تعتبر العلاقة بين المنظومة الإعلامية ومنظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية علاقة فاعلة ومتداخلة على اعتبار أن وسائل الإعلام في أي مجتمع هي الوسائل الناقلة لأنماط التفكير والمعرفة والقيم والأفهام؛ وبالتالي فهي تساهم في خلق جانب كبير من الثقافة الاجتماعية وطريقة حياة أي شعب أو مجموعة سكانية معينة.
وقد اهتم معظم فقهاء الاتصال بالوظائف الاجتماعية لوسائل الإعلام، وحاولوا تحديد أدوار تلك الوسائل إزاء المجتمع، ورصد نتائج وتأثيرات هذه الأدوار، ويعد "هارولد لاسويل" من أوائل العلماء الذين اهتموا بهذه المسألة، ويرى هذا العالم أن من بين وظائف وسائل الإعلام: مراقبة البيئة الاجتماعية من خلال تجميع المعلومات وتوزيعها حتى يتمكن المجتمع من التكيف مع الظروف المتغيرة، كما يرى أن لوسائل الإعلام مهمة أخرى هي زيادة ترابط أجزاء المجتمع في الاستجابة لتحديات البيئة المحيطة بهم، أي خلق رأي عام وطني موحد، كما تتولى وسائل الإعلام عملية نقل التراث الاجتماعي من جيل إلى آخر.
وظائف وسائل الإعلام
يحدد عالما الاتصال "لازرسيفلد" و"ميرتون" الوظائف الآتية لوسائل الإعلام تجاه المجتمع:
1- تبادل الآراء والأفكار، أي التشاور بين أبناء المجتمع لإضفاء الشرعية على أوضاع المجتمع.
2 . تدعيم المعايير الاجتماعية من خلال معاقبة الخارجين عن هذه المعايير، فهناك فجوة بين الأخلاقيات العامة في المجتمع والسلوك الخاص لبعض الأفراد، وهذه السلوكيات المنحرفة لابد من فضحها إعلامياً للحفاظ على القيم الاجتماعية.
3 ـ التحذير: ويقصد به الآثار غير المرغوب فيها للمجتمع الناجمة عن خلل وظيفي لوسائل الإعلام من خلال زيادة مستوى المعلومات للجمهور فتخلق ما يسمى (بالمعرفة السلبية) المعيقة للنشاط البشري مما يفضي إلى اللامبالاة من قبل الجمهور بدلاً من إيقاظه.
ومن علماء الاتصال والمجتمع من يذهب إلى أن لوسائل الإعلام وظيفة أخرى هي التنشئة الاجتماعية، اي تعليم أفراد المجتمع الجدد المهارات والقيم والمعتقدات التي يقدرها المجتمع.
ويمكن إجمال الوظائف المجتمعية لوسائل الإعلام بما يأتي:
1. مراقبة البيئة الاجتماعية وتزويدها بالمعلومات والتنبيه بالمخاطر.
2. خلق المثل الاجتماعي وذلك بتقديم النماذج الإيجابية في الأمور العامة والثقافة والفنون.
3 ـ التنشئة الاجتماعية وهدفها المساعدة في توحيد المجتمع من خلال توفير قاعدة مشتركة للقيم والخبرات الجماعية.
4 . تحقيق التواصل الاجتماعي من خلال التعبير عن الثقافة السائدة والكشف عن الثقافات الفرعية ودعم القيم الشائعة.
5 . التعبئة وتتمثل في الإسهام في الحملات الاجتماعية، وبصفة خاصة في الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب.
وفي ذات الوقت الذي تؤثر فيه وسائل الإعلام على النظام الاجتماعي فإنها تتأثر به خلال عملها الوظيفي، فهذا النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الإعلام يعد من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال، فأي نظام اجتماعي ينطوي على قيم ومبادئ يسعى لإقرارها، ويعمل على تقبل المواطنين لها، وتعكس وسائل الإعلام هذا الاهتمام بمحاولاتها الحفاظ على القيم الاجتماعية السائدة. ففي بعض الأحوال لا يقدم الإعلامي تغطية كاملة للأحداث التي تقع من حوله أو ما يعني بالسبق الصحفي، وذلك إحساساً بالمسؤولية الاجتماعية أو رغبة منه في تدعيم قيم المجتمع وتقاليده، أحيانا تتجنب وسائل الإعلام انتقاد الأفراد الذين يقومون ببعض الأدوار الاجتماعية والثقافية من أجل تدعيم البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع وعدم خلخلة منظومته القيمية أو الأخلاقية.
العقبات أو العمليات الانتقائية
وتصطدم وسائل الإعلام من خلال أدائها الوظيفي تجاه الأفراد والمجتمع ببعض العقبات او المعدات التي تقلل من فاعليتها، هذه العقبات يطلق عليها في علم الاتصال بالعمليات الانتقائية وهي:
1. الاهتمام الانتقائي: وفحواه أن الناس لا يستطيعون الاهتمام بكل شيء يوجه لهم، بل إنهم إذا حاولوا ذلك سيعانون حملاً زائداً في الحال؛ ولذلك فإنهم يحصرون اهتمامهم في مجرد جزء محدود مما هو متاح يوميا ويهملون الأجزاء الأخرى، وهذا الانتقاء يرتبط لديهم بالاهتمام الفردي والانتماء الفئوي والروابط الاجتماعية.
2. الإدراك الانتقائي: أي تفسير الخطاب الإعلامي بأساليب تختلف من فرد إلى آخر أو من جماعة إلى أخرى وفق الصفات النفسية المميزة والتوجهات السلوكية الخاصة بالفئات الاجتماعية، وانتماءات الروابط الاجتماعية.
3. التذكر الانتقائي: هناك أنواع معينة من الخطاب الإعلامي، لأنواع معينة من الجمهور، يتم تذكرها بسرعة ولوقت طويل، بينما نفس هذا الخطاب قد يتم نسيانه بسرعة من قبل فئات أخرى لها هياكل معرفية وانتماءات فئوية وروابط اجتماعية مختلفة.
4. السلوك الانتقائي: أن كل فرد لن يتصرف بنفس الأسلوب نتيجة التعرض لخطاب إعلامي معين، وهذه الاستجابات تعتمد على التأثيرات المتداخلة للمتغيرات الموجودة.
بوجه عام يمكن القول أن وسائل الإعلام تؤثر في مجرى تطور البشر، فهناك علاقة سببية بين التعرض لوسائل الإعلام والسلوك البشري، لكن آثار هذه الوسائل عديدة ومختلفة الشدة، قد تكون قصيرة الأمد او طويلة الامد، ظاهرة أو مستترة، قوية أو ضعيفة، ويمكن أن تؤثر في الآراء أو القيم ومستوى المعلومات والمهارات والذوق والسلوك.
أما ما يخص دور الخطاب الإعلامي وأثره على القيم والاتجاهات فهناك اتفاق عام على أن وسائل الإعلام تحدث آثاراً على القيم الاجتماعية، أما الفترة الزمنية لإحداث هذا الأثر فما زالت محل جدل.