عدَّ الدكتور محمد يسري في كتابه "الفضائيات الإسلامية.. تحديات وطموحات" الرسالة الإعلامية التي يقوم بها المسلم جزءاً من العبادات، وقال في ذلك: "إن الإعلام بالإسلام عبادة جليلة تنضبط بالتوجه إلى الله تعالى إخلاصاً وتوحيداً، وبالاتباع نهجاً وتطبيقا، قال – تعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: 162 – 163].
وقال أيضاً: "إن طابع الإعلام الإسلامي طابع ريادي متميز في وجهته وأهدافه ومبادئه ومقاصده وعرضه وأسلوبه؛ ذلك لأنه يستمد من مَعين البلاغ القرآني المعجز والخطاب النبوي الجامع المانع".
ومن هذا المنطلق يمكن تحديد المسؤوليات والغايات التي ينطلق منها دور الإعلام الإسلامي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة، سواء كان ذلك على صعيد المهمة الداخلية الملقاة على عاتقه في التعامل مع نوازل الأمة الداخلية، أو الدور الرسالي الذي يجب أن يشغلَ الحيزَ الأكبر في خطاب الإعلام الإسلامي تجاه قضايا المسلمين حول العالم.
تنوُّع وسائل الإعلام واختلاف أدوارها
- سواء بتلونها بحسب الممولين أو المشغلين أو من خلال الهوية الفكرية والثقافية التي تسير على نهجها - جعل الجمهور الإسلامي يفقد الكثير من هويته بين عشرات الآلاف من الوسائل الإعلامية المتنوعة المشارب والمنابع في العالم، وخصوصاً الإعلام الأجنبي الموجَّه، والذي – غالباً - ما يحمل دوراً رسالياً حاسماً تجاه القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية التي تمسُّ مصالح الأمم والطوائف الدينية بمختلف أنواعها.
ومع اشتداد وطأة الاستعمار وطغيانه وسقوط الخلافة العثمانية واحتلال فلسطين برز مصطلح (الإعلام الإسلامي)، وبدأ دوره يزيد أهمية مع زيادة قوة أعداء الإسلام الذين حافظوا على وجودهم من خلال التيارات الفكرية والتغريبية الوافدة مثل (الاشتراكية، والليبرالية، والحركات الباطنية)، بهدف ترويض الأمة لصالح مشاريعهم الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط التي كانت جزءاً من الخلافة العثمانية.
فقدت الأمة بانهيار الخلافة العثمانية عامل الوحدة، وبدأت تشعر بحالة اغتراب كبيرة عن ثقافتها وهويتها الدينية والاجتماعية لا سيما في ظل الضغط الكبير الذي تمارسه الحركات والتيارات التي فرَّخها الاستعمار قبل رحيله؛ سواء في عهد القومية العربية التي جعلت الشيوعية السوفييتية سابقاً من أهم منابعها، أو العلمانية الغربية التي جعلت النموذج الأمريكي والأوروبي المثلَ الأعلى لتجربتها في المنطقة العربية.
في ظل هذه الفجوة التي ألمَّت بالأمة خرجت تجارب إعلامية تنادي بأسلمة الإعلام من أجل الحفاظ على الهوية الدينية للمجتمعات العربية، وكذلك القيام بدور رسالي مهمٍّ للدفاع عن قضايا المسلمين وتبنِّيها في العالم الإسلامي وخارجه.
المصطلحات والمسميات
لا تزال المصطلحات المستخدمة في وصف واقع الصحافة الإسلامية مثارَ خلاف بين كثير من المتخصصين في الشأن الإعلامي، إلا أنني أرى أن طبيعة الرسالة التي تحملها هذه الوسائل هي التي تحدد شمولية المصطلح وغايته؛ فالبعض يرى أن تسميتها بـ "الصحافة الإسلامية" يعني ممارسةَ إقصاء بحق وسائل الإعلام العربية الأخرى، والبعض الأخر يعتقد أن الوصف الأمثل لها بأنها "صحافة دينية" كونها تركز على الجانب الدعوي والعقدي، أو "الصحافة ذات التوجه الإسلامي" كونها تتبنى قضايا الحَراك الإسلامي في الساحة العربية.
