من أخطر السلبيات التي ظهرت مع ظهور ثورة الاتصالات وتطور التقنية إمكانية تصدير أي شخص أو هيئة لكتاباتها داخل العالم الإسلامي، والقدرة على إيصال عدد هائل من المواد المكتوبة التي تساهم في تسميم العقل المسلم. ومع دخول العالم عصر شبكات التواصل الاجتماعي، صارت ظاهرة الكتابة المسمومة والمخدرة للعقل المسلم أكثر خطورة، ومع اندماج المؤثرات الصوتية مع المواد المكتوبة أصبح التأثير على المشاعر الإنسانية المختلفة ظاهرة تستحق الرصد والتصدي؛ بسبب استغلاله باحترافية من المتربصين بالأمة الإسلامية.
ومقابل هذا الخطر الداهم نجد أن العالم الإسلامي ضعيف جدا أمام هذا الغزو الفكري الممنهج، فعدد المواقع الإعلامية المكتوبة القادرة على صد هذه الظاهرة قليل جدا، والقليل من هذه المواقع اختفى تماما، ففي استقراء طويل لمواقع إسلامية مكتوبة عديدة، وجدنا أن النتيجة التالية: بعض المواقع اختفى تماما، واختفت معه كل المواد، وبعض المواقع أصابها الاهتراء، بسبب عدم التجديد فيها وعدم ضخ دماء جديدة في طاقمها، وبعضها لا يزال يقاوم، لكنه لا يملك رؤية، فهي غالبا ما تخضع للعمل وفق ردّات الفعل، وهذا أحد أهم ما يؤدي بها إلى الزوال مستقبلا، خاصة مع الاستسلام المتزايد لضغط شبكات التواصل الاجتماعي، أما النادر الجيّد فكثرت حوله حملات التشويش السياسي والإعلامي وحتى الدعوي.
الكتابة وحقيقة الانفتاح الإعلامي
يظل مصطلح الانفتاح الإعلامي أحد أبرز الأوهام التي يعمل النظام العالمي -وأياديه الخفية- على ترسيخه في الوعي الجمعي للمسلمين، بينما الحقيقة أن هذا المصطلح لا يعني مطلقا قبول النظام العالمي بالمواد الإسلامية المكتوبة القديمة أو الحديثة؛ التي تمس به، وأبسط دليل على ذلك محاربته للمناهج الإسلامية، وإصراره على تغييرها، وقد رصدنا هذه التغييرات التي أصرّ على إحداثها خلال العقدين الماضيين، فكان حجم إفراغ المناهج من مضامينها الإسلامية العميقة -التي تؤثر في تشكيل عقل المسلم- هائلا؛ بالتالي فقد العقل المسلم مصدر حصانته، ولم يكن تركيز النظام العالمي على ضرب المناهج الإسلامية عبثا، بل كان يهدف أساسا إلى أمرين: الأول إضعاف الصحوة والنهضة الإسلامية وعدم إعطائها الفرصة لتطوير قاعدتها الإسلامية الشعبية، وثانيا: قطع الطريق أمام الصحوة للاستمرار في إنتاج جيل مسلم أحسن من الجيل الذي ظهر مع الصحوة، والذي تعرض إلى التخريب والتشتيت بطرق كثيرة، سلمية وأمنية، وثالثا: تسهيل عملية التخريب المنهجي للعقل المسلم، بعد أن تكون الساحة مهيأة لاستقبال كميات ضخمة من المواد المكتوبة المسمومة.
إذن لا يوجد شيء اسمه انفتاح إعلامي بالنسبة للمواد الإسلامية الأصيلة، بالأخص في عصر استعمال فزاعة الإرهاب وتمطيط هذا المصطلح ليكون خادما لمشاريع الغرب، بدليل أن الكثير من الدول المسلمة لا تزال تمنع كتبل إسلامية أصيلة بعينها، ترى أنها تشكل خطرا عليها، بل يشترك في المنع حتى دول غير مسلمة مثل روسيا والصين.
ومختصر الحديث في هذه المسألة أن النظام العالمي بخبرائه ومراكزه البحثية عمل على تفكيك عالم المواد المكتوبة –الإسلامية الأصيلة- فاختفت الأشعار الإسلامية وصار سوقها راكدا، وضعف إنتاج وتداول الرواية الإسلامية، والقصص الإسلامي.
ومع الحرب ضد الإسلام وتراثه الضخم، ومنع كتابات أبرز العلماء المصلحين وتشويهها، فتحت الأبواب في عالمنا الإسلامي لأقلام غريبة عن هوية وقيم المسلمين، بل وتناقضها، فصارت كتابات مثل كتابات: آسيا جبار، أحلام مستغانمي، باولو كويلو، غابريال غارسيا، هي النموذج الذي يُقدم للأجيال المسلمة.
