يعيش المسلمون في القارة الأوربية على هيئة أقليات متناثرة، يختلف حجمها من دولة أوربية إلى الأخرى ما بين الآلاف والملايين، فيُقدَّر تعداد المسلمين بالملايين في روسيا الاتحادية، وبعض بلاد أوربا الشرقية، وهناك دولة واحدة يشكِّل المسلمون فيها الأغلبية الساحقة من السكان وهي ألبانيا.
أمَّا المسلمون في بلاد أوربا الغربية فأحوالهم مختلفة، ذلك أن عددهم في أيٍّ من هذه البلاد يبدأ بالمئات في بعضها، وينمو حتى يقارب بضعة ملايين في بعضها الآخر، والسواد الأعظم من المسلمين في هذه البلاد وفدوا إليها بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم والبلدان الأوربية التي يعيشون فيها، وقد حضروا إلى تلك البلاد بحثًا عن عمل، أو سعيًا وراء فرصٍ أفضل في الحياة لم تتيسر في بلادهم الأصلية.
وإذا عرفنا أن معظم بلاد العالم الإسلامي كان واقعًا تحت وطأة الاستعمار الأوربي في آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أمكننا أن نتعرف إلى طبيعة الجاليات الإسلامية التي استقرت في كل بلد على حدة.
ففي بلد مثل إنجلترا نجد معظم المسلمين بها قادمين من دولٍ كانت خاضعة للاحتلال البريطاني في قارتي آسيا وإفريقيا، وخاصةً من الهند وباكستان وبنجلاديش.
وفي فرنسا نجد غالبية المسلمين من دول المغرب العربي التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي مثل الجزائر وتونس والمغرب، وكذلك في هولندا نجد الجانب الأكبر من المسلمين بها من إندونيسيا التي ظلَّت خاضعة للاحتلال الهولندي فترة طويلة.
أمَّا في ألمانيا فنجد الجاليات الإسلامية بها يغلب عليها العنصر التركي، وهم الذين هاجروا من تركيا بعد إلغاء الخلافة الإسلامية ودعوة مصطفى كمال أتاتورك إلى العلمانية.
هذه الجاليات هي التي تشكل الغالبية العظمى للجاليات الإسلامية في بلاد أوربا الغربية، وقد انضم إليها مهاجرون من بلاد إسلامية أخرى، كما أن أعدادًا كبيرة من سكان أوربا دخلت الإسلام بحكم الصلات التاريخية مع العالم الإسلامي التي سبقت الإشارة إليها؛ مما أدَّى إلى ازدياد فرص التفهم لطبيعة الإسلام عند هؤلاء الأوربيين على اختلاف نزعاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية، وكذلك إتاحة الفرصة للأوربيين للقراءة عن الإسلام في مصادره الأصلية، بعيدًا عن تشويه المستشرقين ومغالطاتهم التي حاولت الأجيال السابقة منهم أن تروِّجها عن الإسلام بين الأوربيين.
أيضًا كان من الأسباب ذات الأثر البعيد في تغيُّر نظرة الأوربيين للإسلام اعتناقُ عددٍ من المثقفين الأوربيين ذوي المكانة الاجتماعية المرموقة للإسلام؛ لما اكتشفوه في الإسلام من وضوح الرؤية، واستقامة العقيدة ومسايرتها للمنطق السليم.
وتتوزع الأقليات المسلمة في أوربا على النحو التالي:
أولاً: في روسيا الاتحادية (شرق أوربا):
يبلغ عدد المسلمين في روسيا الاتحادية الفيدرالية حوالي 20 مليون نسمة، يتركزون في المناطق المتاخمة لحوض نهر الفولجا، وفي منطقة شمال القوقاز مثل الشيشان والأنجوش وداغستان، وأيضًا في منطقة سيبريا.
ثانيًا: الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي (شرق أوربا):
توجد أقلية إسلامية في جمهورية جورجيا تبلغ نسبتها 19% من عدد السكان، وفي جمهورية أرمينيا يبلغ عدد المسلمين ما يقرب من نصف مليون مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ 3 ملايين نسمة في عام 2007م. كما يعيش في جمهورية مولدافيا أكثر من ثلث مليون مسلم من إجمالي 4 ملايين نسمة 2007م، أي بما يمثل 12% تقريبًا من عدد السكان. وأيضًا في جمهورية ليتوانيا توجد أقلية مسلمة تُقدَّر بخمسين ألفًا من عدد السكان البالغ 3.5 ملايين نسمة عام 2007م ، وتمثِّل 1.3% من السكان.
