الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن

سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن

سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن

اهتم النبي صلى الله عليه وسلم اهتماما خاصاً بجنوب الجزيرة حيث قبائل اليمن، فقد كان حريصاً على تأمين الجبهة الجنوبية للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وظهر أثر هذا الاهتمام والحرص في النتائج الباهرة التي حققتها الدعوة في كثرة عدد الوفود التي كانت تنساب من كل أطراف اليمن متجهة إلى المدينة، مما يدل على أن نشاط المبعوثين إلى اليمن للدعوة كان متصلا وبعيد المدى، وكانت سرايا النبي صلى الله عليه وسلم تساند هذا النشاط الدعوي السلمي، حيث بعث خالد بن الوليد ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في سريتين متتابعتين إلى اليمن.

ففي رمضان من السنة العاشرة من الهجرة النبوية أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى اليمن بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأسلمت على يده همدان (قبيلة معروفة في اليمن) كلها في يوم واحد، فقد روى البيهقي في الدلائل، وابن القيم في زاد المعاد وغيرهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليّ بن أبي طالب وأمره أن يُقْفِل خالداً (يرجعه ويردّه)، وقال: مُرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقّب معك فليعقّب ومن شاء فليقبل. قال البراء: فكنت فيمن عقّب (بقي) مع عليّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعاً، فكتب عليّ إلى رسول الله بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خرَّ ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان). ثم تتابع أهل اليمن علي الإسلام، وقدمت وفودهم إلى المدينة المنورة .

فائدة: سجود الشكر:

السجود لله عز وجل شكراً عبادة مشروعة، وهو من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من المسلمين، ويُشرع سجود الشكر كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة، أو اندفعت عنهم نقمة، أو حصلت للمسلم نعمة خاصة، سواء تسبب في حصولها أو لم يتسبب، وكلما اندفعت عنه نقمة، قال الشوكاني: "فإن قلتَ: نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليهم في كل لحظة؟ قلتُ: المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصولها، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم، مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت".
وكان من عادة الصحابة رضوان الله عليهم أن يسجدوا شكراً لله تعالى كلما تجددت لهم نعمة أو انصرفت عنهم نقمة، وقد تعلموا ذلك من سنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم في زاد المعاد: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر، أو اندفاع نقمة، كما في "المسند" عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره، خرَّ لله ساجداً شكراً لله تعالى، وذكر ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: بُشِّر بحاجة فخر لله ساجداً. وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري أن علياً رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان خرَّ ساجداً ثم رفع رأسه، فقال: (السلام على همدان، السلام على همدان)، وفي "المسند" من حديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد شكراً لما جاءته البشرى من ربه أنه من صلى عليك صليتُ عليه، ومن سلم عليك سلمتُ عليه .. وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه، ذكره البخاري. وذكر سعيد بن منصور أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سجد حين جاءه قتل مسيلمة".
ولا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة، وهذا قول كثير من السلف، ورجحه الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين وغيرهم.

اليمن:

أهلُ اليمن أهل دينٍ وإيمان، فقبل الإسلام كانوا أهل كتاب ـ يهوداً أو نصارى ـ، فلما جاء الإسلام دخلوا في دين الله أفواجا، طواعية دون إكراه أو طمع في دنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتى قوماً من أهل الكتاب، فإذا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ..) رواه البخاري، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لليمن وأهلها كما دعا للشام وأهلها بالبركة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا..) رواه البخاري.
لقد بشَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كثيراً عن انتشار الإسلام وظهور أمره، وبلوغه إلى الآفاق، وهو أمر غيبي لا دخل فيه للتوقع والظن، خاصة أن بعض هذه البشارات قالها في وقت ضعف المسلمين، وعلى عكس ونقيض ما تُوحي به الأحداث، وكان من ضمن بشاراته صلوات الله وسلامه عليه دخول اليمن وأهلها في الإسلام، ففي غزوة الأحزاب والمسلمون في حال شديدة من جوع وبردٍ شديدٍ، وعددٍ قليلٍ وأعداء كُثر، وفي أثناء مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حفر الخندق قال: (بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأُبْصِر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد وحسنه الألباني.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة