بقدر أهمية الحدث الإعلامي، وبقدر الأثر الذي نتخيله على صعيد الرأي العام بعده، بقدر ما نحن مطالبون بمسألة أساسية عند الترتيب لمثل هذا الحدث.
فمن السذاجة أن تطلب أثراً إعلامياً حقيقياً فعالاً وعلى مستويات مختلفة وأنت تضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، إذ إنك تخسر بذلك مرتين:
مرّة عندما تعرض هذا الشخص غير المناسب لهذا النوع من الإعلام لموقف لا يجيده، ولحالة لم يكن في صورتها، فإنك بكل تأكيد تطلب منه أن يكون منجماً أو عرافاً أو صاحب كشف - كما يقولون- للإجابة عما لا يعرف، أو لرد شبهة لم يسمع بها أصلاً فهو لا يعرف أهي حقيقة أم وهم.
ومرّة عندما يكرّ عليه خصومه فيخسر وتخسر جماعته.
مغزى الحديث هنا، أن تكون القيادة في أي تيار، لاسيما القيادة الإسلامية، على مستوى من النضوج بحيث تقرأ المعادلة بكل وضوح، وتفهم الأمور كما ينبغي لها أن تفهم، وأن لا تخاطر بأي حدث إعلامي تحت أي مبرر، وبسبب أي ذريعة.
خطوات عملية:
فإن اتفقنا على أن الحدث الإعلامي هام ـ بل من أساسيات العمل العام ـ فإن هذه الأهمية تتطلب منا أن نجهز أنفسنا مسبقاً لمثل هذه المواقف من خلال خطوات عملية منها:
1- الإعداد التخصصي الحقيقي، فهذا مختص بالقانون الدولي، وذاك بحقوق الإنسان، وذاك مختص وخبير بأحوال الفصائل والجماعات، وذاك مختص في المجال السياسي وآخر في العمل القانوني وهكذا.
2- الإعداد من خلال العمل التجريبي، بإخضاع هذه الوجوه الإعلامية متعددة التخصصات لمواجهة الكاميرا في لقاءات بدائية تمهيدية، وأن يقفوا أمام الميكروفون كذلك، فللموقف الإعلامي رهبة قد يهاب لها حامل أعلى الألقاب الإعلامية، وهذا الإعداد التجريبي، ولو كان على نطاق داخلي يكسر الحواجز، ويجعل المختص يتغلب على كثير من العقبات، حتى لو سلمنا إنها شكلية.
3- إمداد الوجوه الإعلامية المختارة بالمادة الإعلامية الطازجة أولاً بأول، وعدم الاعتماد على تخصصهم، فهذا التخصص يخدمنا إذا حمل فكرتنا، ويضرنا ـ أو على أقل تقدير لا يفيدنا ـ إذا نطق بتخصصية غير مرتبطة بفكرة، وهذا من العبث المنهي عنه.
وفكرة الانتقاء الإعلامي، والاصطفاء لكل موقف إعلامي من يبرع فيه ويحسن، هو أمر مطلوب شرعاً، قام به الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقدم عند تلاسن الشعراء شعراءه، وعند لمعان السيوف قادته العسكريين، وعند الموقف الدعوية سادتها كمصعب بن عمير وغيره، وهذا هو المفهوم الرسمي لما أريده.
تخيل معي برنامجاً إذاعياً يجمع بين فرقاء على الساحة، في الصف الإسلامي يتقدم حامل لقب علمي في مجال الشريعة مثلاً، وفي الصف الآخر ضيف إعلامي محنك ولا يحمل شهادة الثانوية، وموضوع الحلقة يتعلق بأمر شعبي ثارت حوله خلافات بين الطرفين، فماذا سيكون سيناريو هذا الحدث برأيك؟.
هذا النوع من الحوارات تحديداً بحاجة إلى جرأة وقوة وقدرة على التعامل مع الخصم بأسلوبه الحواري، وغالبا ما يجد أصحاب الألقاب العلمية العليا مشكلة في خطاب هذا النوع من البشر، وبالذات إذا كان شرساً أو وقحاً أو غير مهذب بالعادة مع من يقابله، فأنت بذلك ستضع شخصك المختار في واقع محرج جداًّ، لا يقوى فيه على الصد عن نفسه فضلاً عن دعوته، وهذا تطبيق لقول الإمام الشافعي: "ما ناقشت عالماً إلا وغلبته، وما ناقشني جاهل إلا وغلبني".