ولعل ما أدهشني أنني لم أجد أي دراسة أو بحث يتناول السموم التي في كتابات باولو كويلو وغارسيا، وآسيا جبار والكثير من الكتاب الذين يحتلون اليوم صدارة تسميم العقول المسلمة، في ظل انشغال الدعوة الإسلامية عن هذا الغزو الفكري المُشَوِّه للعقل المسلم؛ لأجل ذلك سنحاول التلميح إلى مثل هذه الكتابات، بما تتيحه هذه المساحة المحدودة.
المسلم وكُتّاب البراميل المسمومة
عندي بحثي عن حياة هؤلاء -الذين تُصنع لهم الأساطير اليوم- لم أجد شيئا ملفتا للنظر، بل كان أغلبهم ذا ماض مضطرب، ولا يحمل حتى تاريخا عائليا يدلل على وجود شرف علمي أصيل، فمثلا: غابريال غارسيا ماركيز يعترف أن قصص الأشباح والسحر والشعوذة والأوهام؛ التي كانت ترويها له جدته من أمه هي سبب توجهه الأدبي، وهذا ما جعل بعض النقاد يصرح أن غارسيا انطلق من الوهم واستمر في الوهم حتى في مواقفه السياسية، وأبرز مثال على أوهامه قوله: "إن الاشتراكية ستحكم العالم في الأخير والامبريالية زائلة"، كما أنه كان أسيرا للشيوعيين إلى آخر حياته؛ ودليل ذلك تقديسه لفيدال كاسترو ومنهجه في الحكم، كما أنه كان يدخن 60 سيجارة يوميا، ودخّن 30 ألف سيجارة عند كتابة روايته "مئة عام من العزلة"، فهل يصح بعد هذا أن يكون قدوة للمسلم؟
أما آسيا جبار التي احتفت بها الدوائر الماسونية والاستشراقية بشكل كبير، فقد عاشت وماتت في فرنسا، تغريبية متطرفة، حاقدة على قيم الفضيلة وأخلاق الإسلام، ومن أعجب أعمالها: "بعيدا عن المدينة المنورة" ورواية: " التي قالت لا للمدينة"، ادعت فيهما أن فاطمة -رضي الله عنها -كانت تحررية حداثية، ناقمة ومتمردة على "الثقافة الذكورية".
أما أحلام مستغانمي فملخص الكلام حول أعمالها يلخصه الناقد السوري غيث حمّور: " كل ما تفعله هو خلق عالم خاص بها، سطحي، جاف، فارغ، ومنمّق ببروباغندا إعلامية رخيصة، ومسلح بقضايا كبيرة كـالثالوث المحرم، ولكن بمعالجة فقيرة.."، والمتتبعون لكتاباتها يشيرون بوضوح أنها كاتبة محرضة على الإباحية والمجون والخيانة الزوجية، وهذا واضح في رواياتها.
أما كويلو فحياته غريبة، فيقول خوان إيرياس الذي حاوره مرات متكررة وألف عنه كتابا: " كان متأثرا بشخصيات أدبية شيوعية مثل خورخي أمادو، وأخرى مثل أنجلز وماركس وتشي غيفارا.. في الستينات انضم إلى حركات "الهيبز"، التي ترى في التمرد على القيم والعادات والأخلاق وتجربة كل شيء -حتى لو كان سيئا- منهج حياة، واجه أزمة روحية ودخل مصحات عقلية، وانغمس في الخمرة والهلوسات والسحر الأسود، والطوائف.. كما كانت الموسيقى والمخدرات والجنس طريقته في الاستمتاع بالحياة.. إن كويلو الكاتب والساحر، هو مخلص جدا لطقوس خاصة، ولا يحاول إخفاء هذه الحقيقة، وعند هبوط الليل، يكون في تماس مع تجاربه الماضية المؤلمة، مع السحر، والطقوس الشيطانية، فهو يطفئ كل مصابيح المنزل، ويضيء الغرفة بنور الشموع"، هذه هي الشخصية التي انبهر بها الكثير من المسلمين، أما عن كتاباته فقد كتبت الأمريكية فيكتوريا بيل مقالا بمجلة ذه نيو ريبابليك الأمريكية بعنوان –مترجم-: "وصفة النجاح: فلسفة باولو كويلو المبتذلة" من بين ما جاء فيه: أن كويلو نال شهرته بفرط الدعاية"، كما تقدم فيكتوريا نماذج على أنها أفضل ما جاء في رواياته وتعلق بأنها: "..كتابات سخيفة، فه يعمل على استخدام الحقيقة البديهية وإعادة تغليفها بجو من الغموض، إنها حكمة ما قبل الحداثة." وتتحدث عن استعماله للنثر الغامض لإخفاء عيوب كتاباته، كما أن السمة البارزة لكتاباته حسبها: "المعضلات الجنسية والطبقية".
