جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال عنه الذهبي: "جرير بن عبد الله .. الأمير النبيل الجميل"، وقال عنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة": "فاق الناس في الجمال والقامة.. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسميه يوسف هذه الأمة لجماله.. دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات والهداية، وبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم على أن يناصح المسلم، ويفارق المشرك".
إسلام جرير بن عبد الله البجلي وقومه :
قدِم جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه من أرض اليمن مع وفد من قومه ـ بَجِيلة ـ إلى المدينة المنورة ليعلنوا إسلامهم، وكان ذلك في رمضان من السنة العاشرة للهجرة النبوية، وقيل في السنة التاسعة، قال ابن كثير: "فأما جرير بن عبد الله البجلي فأسلم بعد نزول المائدة، وكان إسلامه في رمضان سنة عشر"، وقال ابن حجر: "اختُلِفَ في إسلام جرير رضي الله عنه، والصحيح أنه أسلم في سنة الوفود سنة تسع، ووَهِم من قال: إنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما، لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (استنصت الناس) في حجة الوداع، وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يوماً". وقال أيضا ـ ابن حجر ـ: "جزم الواقدي بأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر.. وفيه عندي نظر، لأن شريكا حدث عن الشيباني عن الشعبي عن جرير، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخاكم النجاشي قد مات".. فهذا يدل علئ أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر، لأن النجاشي مات قبل ذلك". وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: "واختلف في وقت إسلامه، والصحيح أنه في سنة الوفود سنة تسع".
أسلم جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه هو وقومه، وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال جرير: (بايَعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصحِ لكلِّ مسلم) رواه البخاري.
ويحكي جرير رضي الله عنه لحظات وصوله للمدينة المنورة ودخوله على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (لمَّا دنَوتُ مِن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَختُ راحلَتي وحلَلتُ عَيبَتي (ما يوضع فيه الثياب)، فلَبِسْتُ حُلَّتي، فدخلتُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخطُب، فسلَّمَ علَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فرَماني النَّاسُ بالحدَق (بعيونهم)، فقلتُ لِجليسٍ لي: يا عبد الله، هل ذكرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن أمري شيئا؟ قال: نعم، ذكرَك بأحسنِ الذِّكْرِ، بينما هو يخطب إذ عُرِضَ لهُ في خُطبته، قال: إنَّه سَيدخل عليكم مِن هذا الباب أو من هذا الفجِّ مِن خَيرِ ذي يَمَنٍ (من خير أهل اليمن)، وإنَّ على وجهِه مَسْحَةُ مَلَكٍ (جمال ظاهر)، قال: فحَمِدتُ اللَّهَ علَى ما أبلاني (أعطاني واختبرني به)) رواه أحمد وصححه الألباني.
سرية جرير لهدم وتخريب ذي الْخَلَصَة :
ذو الخلصة: بيت باليمن لخثعم، بنوه يضاهئون به الكعبة، وبه صنم كانوا يعبدونه ويفعلون عنده كما كما كان يُفعل عند الصنم هُبَل في كعبة مكة، قال ابن كثير: "وقد ذكر البخاري بعد فتح مكة قصة تخريب خثعم البيت الذي كانت تعبده ويسمونه الكعبة اليمانية مضاهية للكعبة التي بمكة، ويسمون التى بمكة الكعبة الشامية وتلك الكعبة اليمانية". وعن جرير رضي الله عنه قال: (قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَة، وكان بيتاً في خَثعَم، يُسَمَّى الكعبةَ اليَمانِيَّةَ (نسبة إلى اليمن)، فانطَلَقتُ في خسمين ومائة فارسٍ من أَحْمَس (إخوة وقبيلة جرير)، وكانوا أصحابَ خيلٍ، وكنتُ لا أَثبُتُ على الخيل (كان يقع)، فضرَب صدري حتى رأيتُ أثرَ أصابعِه في صدري وقال: اللهمَّ ثَبِّتْه، واجعَلْه هاديًا مَهدِيَّاً. فانطَلَق إليها فكسَرها وحرَّقها، ثم بعَث إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ جَريرٍ: والذي بعَثك بالحَقِّ، ما جئتُك حتى ترَكتُها كأنها جملٌ أَجرَب، قال: فبارَك في خيلِ أَحمَسَ ورجالِها خمسَ مراتٍ) رواه البخاري. قال الداودي: "شبهها ـ حين ذهب سقفها وكسوتها فصارت سوداء ـ بالجمل الذي زال شعره ونقص جلده من الجرب وصار إلى الهزال".
وقال ابن حجر في فتح الباري: "وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان إنساناً أو حيواناً أو جمادا، وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم، والاستمالة بالدعاء والثناء والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في الحرب، وقبول خبر الواحد، والمبالغة في نكاية العدو، ومناقب لجريرٍ ولقومه، وبركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه، وأنه كان يدعو وتراً وقد يجاوز الثلاث، وفيه تخصيص لعموم قول أنس: (كان إذا دعا دعا ثلاثاً) فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس، لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصرة الإسلام".
جرير بن عبد الله سفيراً للنبي صلى الله عليه وسلم :
قال ابن سعد في الطبقات: "وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع وإلى ذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام فأسلما.. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم، فأخبره ذو عمرو بوفاته صلى الله عليه وسلم فرجع جرير إلى المدينة".
استجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لجرير :
من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله تعالى بها تأييداً لدعوته، وإظهاراً لفضله وعلو منزلته، وهي من دلائل نبوته، سرعة استجابة الله لدعائه، فإذا دعا صلى الله عليه وسلم لأناس أو دعا عليهم فإنك تجد ما دعا به قد تحقق، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوات المستجابات لأصحابه رضي الله عنهم ما لا يُحصى، مما امتلأت به كتب السيرة والحديث، ومنها: دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بطول العمر وكثرة المال والولد، قال أنس: "فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي، وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة"، ودعا لأم أبي هريرة فأسلمت، ودعا لجابر بن عبد الله وعبد الرحمن بن عوف بالبركة فكانا من أكثر الصحابة بركة وفضلا، ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال الخلافة، ودعا لعروة بن الجعد البارقى فقال: اللهم بارك فى صفقة يمينه، قال عروة: فما اشتريت شيئا قط إلا وربحت فيه. ودعا لسعد بن أبى وقاص: اللهم أجب دعوته، فكان مجاب الدعوة، وكان جرير بن عبد الله البجلي لا يثبت عل الخيل، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: اللهم ثبته، واجعله هادياً مهدياً، قال جرير: فَما وَقعتُ عَن فرسٍ بعد.. قال القرطبيّ: "دعا له النبيّ صلى الله عليه وسلم بأكثر ممّا طلب، بالثبوت مطلقاً، وبأن يجعله هاديًا لغيره، ومهديًّا في نفسه، فكان كلُّ ذلك، وظهر عليه جميع ما دعا له به"، قال القاضي عياض: "وهذا باب واسع جداً، وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة بما دعا لهم وعليهم، متواتر على الجملة، معلوم ضرورة".
جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أحد الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليهوسلم على شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمعِ والطاعة، والنصْحِ لكلِّ مسلم) رواه البخاري. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عنه ـ كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية": "جرير يوسف هذه الأمة .. نِعْم السيد كنتَ في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام". وذلك لجماله وحسن فعاله رضي الله عنه، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إنَّه سَيدخل عليكم مِن هذا الباب مِن خَيرِ ذي يَمَنٍ (من خير أهل اليمن)، وإنَّ على وجهِه مَسْحَة مَلَك (جمال ظاهر)).
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
من تبوك إلى الوفاة