فالحرص القيادي على تصدير أي شخص لحدث إعلامي لا بد أن يتم بعد فهم طبيعة البرنامج وضيوفه وملامحه، ومن ثم اختيار أفضل الشخصيات لملء هذا النوع بناءً على معطيات حقيقية، وليس بناءً على تصور نظري غير مجرب.
فوائد هائلة:
هذا اللون من الفهم يجعلك نداًّ حقيقياً على الساحة، ويعطي العالم بأسره دلالات متنوعة، فأنت لا تقدم في كل مرّة نفس الشخص وكأنه الوحيد الذي يحمل الفكرة، وإنما تعدد الوجوه الإعلامية، وتصدرها لوسائل الإعلام، وتضع رجالك على مستوى الحدث الإعلامي وفق رؤية شمولية تحقق هدفك.
ففي مجال الحوارات الفقهية والخلافات الشرعية قدم علماءك ومفكريك، وفي ميدان العمل القانوني أظهر مختصاًّ ولو واحداً خبيراً صاحب تجربة يملأ الموقف الإعلامي ويفيض فيه، وأعط مساحة لعلماء الاقتصاد ليشغلوا البرامج الإعلامية الاقتصادية، ودع الإعلاميين في مواجهة نظرائهم من التيارات الأخرى، وزود كل واحد بما تريد، وسلّحه بما تختار من أفكار وأطروحات ثم اترك له المجال ليسود ويصول ويجول.
إنك باختيارك في كل حدث إعلامي من يصلح له تكون قد أخذت بالأسباب، واستنفذت الجهد البشري في التخطيط والتنفيذ، وبذلك تعفي نفسك من المسؤولية أمام الله، ثم أمام الناس وأمام قاعدتك التي لن تصمت أمام أي خلل أو تقصير، فالضعف سُبّةٌ على الجميع، والخطأ من القيادة يلحق الأفراد.
ومن حُسن الاصطفاء والاختيار، أن تضرب عصفورين بحجر كما يقولون، أن تضع الرجل المناسب في موضعه الصحيح أولاً، وثانياً: أن تخاطب العالم بلسان الحال لا بلسان المقال أن عندك من الإعلاميين وأصحاب الخبرات والمناصب والكفاءات في شتى مجالات الحياة كمّا يجعلك قادراً بكفاءة على إدارة الأحداث على اختلاف المستويات والاتجاهات.
فأنت حين تقدم البروفيسور الفلاني في مجال كذا، والأستاذ الدكتور فلان في مجال كذا، والخبير الاقتصادي علان في مجاله وهكذا. فأنت تخاطب العالم بصمتك المفهوم أن لديك من الكفاءات المستورة نظراً لواقعك أكثر مما تُظهر وتبدي، وفي ذلك قوة أكيدة، وفائدة عظمى مرجوة.
ضروري جدا:
بقي أن أشير هنا إلى ضرورة فهم طبائع الشخصيات الإعلامية عند غيرك، فهذا الأمر يسهل عليك مهمة الانتقاء والتصوير، ويجلّي أمامك الخيارات بوضوح.
فكما تعلم، فإن طبائع الناس ليست واحدة، وأضرب لك أمثلة فقط لتضع لها ندّها ونظراءها عند الحاجة لهم في أي موقف إعلامي، فمثلاً:
1- هناك شخص حاد انفعالي يعتمد التهجم.
2- هناك أشخاص موضوعيين يعتمدون الحجة.
3- هناك أشخاص ذوو اختصاص علمي.
4- هناك أشخاص تحتل مناصب رفيعة.
5- هناك أشخاص تمثل قوة فكرية في تيارها أو من يطلق عليهم " المرجعيات الحركية ".
6- هناك منظرون سياسيون.
7- هناك مهنيون بشكل بحت كالمحللين السياسيين والخبراء النفسيين ونحوهم.
8- هناك أناس يشكل ظهورهم الإعلامي تحدياً لك في القوة العسكرية.
9- هناك متفلسفون متشدقون متنطعون.
هذه الأمثلة تحتاج في كل حالة منها إلى ند يناسب مقامها ومقالها، وإلى من يعرف مفاتيحها ومغاليقها، فإن أحسنت الاختيار: دعَّمت فرص انتصارك الإعلامي، وإن قصرت أو أسأت سرت إلى الهزيمة بقدميك العاريتين، والحياة موقف.