وفي آخر رواية له "الزانية" يسقط كويلو سقوطا حرا، عندما يتناول هذا الموضوع بشكل رديء دنيء، وأكثر من هذا نقله للافتراء اليهودي حول نبي الله داود –عليه السلام- من أنه أرسل قائد جيشه للمعركة ليأخذ منه زوجته.
وسبب التركيز على كويلو يرجع إلى اعتباره النموذج الأكثر سخافة واستخفافا بعقول البشر والمسلمين خاصة.
وقبل الانتهاء من هذه الفقرة يجب الحديث عن حقيقة يشترك فيها هؤلاء: وهي هوسهم بالجماهير والشهرة، الأمر الذي يدفعهم أحيانا إلى مجرد التلميح عن قضايا معينة، يكتفون بمجرد الإشارة لسبب بسيط؛ وهو أن المعجبين العمي سيأتون ويجعلون من الحبة قبة، فيكفي أن تنشر مستغانمي حديثا ليحولها "المعجبون" إلى قديسة، ويكفي كويلو أن يقول أنا أحترم الإسلام ليحولوه المعجبون إلى شخصية قريبة منا، ويكفي ذكر أن غارسيا حُرم من التأشيرة الأمريكية ثلاث مرات؛ ليحوله الجمهور المعجب إلى بطل أسطوري وقف ضد الإمبريالية.
يجب التصدي لهذا العبث
المنظومة العالمية حريصة على نشر الرذيلة والتفاهة والسفالة بنفس المستوى؛ لذلك لن تتوانى عن الدفاع عن مثل هذه الكتابات، التي تشكل عندهم شكلا من أشكال تفكيك الفطرة السليمة النقية اليت تعرف الحق بسهولة، والتي تشكل عندهم وعند وكلاء الغرب في بلاد الإسلام كتابات قيمة تقضي على التطرف، وتنشر روح المحبة حسب زعمهم.
لأجل كل ذلك وجب على المصلحين أن لا يخجلوا من الحديث في هذه المواضيع، والتصدي لها، وكسر حاجز الخوف من الجماهير المعجبة بهذا العالم التافه، فنحن أولا وأخيرا مسلمون، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مصدر عباداتنا، وتصوراتنا وأفعالنا وأخلاقنا وعلاقاتنا، وهذه حقيقة يجب أن نجهر بها ونعلن عنها بكل صراحة وشجاعة.
ومن الشجاعة أن نقول: إن هذه الكتابات لا يمكن بحال أن تدخل ضمن الحكمة التي يجب أن يأخذ بها المسلم؛ فهي تصادم ديننا وأخلاقنا كأمة إسلامية، يقول الروائي الأمريكي تورمان مانر:" أن الالتزام هو بمثابة طوق النجاة في خضم القيم المتصادمة في عالم اليوم، صدام أدى إلى الفوضى، لذلك يجب أن تدين بالولاء لفكرة واحدة أو لحقيقة واحدة، فمن خلال هذا الولاء وحده يمكننا أن نتعلم شيئا وأن نقترب من إمكانية الرؤية الكاملة". هذا روائي أمريكي ينطق بالحق، فلا يمكن لأقوال رجل كاثوليكي، أو شيوعي، أو تغريبية، أو داعية تحرر ومجون أن تكون مصدر إلهام للأجيال المسلمة، التي بين يديها نصوص الوحي، وربنا تعالى يقول" قل إن هدى الله هو الهدى".
نحن مدعوون إلى إنشاء رصيد محترم يتصدى لهذا العبث الذي يعبث بعقول وقلوب المسلمين، ونحتاج إلى ضرب الداعية المفرطة لهؤلاء الكتاب بدعاية موضوعية وعقلانية وعلمية، ولعل من أنفع ما يمكن أن يشتغل به الكثير من أهل الإصلاح: الإتيان بنماذج لأقوال هؤلاء ودحضها وكشف ركاكتها أدبيا، وعوارها أخلاقيا، وسقوطها علميا ودينيا، وهذا ممكن من خلال الكتابة، أو من خلال تناول هذه المقولات في مقاطع فيديو، وتحليلها وفق الميزان الإسلامي الحنيف.
الغرب بين منع التكنولوجيا وتصدير السخافة
وختاما: إن الغرب الذي يكافئ المجرم سلمان رشدي على كتاباته الساخرة من القرآن والمشوهة للإسلام، والذي يمنع عقول المسلمين من الوصول إلى مصادر المعرفة العسكرية والتقنية المتطورة لا يريد لنا الخير بتصديره بضاعة كتاب الأشباح والأوهام والغموض والخرافة والسخافة إلى العالم الإسلامي، ويكفي المسلم معرفة هذا إن لم ينتبه للسم الذي في هذه الكتابات.
- الكاتب:
د .محمد الأمين مقراوي - التصنيف:
تاريخ و حضارة