عن بقية أفراد الأمة في تعاملاتهم اليومية، وتحقيقا للأمانة التي أمرنا الله بها، وانصياعاً لمراد الله تعالى في هذه الآيات، الالتزام بضوابط نقل الخبر واستقباله، بخاصة تلك الأخبار التي تخص أمن الناس في دينهم ودنياهم.
وهو أمر في غاية الخطورة إذا ما نظرنا إلى واقعنا الحالي، نجد أن المحاكم في بلداننا تعج بآلاف ـ إن لم تكن ملايين ـ الدعاوى الكيدية بسبب نقل الأخبار الكاذبة أو استقبالها على حد سواء، والوشايات المغرضة والحقد والعداوات، فسفكت الدماء المعصومة وانقطعت بسببها صلة الرحم وغُيب آخرون في سجون الظالمين، كما هو حال كثير من علماء الأمة المخلصين، ولنفس السبب طلقت كثير من النساء، فتركن خلفهن أولادهن وبناتهن وكان هذا الأمر سبباً رئيسياً في انحرافهم والله المستعان.
حفظ الأسرار:
والضابط الآخر الأخلاقي الذي ينبغي أن يتحلى به رجل الإعلام هو حفظ ما يؤتمن عليه من أسرار، وهو ما يسمى في عرف العمل الإعلامي (أسرار المهنة)، وقد جاء الأمر في الوفاء بالعهود مطلقاً في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا}، إلا إذا ترتب على كتم هذه الأسرار مفسدة عظيمة، تصيب المجتمع أو تتسبب في سفك دماء الأبرياء، عندها توجب إفشاء هذه الأسرار وتقديم المصلحة العامة على الخاصة.
فإذا كان الحفاظ على العهود والأمانات مطلوباً في كل حال، فإن الحرص على الالتزام بها يزداد في أسرار العمل والمهنة، فكم من سر مهني أذيع ترتب عليه مشاكل للوسيلة الإعلامية والعاملين فيها، وكم من سر مهني حوفظ عليه حقق السبق والتميز الإعلامي للإعلامي ووسيلته الإعلامية.
وقد ذكر الله تعالى من صفات أهل الإيمان: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} والوفاء بالعهد هو من علامات الصادقين المتقين ومن صفات الأنبياء المرسلين.
ومن ضمن الضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها القائم بالاتصال في العملية الإعلامية ـ سواء كان إعلامياً أو داعية أو صاحب فكرة ورسالة يريد إيصالها إلى الناس ـ أن يكون ملتزماً بما يقدمه للجمهور المتلقي من توجيهات وتعليمات عاملاً بها قبل غيره، فإنه إن دعاهم إلى شيء ثم خالفهم فيه، فقد حكم على رسالته الإعلامية بالفشل المحقق الذريع, وقد ذم الله هذا الفعل بقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
لذا فإننا نجد الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين كانوا يؤكدون على التزامهم بما يدعون به أقوامهم فها هو نبي الله شعيب صلى الله عليه وسلم يخاطب قومه كما ذكره الله تعالى في القرآن {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي ما أريد أن أخالفكم فارتكب أمراً نهيتكم عنه، وقد حذر الله تعالى في الآية التالية أهل الإيمان الذين يتكلمون فلا يلتزمون بما قالوا، وإنه عمل منكر لا يرضاه الله لهم، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه].
قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .. .. عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال آخر:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى .. .. طبيب يداوي الناس وهو عليل
فهذه ومضات وجوانب بسيطة لضوابط الإعلام من القرآن الكريم تكلم عنها قبل أن يتكلم عنها المهتمون بعشرات المئات من السنين.