تهدف تعاليم الإسلام من الناحية الاجتماعية إلى أن يكون المسلمين على قلب رجل واحد، انطلاقاً من قول المصطفى الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم] يأخذ القوي منهم بيد الضعيف، ويعين الغني منهم الفقير، ويظهر التكافل الاجتماعي في المجتمع بحيث تتحقق فيه أهدافه ومضامينه، وهناك العديد من النصوص والأحكام تصف المجتمع المسلم، وما ينبغي أن يكون عليه في هذه الناحية.
وتتعدد أهداف هذا التكافل حتى تشمل جميع حاجات الفرد والمجتمع، مادية كانت أو معنوية، ويقصد بالتكافل الاجتماعي: أن يعمل المسلمون كل من خلال وظيفته ومكانته على المحافظة على مصالح المجتمع العامة ومصالح الأفراد الخاصة، بحيث يشعر كل فرد في المجتمع أن حقوقه قد تحققت، فيسعى إلى الالتزام بواجباته تجاه غيره من أفراد مجتمعه، ثم تتسع دائرة هذا التكافل لتشمل الناس جميعاً، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13) فالله تعالى كرم الإنسان وأمرنا أن نتعامل معه من هذا الباب، حيث قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: 70).
وقد حرصت تعاليم الإسلام منذ اليوم الأول على تنمية الصلات الإنسانية، وتقوية الروابط الاجتماعية، وإقرار المساواة بين الناس، حتى يشعر المسلم أنه أخ لكل مسلم، وأقام الإسلام ضماناً اجتماعياً على أساس من التكافل يعنى ببناء الفرد والجماعة، بناءً معنوياً وجسدياً، فهو يضع القواعد لبناء الفرد الصالح، والأسرة الفاضلة، والجماعة المتكاملة، ليضمن قيام المجتمع المسلم، الذي يوفر الأمن والأمان لكل أفراده.
وتبدأ دائرة هذا التكافل عند كل إنسان مسلم من نفسه، يزكيها، ويرعاها، ويصلحها، ويوجهها إلى ما فيه خيرها وخير الناس جميعاً، ثم بينه وبين أفراد أسرته، حيث يتحمل كل فرد فيها مسؤوليته، ويقوم بواجباته، انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) [البخاري]. فالرجل راع في بيته، له حقوقه وعليه واجباته، وكذلك المرأة، لها حقوقها وعليها واجباتها، وتبدأ هذه المهمة الصعبة من لحظة اختيار الزوج لزوجته، التي ينبغي أن يختارها من بيت صالح، لتكون لبنة صالحة قادرة على تربية أطفالها وتنشئتهم بما يرضي الله سبحانه تعالى، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) [البخاري]. ويكون أساس التعامل بين الزوجين بالمعروف، كما أراد الله سبحانه، انطلاقاً من توجيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) [الترمذي].
أما عملية التربية والعناية للأولاد فهي مهمة الأبوين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم: 6). ومن ذلك أن نوجههم منذ الصغر إلى ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، ابتداء من العبادات وكافة الأعمال الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) [أحمد].
وحين ينشأ الفرد على هذه التعاليم، يكون قد بدأ السير في الاتجاه الصحيح، وعرف مقامه ومكانه في مجتمعه، فالإسلام يحرص على إيجاد التكافل بين الفرد ومجتمعه، ويحرص على تحقيق المصلحة الفردية والمصلحة العامة جميعاَ، بحيث لا تطغى إحداهما على الأخرى، فالفرد متفاعل ومتعاون مع بقية أفراد مجتمعه على تحقيق هذا التوازن، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2). وفي الجهة الأخرى المجتمع مسؤول عن حفظ حقوق الفرد، وهذا ما يساهم في حفظ النظام العام للمجتمع وكافة أفراده.
ولا تقف حدود هذا التكافل عند تحقيق مصالح الفرد أو المجتمع أو الدولة، بل هي تمتد لتشمل المجتمعات الأخرى، والأجيال الأخرى، وهو ما يؤكده قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر: 10)، وهو ما تتحقق به إنسانية الإنسان التي أرادها الله تعالى منا نحن المسلمين، ويتحقق التكافل بأبعاده الزمانية والمكانية.
ومن أهم مظاهر التكافل التي يحرص الإسلام على بنائها في مجتمعاتنا، كيفية التعامل مع كبار السن، والعناية بهم، ابتداء من الآباء انطلاقاَ من قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف: 15)، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) [الترمذي]. ثم الاهتمام بالأيتام والفقراء والمساكين وكفالتهم، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215).
ويتم ذلك بفتح فرص العمل أمام جميع أفراد المجتمع، وعدم حصرها في فئة منهم، وإزالة العقبات من أمام الفقراء حتى يخرجوا من دائرة الإحساس بالدون بين أقرانهم.
ومن أهم مظاهر التكافل في الإسلام كيفية التعامل مع الجيران، والحرص على رعاية حقوقهم ومصالحهم، قال الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه) [البخاري].
ومن تلك المظاهر أيضاً إكرام الضيف وحسن معاملته، ويدخل في هذا المجال الضيف الخاص بك، أو الضيف القادم إلى بلدك، كالسائحين، أو من القادمين للعمل في بلدك الذي تعيش فيه، فعليك إحسان ضيافتهم جميعاً، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) [البخاري].
وهناك عدة وسائل يقوم بها أفراد المجتمع تساهم في تحقيق هذا التكافل، منها: الزكاة، والصدقة، والكفارة، والوقف، والوصية، والعارية، والهبة، والهدية، وغيرها. وهناك وسائل أخرى منوطة بالدولة، منها: إقامة المشاريع العامة، والبنى التحتية للمدن والقرى، وإيجاد فرص عمل لكافة أفراد المجتمع، وتسهيل تحقق احتياجات الناس، وتنظيم وسائل النقل والاتصال، ووسائل التكافل الفردبي بين أفراد المجتمع، كتسهيل إنشاء مراكز لجمع الزكاة وتوزيعها، وتسهيل مهماتها، انطلاقاً من قوله سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة: 103).
هذه بعض ملامح ومعالم التكافل الاجتماعي في ظل تعاليم الإسلام، ولا شك أن الموضوع يستحق أكثر من هذا البسط، ولكن خير الكلام ما قل ودل، والله تعالى أعلم.