"لا يَستطيع أحد أن يُنكر الأثر البالغ لوسائل الإعلام على الفرد والمجتمع، فهناك ما يشبه الإجماع على أن في وسع وسائل الإعلام أن تنهض بالشعوب في مجال التعليم من أدنى الدرجات إلى أرفعها، وأنها - بمداخلتها للحياة في كل بيت وفي كل ساعة - قادرة على أن تُحقِّق أبعاد مجالات التقدُّم والتنامي.
وثمة ـ أيضًا ـ ما يُشبه الإجماع على أن وسائل الإعلام لا تستخدم استخدامًا مفيدًا أو مُنتجًا في الوطن العربي، وأنها إلى المتعة أقرب منها إلى الفائدة، وإلى إضاعة الوقت أقرب منها إلى الاستفادة من الوقت، وأنها إلى العمل السياسي أقرب منها إلى العمل العِلمي الأساسي الدائم.
وفي نطاق اللغة وحدها ثمة كذلك ما يزيد على الإجماع في أن أي تحرُّك لغوي في أي اتجاه يستطيع أن يجد من وسائل الإعلام ركائز نجاحه، ووسائل هذا النجاح، وأن هذه الوسائل ليست جزءًا إضافيًّا على برامج نمو اللغة ونَشرِها، وإنما هي في صلب هذه البرامج، ولا ينقص الوطن العربي استخدام هذه الوسائل، وإنما ينقصه حسن استخدامها".("قضايا اللغة العربية المعاصرة": شكري فيصل وآخرون).
وجوه الاتفاق:
وهذه الوسائل الثلاث: "الصحافة، والإذاعة، والتلفاز" تتَّفق في عدة وجوه أهمها:
1) الغاية والهدف؛ فهي في مجموعها تَحرص على تحقيق الأهداف الآتية:
أ- نقل المعلومات والمعارف والأخبار إلى المتلقِّين (المستقبلين)، وهذا ما يمكن أن نُسمِّيه "الهدف المعرفي" أو "الهدف التثقيفي".
ويَحصل الناس على التثقيف بشكل عفوي غير مقصود، أو بشكل مقصود ضمن إطار من التخطيط والتنسيق المسبق، فالتثقيف العفوي هو ما يحصل نتيجة العرض العشوائي غير المخطَّط له، كالمعلومات والأخبار العامة التي تنقلها وسائل الإعلام، ويتناقلها الناس.
وهناك التثقيف المخطَّط كالبرامج والنشرات المتخصِّصة للطلاب والمزارعين وغيرهم في حقول تخصصاتهم[ "أثر وسائل الإعلام على الطفل" د.عبدالفتاح أبو معال: ص20].
ب- تحقيق هدف تربوي بالتركيز على قيم مُعيَّنة، وتبسيطها، وتأكيدها، والإلحاح عليها، خصوصًا النواحي الدينية والسلوكية والقومية.
جـ- التوجيه المذهبي (الأيديولوجي)، ويأتي هذا الهدف في المرتبة الأولى عند الدول الشيوعية، وكان على قمَّتها الاتحاد السوفييتي "سابقًا"، فوسائل الإعلام - من صحافة وإذاعة وتلفاز - كلها لا تعدو أن تكون أبواقًا للمذهبية الشيوعية، والترويج لسياسة الدولة، وتبرير سلوكياتها، بل أخطائها.
2) تواصُل العمل واستمرارية التأثير:
فالكتاب - مثلاً - قد يكون له دويه وتأثيره في آنه، وقد يكون له تأثيره بعد ذلك لفَترة ما، ثم يَفتر هذا التأثير، ويذوي ويَنقطِع، ويَنساه الناس تمامًا.
وليس كذلك وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة وتلفاز، فاستمرارية الإصدار، واستمرارية الإرسال تعني استمرارية العمل، ومِن ثَم استمرارية التأثير، مع اختلاف قدر التأثير تبعًا للظروف والوقائع، ومدى قابلية المتلقين في حالي الحرب والسلم.
3) المرونة والقدرة على التطور والتفاعل مع التطورات العِلمية والتقنية:
فكل وسائل الإعلام أفادت وما زالت تفيد - إلى أبعد مدى - من التقدم التقني، فإذا ما تركنا الوسيلتين المخترعتين؛ الإذاعة والتلفاز، ولو نظرنا إلى الصحف اليوم، ووازناها بصحف القرن التاسع عشر أو مطالع القرن العشرين: أدركنا الفرق الهائل؛ في الشكل وعدد الصفحات، ونوع الطباعة والألوان، وسرعة الإنجاز، وتعدُّد مواطن الطبع في وقت واحد للصحيفة الواحدة، بل وطبع عددين مختلفين تمامًا للصحيفة الواحدة.
وتطور تقنية المذياع والتلفاز، أوضح من أن نقف عنده، وخصوصًا بعد انتشار البث عن طريق الأقمار الصناعية، وأصبحت محطات البث في الدول أكثر من أن تُحصى، وظهر إلى الوجود وسائل جديدة أفادت منها هذه الوسائل.