الجيوش الإلكترونية مجموعة من الأشخاص وقراصنة الإنترنت (هاكرز) تعمل لصالح أجهزة المخابرات والأمن في الغالب، تسعى لاختراق المواقع الإلكترونية الخاصة بالشخصيات والمؤسسات والدول، ولا تكاد تترك منتديات أو نقاشات أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية إلا ودخلت إليها للدفاع عن وجهة النظر الرسمية، ونشر الإشاعات والأكاذيب التي تربك رؤية الناس وتوجههم باتجاه معين.
انتشر المصطلح بشكل كبير عام 2011 عقب الكشف عن الجيش الإلكتروني السوري الذي نجح في اختراق مواقع أوروبية وأميركية وعربية، لتوجيه رسائل داعمة لنظام بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية في العام نفسه.
ومن أشهر المؤسسات التي اخترقها الجيش الإلكتروني السوري "بي.بي.سي"، ورويترز، وأسوشيتد برس، ووكالة الأنباء الفرنسية، ونيويورك تايمز، والغارديان، وهيومن رايتس ووتش.
وتحرص الجيوش الإلكترونية -بشكل عام- على متابعة كل ما ينشر على الإنترنت ويخص مصالح الجهات التي يعملون لصالحها، ومن خلال اختراق المواقع الشهيرة بإمكانهم بث الإشاعات والأكاذيب بغرض إرباك الأوضاع، وإضعاف معنويات الطرف الآخر.
ويمكن تصور خطورة الأمر في حال نجاح هذه الجيوش في السيطرة على موقع وكالة أنباء مثلا وبث أخبار كاذبة، وذلك ما حدث فعلا مع وكالة أسوشيتد برس يوم 23 أبريل/نيسان 2013م، عندما نشر مخترقو صفحة الوكالة على تويتر خبرا كاذبا عن انفجار حصل في البيت الأبيض وجرح الرئيس باراك أوباما.
ورغم أن الخبر اتضحت فبركته بعد فترة قصيرة، فإن آثاره كانت خطيرة، ومنها مثلا أن مؤشر داو جونز انخفض بـ125 نقطة، قبل أن يعاود الارتفاع مجددا.
أهداف ووسائل
لا تكاد تختلف وسائل عمل الجيوش الإلكترونية بين منطقة وأخرى، إلا فيما يتعلق بالأهداف والوسائل.
فالاختراق يحتاج إلى طاقم فني مدرب ووسائل تقنية حديثة ومتطورة، حيث يتم في الغالب إرسال فيروسات تعمل على السيطرة على الموقع المستهدف بطريقة لا يمكن معها الكشف بسهولة عمن يقف وراء العملية برمتها، وهو ما يؤكد أن الجيوش الإلكترونية مرتبطة بمؤسسات الدولة الأمنية.
ومع تطور دور وسائل التواصل الاجتماعي في صنع الرأي العام وترويج الأخبار، واعتماد فئات واسعة من مختلف فئات الشعب عليها كمصدر رئيسي للأخبار، نشطت الجيوش الإلكترونية في استخدامها منصة لتكذيب روايات الأطراف المناوئة، ونشر الإشاعات والترويج لأكاذيب، خاصة خلال الأزمات.
ولأن منصات التواصل الاجتماعي متاحة للجميع، فإن حالة البلبلة التي تخلقها تدخلات الجيوش الإلكترونية تتعزز بمشاركة أطراف كثيرة في هذه المعارك الإلكترونية موالية للاتجاه السياسي نفسه، من خلال تبني الإشاعات وإعادة نشرها في مواقع مختلفة، ويطلق على هؤلاء "الذباب الإلكتروني".
ومن أهم خطوات الجيوش الإلكترونية ومن يتبنى طروحاتها، المشاركة بقوة في حروب التغريدات والتعليقات على تويتر وفيسبوك، ولأجل ذلك تعمل على إنشاء عدة حسابات لا تكاد تحصى بأسماء وهمية، تعمل على نشر وإعادة ترويج الأفكار المطلوب ترويجها.
ففي قضية حصار قطر مثلا واندلاع الأزمة الخليجية التي بدأت في الأيام الأولى من شهر رمضان 1438، الموافق لـ5 يونيو/حزيران 2017، حرصت كثير من المجموعات والحسابات على تويتر وفيسبوك على ترويج العديد من الإشاعات ضد قطر، سرعان ما كان يتبين أن لا أساس لها من الصحة، وظهرت عدة وسومات (هاشتاغات) على تويتر تسعى إلى البلبلة وخلط الأوراق، في ظل عجز الدول المحاصِرة عن إثبات مزاعمها بشأن قطر، والاكتفاء بتوجيه الاتهامات دون أدلة.
إسرائيل الأكثر تقدما
وتعتبر إسرائيل من الدول الأكثر تقدما في استخدام الجيوش الإلكترونية، سواء في محاولات لا تنتهي لاختراق المقاومة وتجنيد العملاء داخل فلسطين المحتلة، أو ضد الهيئات والمؤسسات والشخصيات والدول المناهضة للتطبيع.
وقد أنشأت وحداتٍ إلكترونية داخل الجيش الإسرائيلي، ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن تل أبيب ما فتئت تحث منذ سنوات طويلة أجيال الشباب على تعلم التكنولوجيا خلال الخدمة العسكرية وفي الجامعات والمعاهد، لتحقيق أهداف إسرائيل.
وضمن هذا الإطار، أعلن في إسرائيل صيف 2017 عن صندوق ليبرتاد، وهو صندوق استثماري إسرائيلي يختص بتكنولوجيا التجسس، أنشأه جهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) لبناء "قدرة ابتكارية خارقة" والحفاظ على تفوقه التقني وتعزيزه، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها.
جيش إلكتروني
واستخدام منصات التواصل الاجتماعي من طرف الجيوش الإلكترونية لا يسعى فقط للاختراق أو التشويش على آراء الخصوم وتشويه سمعتهم، بل يتجاوزه إلى التبليغ عن الحسابات والسعي لوقفها نهائيا، ودفع الخصم إلى الصمت بأي وسيلة.
وفي عصر المعلومة والحروب الإلكترونية، بدأت دول عديدة سياسة إنشاء "جيوش إلكترونية" نظامية لها ميزانيتها الخاصة، وتسعى للدفاع عن البلاد ضد الهجمات الإلكترونية التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ.
وقد أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية "أورسولا فون دير لاين" يوم 6 أبريل/نيسان 2017 عن تكوين جيش إلكتروني كوحدة مستقلة داخل الجيش الألماني إلى جانب القوات البرية والبحرية والجوية، حيث يمارس مهام دفاعية وهجومية على شبكة الإنترنت.
وقالت الوزيرة إن عمل الجيش الإلكتروني لن يقتصر على صد هجمات القرصنة، بل سيرد عليها أيضا في ساحة المعركة، وهي الإنترنت. وأضافت "في حال تعرض شبكات الجيش الألماني للهجوم فمن حقنا أيضا أن نرد".