أنتم يا بناتي وأبنائي تجسدون - بإذن الله تعالى - مستقبل هذه الأمة، فإذا كنتم صالحين أقوياء بارعين جادين كانت الأمة كذلك.
وإن أمة الإسلام تسعى إلى استعادة دورها الإرشادي وإلى استعادة مكانتها بين الأمم؛ ولهذا فإنها في حاجة إلى جيل جديد متشبع بآداب الإسلام ومفعم بالآمال، قادر على العطاء، وصابر على طول الطريق، وليس لطموحاته حدود.
البداية ـ أيها الأعزاء والعزيزات ـ في تحرير النية والسعي في مراضي الله تعالى؛ فالنية الصالحة تجعل الأعمال الصغيرة كبيرة، والنية السيئة تحول الأعمال الكبيرة إلى أعمال صغيرة.
حين يتأكد الواحد منكم أنه يسير في الطريق الصحيح، فإن عليه ألا يرضى بالقليل، ولو أنكم عرفتم الآمال العريضة والطموحات الكبرى التي كان يحملها عظماء هذه الأمة لأدركتم كيف تم تشييد الحضارة الإسلامية العتيدة.
وقد ذكروا أن هندا بنت عتبة - رضي الله عنها - كانت تمشي في أحد طرقات مكة، وفي صحبتها ابنها معاوية وهو صبي، إذ قالت لها بعضهم: إن ابنك هذا سيسود قومه. فقالت هند: عدمته إن كان لن يسود إلا قومه!
وقد ظل معاوية - رضي الله عنه - والياً على الشام عشرين سنة ! ووالياً على عموم المسلمين عشرين سنة أخرى.
وقد عبروا عن مديحهم للطموح العالي بتعبيرات كثيرة، منها ما هو شعر، ومنها ما هو نثر، ومن ذلك قول الجنيد: (ما طلب أحد شيئاً بجد وصدق إلا ناله، فإن لم ينله كله نال بعضه).
ويقول ابن القيم: (علو الهمة من علامة كمال العقل، وإن الراضي بالدون دنيء).
وقال المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارا .. .. تعبت في مرادها الأجسام
أصموا يا بناتي وأبنائي آذانكم عمن يقول: (ليس في الإمكان أبدع مما كان)، وعمن يقول: (ما ترك الأول للآخر شيئاً)؛ فالساحة مليئة بالفرص العظيمة التي لم تكن موجودة من قبل.
أنتم في حاجة إلى الطموحات الكبيرة حتى تستطيعوا استثمار أوقاتكم على النحو الأمثل، فالتجربة تدلنا على أن الوقت يتبدد سدى إذا لم نضغط عليه بآمال مستقبيلة. وإن طاقاتكم الكامنة وإمكاناتكم الهاجعة ستظل معطلة ومهمشة إذا لم تبعثوها وتستفزوها من خلال الأهداف الكبرى والمتألقة.
هذه الحقائق هي موضع إجماع عالمي، ولا يصح غض الطرف عنها.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعني الآتي:
1 ـ حرروا نفوسكم باستمرار من الإحباط واليأس، ولا تسمعوا أبداً لكل أولئك الذين يزرعون فيكم الخوف، ويشدونكم نحو الخلف.
2 ـ احلموا بالحصول على الأشياء في إطار مبادئكم وتعاليم دينكم، وأطلقوا العنان لأخيلتكم، ثم فكروا في السبل التي يمكن أن تسلكوها لبلوغ ما تحلمون به. وما أروع قول أحد الحكماء: (ليس الشباب بسواد الشعر ولا بنضارة البشرة، إنما الشباب بالارتقاء المستمر على مستوى العقل والروح وعلى مستوى الطموحات والتطلعات.
3 ـ اكسروا رهبة الخطوة الأولى، وانتقلوا من التنظير والتخطيط إلى العمل والتنفيذ.
4 ـ اصرفوا جزءاً من أوقاتكم في تطوير أنفسكم والاستفادة من الإمكانات التي بين أيديكم.
5 ـ عودوا أنفسكم النهوض بعد كل كبوة والانطلاق بعد كل عثرة، فطريق المجد مملوءة بالأشواك والأحجار.
6 ـ هموم الكبار وتطلعاتهم كبيرة وهموم الصغار صغيرة، وبعض الناس يملكون كل مقومات العظمة، لكنهم لم يصبحوا عظماء لا لشيء سوى ان اهتماماتهم تافهة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب ( 50 شمعة لإضاءة دروبكم)