في البداية يجب التوضيح أن الصحافة الدينية هي جزء من الصحافة الإسلامية، ولا يمكن حصر الصحافة الإسلامية في هذا الجانب خصوصاً مع الدور الكبير الذي تقوم به تجاه قضايا العالم الإسلامي. أما على صعيد اعتبار وسائل الإعلام العربية أو المحلية في العالم الإسلامي جزءاً من الصحافة الإسلامية فهذا الأمر يبتعد كثيراً عن الغاية من وجود الإعلام الإسلامي؛ فغالبية وسائل الإعلام المموَّلة من القطاع الخاص أو الحكومي تعمل وَفْقَ أجندة غريبة عن هوية الأمة، بل محادٍّة لها ولا تتضمن مراعاة الرسالة الإسلامية الحقيقية التي لخصها الدكتور محمد منير حجاب في كتابه (الإعلام الإسلامي - المبادئ النظرية والتطبيق) الذي صدر عقب الهجمة الإعلامية على الإسلام، التي أعقبت أحداث 11/ سبتمبر بقوله: "الإعلام الإسلامي عملية تلتزم بالإسلام في كل أهدافها ووسائلها، وفي ما يصدر من رسائل ومواد إعلامية، وتعتمد على إعلاميين ملتزمين".
يوجد جانب مهم يؤكد على ما سبق، وهو ما يتعلق بالسياسات التحريرية لوسائل الإعلام الإسلامية وغيرها من وسائل الإعلام؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: بينما تطلق غالبية وسائل الإعلام الإسلامية على الكيان الصهيوني وصف "كيان" لا تزال كثير من القنوات الخاصة والحكومية العربية تطلق عليه "إسرائيل"، وهذا الأمر يعد جزءاً من الدور الرسالي الذي يقوم به الإعلام الإسلامي، ومن خلاله يحافظ على صورة ذهنية لدى القارئ المسلم بموجبها ينفي شرعية وجود الكيان الصهيوني، كذلك تطلق وسائل الإعلام العربية التقليدية كلمة "قتيل" على ضحايا العدوان الصهيوني، بينما تطلق عليها وسائل الإعلام الإسلامي كلمة "شهيد"؛ وفي ذلك أدلجة كبيرة للصراع مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
لقد خطا الإعلام الإسلامي خطوات كبيرة، وأسهم إسهاماً مقدَّراً في بناء الوعي والتصدي لمكائد الأعداء، ولكن بالرغم من النمو الكبير الذي شهده الإعلام الإسلامي في العقد الأخير نظراً للتطور التكنلوجي، وكذلك زيادة قوة الصراع الفكري والسياسي وتواتر النوازل والأحداث على الأمة الإسلامية؛ إلا أن حالة التلوين السياسي باقية ومؤثرة في بعض وسائل الإعلام الإسلامية، ولا يزال بعضها يتبنى الخطاب الحزبي بدرجة كبيرة.
يوجد مهمة كبيرة على عاتق الإعلام الإسلامي ينبغي أن يفهمها القائمون عليه؛ وهي أن الدور الرسالي للإعلام الإسلامي لا ينبغي أن يركز على مقارعة الأعداء فقط بل يجب أن يجمع المتفرقين في هذه الأمة ويعزز ثقافة التآلف والاجتماع، ويتفاعل مع جميع ألوان المجتمع المسلم، ولا ينبغي أن تُطبَع صحيفة ليقرأها أنصار الجماعة أو المنظمة الصادرة عنها، بل ينبغي أن يقرأها كلُّ مسلم في المشرق أو في المغرب.
الأمة تعيش حالة اغتراب فكري وثقافي كبيرة جداً بالإضافة إلى مشكلة وعي خطيرة بقضاياها؛ وهنا يكمن دور الإعلام الإسلامي في تعزيز بنيانها وتوحيد صفها وليس زيادة الفجوة الموجودة بفعل التناحر السياسي والصراعات الحزبية والفكرية، كذلك المحاولات المتواصلة لسلخها عن هويتها الدينية.
إظهاراً لأهمية الدور الذي قامت به الصحافة الإسلامية يقول الكاتب الإسلامي محمد علي شاهين: "لقد كانت على مدى القرن الماضي أحد ميادين كفاح أمة تأبى الهوان والنسيان ومنطق الهزيمة والأمر الواقع، سلاحها الكلمة الحرة، والصوت الجريء والرأي السديد، والحوار الهادف". نظراً لهذا الدور يجب أن تكون رسالتها متنوعة تناسب المتلقين بمختلف أعراقهم وألوانهم الفكرية؛ فهي رسالة دعوية قبل أن تكون سياسية أو حزبية، لذلك ينبغي أن يكون القائمون عليها أصحاب علم وإدراك لعمق رسالتهم وأهميتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البيان عدد: 762