ثالثًا: جمهوريات وسط أوربا والبلقان:
يتكون معظم الأقلية المسلمة في وسط أوربا والبلقان من أهل البلاد أنفسهم، كالألبان والبوسنيين، أو من الأتراك الذين استوطنوا هذه المنطقة. ويتراوح عدد المسلمين في هذه المنطقة بين 8- 10 ملايين مسلم، ويتركزون في ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا، وكوسوفو وهي جمهورية إسلامية 100%، إضافةً إلى مقدونيا، وباقي دول وسط أوربا مثل رومانيا، المجر، وغيرها.تتركز الجاليات الإسلامية الكبرى غرب أوربا في كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا.
وتعود بدايات الوجود الإسلامي في الأراضي الفرنسية إلى أيام دولة الأندلس، وبعد هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء -كما ذكرنا- حيث وقع بعض الأسرى المسلمين في قبضة الفرنسيين، تم نقلهم إلى شمال فرنسا، واستقروا هناك، فاعتُبِر ذلك بمنزلة أول الوجود الفعلي للمسلمين في فرنسا، وبعد سقوط دولة الأندلس، وملاحقة الفرنجة للمسلمين بالتقتيل وارتكاب المجازر؛ اضطرَّ حوالي 150 ألف مسلم إلى اللجوء إلى جنوب فرنسا والاستقرار فيها.
وتُعتَبَر الدفعات الأخيرة من الهجرة إلى فرنسا هي التي وقعت في العصر الحديث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد كانت معظم هذه الهجرات قادمة من بلاد المغرب العربي، ولأسباب اقتصادية كالبحث عن فرص للعمل، أو أسباب سياسية كالنجاة من اضطهاد الأنظمة الديكتاتورية.
رابعًا: بقية دول أوربا:
تتركز الجاليات الإسلامية الكبرى غرب أوربا في كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا.
وتعود بدايات الوجود الإسلامي في الأراضي الفرنسية إلى أيام دولة الأندلس، وبعد هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء -كما ذكرنا- حيث وقع بعض الأسرى المسلمين في قبضة الفرنسيين، تم نقلهم إلى شمال فرنسا، واستقروا هناك، فاعتُبِر ذلك بمنزلة أول الوجود الفعلي للمسلمين في فرنسا، وبعد سقوط دولة الأندلس، وملاحقة الفرنجة للمسلمين بالتقتيل وارتكاب المجازر؛ اضطرَّ حوالي 150 ألف مسلم إلى اللجوء إلى جنوب فرنسا والاستقرار فيها.
وتُعتَبَر الدفعات الأخيرة من الهجرة إلى فرنسا هي التي وقعت في العصر الحديث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد كانت معظم هذه الهجرات قادمة من بلاد المغرب العربي، ولأسباب اقتصادية كالبحث عن فرص للعمل، أو أسباب سياسية كالنجاة من اضطهاد الأنظمة الديكتاتورية.
أمَّا في الوقت الحالي فقد أصبح الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا؛ حيث يعيش فيها أكثر من 6 ملايين مسلم من أصل 63.7 مليون نسمة وهم عدد السكان في عام 2007م ، لتمثِّل نسبة الأقلية المسلمة 9.4% من سكان فرنسا. مع العلم أن الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى أنَّ عدد المسلمين أكثر من ذلك بكثير؛ لأن الإحصاءات الرسمية لا تضع في حساباتها إلا المسلمين الأصليين؛ أي الذين يأتون من بلادهم وهم مسلمون، أمَّا المسلمون فرنسيو الأصل فلا يدخلون في التعداد؛ لأن فرنسا دولة علمانية لا تضع خانة الديانة في إثبات الشخصية.
وتشير توقعات ودراسات إلى أن هؤلاء المسلمين سيتضاعفون ثلاث مرات بحلول عام (2020م) ليقترب عددهم من (20) مليون نسمة؛ وذلك بسبب ارتفاع نسبة الخصوبة والمواليد بين المسلمين، واستمرار تدفق المهاجرين المسلمين لفرنسا، وكذلك دخول أعداد غير قليلة من الفرنسيين في الإسلام؛ حيث يزيد عدد المسلمين من أصل فرنسي على 100 ألف، كما يوجد الآن في فرنسا 1300 مسجد، وحوالي 600 جمعية إسلامية. وتشير الإحصاءات أيضًا إلى أن 40% من الجاليات المغربية يحصلون سنويًّا على الجنسية الفرنسية، وهو ما يمثِّل حالة من الفزع والتوتر لدى الحكومة الفرنسية، وظهر أثر هذا التوتر الحكومي جليًّا فيما تعرضت له الجالية المسلمة ورموزها مؤخرًا من اضطهاد دفع بأبناء الجالية المسلمة إلى التذمُّر والاحتجاج، كما طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة.