الواقع الذي نعيش
يعيش العالم الإسلامي بشكل عام حالة من الإذلال في جميع مناحي الحياة على أيدي الدول التي تملك الابتكار، وأصبحنا نأكل مما يزرعونه لنا، ونلبس مما يصنعونه لنا، ونتواصل بوسائل الاتصال التي يصنعونها لنا، وننتقل من مكان لآخر بوسائل النقل التي يصنعونها لنا، بل وحتى نقاتل بالأسلحة التي يصنعونها لنا، حتى غدت مؤسساتنا تجلب من دول الابتكار من يخطط لها، بل والرياضة أصبحنا نجلب مدربين من تلك الدول لتدرب فرقنا الرياضية. وهذا هو نهج الفاشلين ومن يقتلون الابتكار ولا يشجعونه، هكذا يبقى ذليلاً تحت رحمة ذلك المبتكر الذي يتحكم بأسعار طعامه وملبسه، بل ويستذله، فيعطيه متى رضي عليه، ويمنعه عندما يختلف معه، بل يصل حال الإذلال والامتهان، أن نترك المبتكرين يستخرجون الخيرات من باطن أراضينا ليعيدوا تصنيعها ثم يبيعونها لنا صناعات أخرى مرة ثانية.
ثورة الملح:
عندما ألزم الإنجليز الهنود أثناء احتلال الهند بشراء الملح المصنع منهم بمبالغ يضعها الاحتلال أراد أحد قادة الثورة آنذاك، وهو المهاتما غاندي التمرد على هذا القرار، فابتكر استخراج الملح من أحد المصادر الطبيعية، وهي البحر، فطلب من الهنود الاتجاه للبحر لأخذ ما يحتاجونه من الملح، وألا يخضعوا لأوامر الاحتلال الإنجليزي، فاتجه الملايين ليأخذوا ملحهم من البحر، ما جعل الإنجليز يجن جنونهم، وسقط في أيديهم.
إنه لون من ألوان التحرر من أسر الآخرين عن طريق الابتكار، والتفكير بحلول أخرى، وما الابتكار في أحد تعريفاته إلا البحث عن حلول أخرى، وهذا ما فعله المهاتما غاندي للتخلص من أسر الاحتلال في تلك القضية، ولهذا وفر على المواطنين ملايين الروبيات التي كانت ترهق ميزانياتهم الضعيفة.
الآبار المحترقة:
قبيل خروج الاحتلال الصدامي البعثي من الكويت عام 1991م أحرق الجيش ما يزيد على سبعمائة بئر نفطية، وأصبح الدخان المتصاعد من هذه الآبار المحترقة يحجب شعاع الشمس ليحيل نهار الكويت إلى ليل، وبدأ التفكير السريع لإطفاء هذه الآبار بأسرع وقت ممكن لتنقية الأجواء، أولاً لحفظ صحة المواطنين من هذا الخطر الذي يستنشقونه ليل نهار، وكذلك لإيقاف هدر الثروة الوحيدة التي يعتمد عليها الكويتيون...
فتم الاتصال بأكبر وأشهر الشركات العالمية في إطفاء آبار النفط، وهي شركة أمريكية يرأسها الخبير العالمي ردادير، وعندما جاء الكويت صرح بأن هذه الحرائق لا تطفأ بأقل من خمس سنوات، وهذا يعني خسارة كبيرة في صحة المواطنين، وقد يتعرض الكثير منهم لأمراض خطيرة، ويعني أيضاً المزيد من هدر الثروات الطبيعية، ويعني تكلفة مبالغ بها لإطفاء هذه الحرائق، لأنه كان قد اشترط أخذ التكلفة يومياً، وليس مقابل إطفاء البئر..
وهنا تدخل وزير النفط الكويتي الشاب د. رشيد العميري، فابتكر طريقة للتعامل مع هذه الكارثة، ليخرج وطنه الكويت من تحكم هذه الشركة العالمية، ولإنقاذ وطنه من هذه الكارثة البيئية بأسرع وقت، إذ تشتمل هذه الطريقة على ثلاثة بنود:
الأول: إفساح المجال لجميع الشركات العالمية لتقديم عروضها لإطفاء الحرائق.
ثانياً: أجرة الإطفاء مقابل كل بئر يطفأ وليس التكلفة اليومية.
ثالثاً: إدخال فريق الإطفاء الكويتي ومعاملته كبقية الفرق العالمية.
بدأت العروض تتوالى على الكويت، حيث تسلمت الكويت ثمانمائة عرض، تم اختيار 27 منها، مما جعل وزير النفط يعلن المفاجأة التي هزت العالم، أنه سيطفئ الآبار خلال سبعة أشهر، وبدأ الناس والشركات العالمية، يقولون عنه إنه مجنون، ولكنه أثبت للعالم عملياً أن توقعه كان صحيحاً 100%، فتم إطفاء آخر بئر في 6-11-1991م، وليس بعد خمس سنوات كما توقع الخبير الأمريكي. وبهذا أنقذ هذا الوزير بلده من كارثة صحية، ومالية، وحرر بلده من نفوذ الشركات العالمية وتحكمها، واستعماله الفكرة الجديدة.