تقع "غويانا الفرنسية" في الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الجنوبية، تحدها "البرازيل" من الشرق والجنوب، و"سورينام" من الغرب، والمحيط الأطلنطي من الشمال، وهي أصغر الجويانات الثلاثة مساحة؛ إذ تبلغ مساحتها 97000 كيلو مترا مربعا، وسكانها في سنة 1408هـ - 1988م 89000 نسمة، وعاصمتها "كايين" وهي الميناء الرئيسي، وسكان العاصمة حوالي 340 ألف نسمة.
تعتبر غويانا الفرنسية، كما باقي أقاليم ما وراء البحار، إحدى أقاليم فرنسا المائة.
يعتنق أغلب سكان "غويانا الفرنسية" المسيحية دينًا على المذهب الروماني الكاثوليكي، وهناك أقلية من السكان مثل المارون وبعض قبائل السكان الأصليين، الذين حافضوا على دياناتهم الأصلية. أما شعب الهمونغ فهم مسيحيون كاثوليك بأغلبيتهم، نظرًا لتأثير المبشرين عليهم الذين أحضروهم لغويانا الفرنسية.
كان المسلمون يمثلون 8% من نسبة سكان غويانا الفرنسية عند إغلاق معتقل كايين، والآن يبلغ عددهم أكثر من 6000 نسمة .
لماذا أطلق عليها "الفرنسية" ؟
يعود تاريخ غويانا الفرنسية المكتوب إلى القرن الخامس عشر عندما زار "كريستوفر كولومبوس" شواطئها للمرة الأولى، وقد توالى على حكم المنطقة والسيطرة عليها 4 إمبراطوريات أوروبية كبرى هي (البرتغال وفرنسا وبريطانيا وهولندا)، إلا أن الغلبة في نهاية المطاف كانت لفرنسا التي جعلت من غويانا إقليمًا تابعًا لها فيما بعد.
وجمهورية "جويانا الفرنسية" هي في الأصل مستعمرة فرنسية، احتلتها فرنسا منذ سنة 1036هـ - 1626م، واتخذتها كمنفى للمناضلين ضد الاحتلال الفرنسي بالمستعمرات الفرنسية السابقة، ولم يغلق هذا السجن إلا بعد الحرب العالمية الثانية في سنة 1336هـ - 1946م، وفي العام نفسه صدر قرار الحكومة الفرنسية باعتبار جويانا إحدى المقاطعات الفرنسية عبر البحار.
التنوع البيئي والبشري:
تتميز "غويانا الفرنسية" بتنوعها البشري والطبيعي، فقد سكنت المنطقة عبر العصور شعوب مختلفة واختلطت مع بعضها البعض لتُشكل أصل الشعب الغوياني الحالي، فأول من سكنها كان الأمريكيون الأصليون، ثم تلاهم الأوروبيون الذين أَحضروا بدورهم الزنوج الأفارقة ليعملوا كعبيد في مزارعهم، وبعد أن حرّمت فرنسا العبودية، تم تحرير هؤلاء ليسكنوا الأدغال الفاصلة بين مناطق السكان الأصليين والأوروبيين، فاختلطوا مع كلاً منهما مع مر السنين. وفي وقت لاحق قدمت إلى "غويانا الفرنسية" أعداد من الآسيويين من صينيين وهمونغ وهنود شرقيين واستقرت بالعاصمة "كايين" حيث عمل أغلب أفرادها بالتجارة.
ومما يميز "غويانا الفرنسية" أيضًا، تنوعها الأحيائي، إذ يُقدر عدد أنواع الثدييات والطيور والحشرات والأسماك فيها بأكثر من ذلك الخاص بفرنسا ذاتها، بل بفرنسا وباقي أقاليم ما وراء البحار التابعة لها، أما الأشجار فهي تفوق كذلك جميع تلك الأقاليم بثرائها، على الرغم من أن تربة غويانا فقيرة بالمغذيات الضرورية لنمو أي غابة، ويُرجح بعض العلماء نمو الأشجار والنباتات بهذه الكثافة إلى بعض الأنشطة الإنسانية الزراعية التي قام بها السكان الأصليين في القدم وأدّت إلى تخصيب مساحات شاسعة من الأراضي.
الاقتصاد والنشاط البشري:
لا تزال "جويانا الفرنسية" تعتبر من أكثر البلاد تخلفا وفقراً رغم وفرة مواردها، فرغم ثروتها العظيمة من الأسماك على ساحل يمتد مسافة (320 كم)، إلا أن ما يستغل من الثروة السمكية يمثل حصة ضئيلة من هذا المورد، بينما تمثل الزراعة الحرفة الأساسية في البلاد، وأهم حاصلات البلاد قصب السكر، والأرز، وهناك قطع الأخشاب النادرة من الغابات الاستوائية.
تعتمد غويانا الفرنسية اعتمادًا كبيرًا على الإعانات الفرنسية، والتبادل التجاري للسلع مع فرنسا. تعتبر الصناعة الغويانية ضعيفة إجمالاً، إذ يُشكل صيد السمك الصناعة الأساسية في البلاد، حيث يمثل إنتاجه ثلاث أرباع الصادرات إلى الخارج، إلا أن ما يستغل من الثروة السمكية يمثل حصة ضئيلة من هذا المورد، رغم ثروة البلاد الكبيرة من الأسماك.
كيف وصل الإسلام إلى "غويانا الفرنسية" ؟
وصلتها موجة قديمة من مسلمي أفريقيا، وعاشت في ظروف غير إنسانية؛ حيث استعبد الأفارقة في المستعمرة الفرنسية، ووصلها حديثا عدد من المسجونين السياسيين من داخل المستعمرات الفرنسية السابقة، وكان أغلبهم من المغاربة، والجزائريين، ففي سنة 1365هـ - 1945م قدر عدد المسجونين السياسيين من هذه البلدان بحوالي 480، ولما كانت فرنسا تحتل بلدان المغرب العربي ، وخاضت الجزائر حرب التحرير لمدة طويلة ضد الاحتلال، فنفت فرنسا عددا من المجاهدين الجزائريين إلى غويانا الفرنسية، وقد حاول بعض منهم الهروب إلى البرازيل المجاورة لغويانا الفرنسية، وأغلبهم مات في أثناء المحاولة، وبعضهم نجح، ونشرت بعض الصحف الفرنسية قصص هؤلاء المجاهدين، وهاجر إلى غويانا الفرنسية في النصف الأول من القرن الميلادي الحالي 4000 مسلم من لبنان وسوريا وفلسطين، وعندما ألغت فرنسا معتقل كايين بغويانا الفرنسية كان عدد المسلمين الذين أفرج عنهم حوالي 2500 نسمة، أي 8% من جملة سكان غويانا الفرنسية آنذاك، وفضلوا البقاء بالبلاد، وتزوجوا من أهلها، وهم الآن أكثر من 6 آلاف نسمة .
لغات المسلمين وأماكن تواجدهم:
معظم المسلمين ب"غويانا الفرنسية" من أصل جزائري ومغربي، استوطنوا البلاد وهاجروا إليها، ويعيش أفراد الجالية المسلمة بغويانا في مدن: كايين، وكورو، وسان لوران دو ماروني، وهي المدن الرئيسية ب"غويانا الفرنسية"، ويعملون بالتجارة، وقد أسلم بعض الأفارقة من سكان البلاد نتيجة جهودهم، ومما يؤسف له أن اللغة العربية ضاعت بين أفراد الأقلية؛ نتيجة استخدام الفرنسية، ونتيجة عدم اهتمامهم بتعليمها لأبنائهم.
حياة المسلمون في "غويانا الفرنسية":
عاش مسلمو غويانا الفرنسية ظروفًا قاسية في ظل معتقل "كايين" في "غويانا الفرنسية"، وأهملت تنظيم نفسها، فليس للمنظمات أو الهيئات الإسلامية وجود بينهم، غير أن الأقلية المسلمة ب"غويانا الفرنسية" بدأت في تكوين صلات بينها وبين الأقلية المسلمة في "سورينام"، وحضر وفد عن الأقلية المسلمة ب"غويانا الفرنسية" المؤتمر الإسلامي الذي عقد في سنة 1397هـ - 1977م بترنداد، ووضع المؤتمر أساس تكوين المجلس الإسلامي لأمريكا الجنوبية والكاريبي، كما أوصى بالتنسيق بين المنظمات الإسلامية في أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي، وهكذا بدأت الأقلية المسلمة ب"غويانا الفرنسية" اتصالها بالعالم الإسلامي، ودعمت صلتها بالمؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي من مكة المكرمة، والتي تبنت هذا المؤتمر وحضرته وفود عن (55) منظمة مثلت الأقليات المسلمة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، ومن خلال المؤتمر الإسلامي لأمريكا الجنوبية والكاريبي استطاعت الأقلية المسلمة في "غويانا الفرنسية" أن تحصل على بعض مطالبها من الأئمة والمدرسين لتعليم أبناء الجالية قواعد دينهم، ولربطهم بالأقليات المسلمة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، ولقد تأسـست فيها جمعية إدامة الإسـلام .
أهم المساجد والمراكز الإسلامية:
جمعية إدامة الإسـلام.
رابطة المسلمين في غرب غويانا الفرنسية، سان لوران دو ماروني.
المركز الثقافي الإسلامي، كايين، غويانا الفرنسية.
مسجد أبو بكر، كايين، شارع ليون، غويانا الفرنسية .
ماذا يحتاج المسلمون في غويانا..؟
الحال في "غويانا الفرنسية" لا يختلف كثيراً عن غيرها من باقي دول أمريكا الجنوبية، سوى أن نسبة الأقلية المسلمة إلى إجمالي عدد السكان تعتبر كبيرة، وبالتالي لو نشطت هذه الأقلية وتم تدعيمها بشكل جيد من الدول الإسلامية فمن المتوقع تحسن أحوال المسلمين وتزايد عدد المسلمين الجدد كذلك، ولعل أبرز أشكال التدعيم المطلوبة هي:
- إيفاد الدعاة إلى هناك و ابتعاث الطلاب من أبناء "غويانا" للدراسة ثم عودتهم لأداء رسالتهم في بلدهم مرة أخرى.
- بث قناة فضائية موجهة للمسلمين في تلك البلاد.
- إرسال الكتب المترجمة سواء ترجمات معاني القرآن الكريم أو الكتب الدينية على منهج أهل السنة والجماعة لتوعية الأقلية المسلمة ووقايتهم من المذاهب الهدامة التي قد تجد بين الأقليات أرض خصبة لها.
- الكاتب:
موقع : مفكرة الإسلام - التصنيف:
تاريخ و حضارة