الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
منذ عُرض المسلسلان التركيان، ونحن نقرأ تحليلات نفسية واجتماعية وفنية عند بعض الكتاب الذين كانوا كعادتهم يحاولون تبسيط كثير من الأمور وكأننا سنكون سذجاً في قبول تحليلاتهم تلك، وسنقبل المزيد من تلك المسلسلات المدبلجة التركية والمكسيكية وغيرها لأننا افتتنا بآرائهم وكأنها المنطق الصحيح، وبكل صدق لم أقرأ لهؤلاء الكتاب الذين حاولوا وضع عدد من الأسباب يرونها زادت من أعداد المشاهدين للمسلسلين (تعليقاً) عن أن المسلسلين قد أظهرا لنا المرأة كسلعة رخيصة يمكن التلاعب بها، وأن كثيراً من المشاهدين والمواقف التي وضعت فيها كانت تعبر عن صورة من صور الامتهان بها وكأنها فقط مخلوق لإشباع الغرائز ليس أكثر.
ولم يسجل هؤلاء الكتاب ما يمكن أن يحسب لهم فيما كتبوا للتحذير من المشاهد غير الأخلاقية التي حفلت بها مشاهد المسلسلين وقد يراها الصغار، فقد كان المسلسلان يحفلان بمشاهد غير مناسبة واعتبرها هؤلاء الكتاب مشاهد (رومانسية) نفتقدها في حياتنا! هكذا عبروا وكان كل ما وقف عنده أغلب الكتاب هؤلاء من التيار المخالف لرأي الأغلبية من الذين تطرقوا للمسلسلين التركيين أن حللوا أسباب زيادة أعداد المشاهدين، وأن ذلك يعود إلى وسامة أبطال المسلسلين، وإلى ما تعانيه النساء عندنا، وفي الخليج العربي من حرمان عاطفي رومانسي نتيجة لرؤيتهن لمهند ويحيى وما يفعلانه مع حبيبتيهما، وأحد الكتاب في صحيفة الوطن قال: بأن هناك ردات فعل عند المشاهدين أسهمت في شدة انجذابهم للمسلسلين خصوصاً النساء، فكانت مشاهدتهن المستمرة للمسلسلين من منطلق (الانتقام) من أزواجهن لإجبارهم على تعديل سلوكياتهم! يا سلام! للانتقام. وهذا أعجب التحليلات من كاتب يصدر رأيه وبدون دراسة بحثية.
وللحق والحقيقة، لقد أصبحنا بحاجة إلى ((ميثاق أخلاقي للإعلام العربي الفضائي)) ينظم ما يمكن أن يحمي عقول أبناء وبنات الوطن العربي الذي يعاني في أغلب دوله من مشكلات التوظيف والبطالة، وما تواجه أسرهم من مشكلات الغلاء، فلقد طفح الكيل بنا مما تعرضه على شاشاتها كثير من القنوات الفضائية وتحولت إلى قنوات مقلدة تحاكي في معظم برامجها ما تقدمه القنوات الغربية في الشكل والمضمون، بل زدنا عليها.
فلا تظنوا كثرة المشاهدين للمسلسلين بسبب ظهور فتيات جميلات أو رجال وسيمين لأن هذا إن حدث فهو مؤشر خطير على تفشي ظهور ضعف أخلاقي مستنكر، ولا تستغربوا إذا ما وضعت كل فتاة مواصفات زوج المستقبل في صورة (مهند) أو (يحيى)، ولا تتعجبوا إذا ما طلّق أحد الأزواج الشباب زوجته بعد فترة لأنها لا تشبه (لميس)، ولا تتركوا الدهشة تأخذكم بعيداً إذا سمعتم بأن كثيراً من الأسر الخليجية حولت رحلتها السياحية هذا الصيف إلى تركيا بسبب تأثرهم بمشاهد الطبيعة في المسلسلين، وهذا يشير إلى سرعة التأثر برغم أن جمال الطبيعة في كل مكان، ولا تلوموا من سمى ابنته (بلميس)، أو مولوده (بيحيى أو مهند)، أو بدّل أسماء أولاده إلى هذه الأسماء، وهناك إحصاءات كبيرة تصل إلى المئات في كل منطقة.. برغم أن هذه الأسماء عربية، فمهند يطلق على السيف الصقيل نسبة إلى موقع صناعته الهند، ولميس معناه: المرأة ناعمة الملمس.. وقد ورد هذا الاسم في أشعار العرب كما عند عمرو بن معد يكرب عندما قال:
لمــا رأيـت نـســاءنا *** يفحصن بالمعزاء شــدّا
وبدت لـميـس كأنـها *** بدر السمــاء إذا تبــدّى
وبدت محاسنها التي *** تخفي وكان الأمر جدا
وأخشى ما أخشاه أن نكون أصبحنا نقبل أي شيء لذا دعونا نعترف لنقول إن سرعة التأثر والتحويل تجعلنا أمام أزمات أخلاقية، وكأنها تنبئ بأننا أمام انقلاب للمعايير الأخلاقية مما يجعلنا ننظر إلى مؤسسات التربية الأسرة، المدرسة، الإعلام، والمجتمع بكامل مؤسساته التربوية ثم نسأل هل فشلت في وظائفها؟ وإذا فشلت فما الحل حتى نتجنب الآثار المدمرة على الأخلاق التي قد تكون تلك المسلسلات تركتها على فكر الناس وسطحية تناول كثير من الأمور وتقليد الأخلاق المستوردة وكأنها جزء من ضريبة عولمة الأخلاق من ضمن ما يتم عولمته الآن من فكر وثقافة وعادات، ولكن لم يصعب أن تسدد هذه الضريبة من خزينة الأخلاقيات وهي فاتورة مكلفة وعلى المدى البعيد وأجدني استحضر قول الشاعر الكبير أحمد شوقي:
وإذا ما أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتماً وعويلا
كم يجدر بمؤسسات التربية أن تعيد الدماء إلى شرايينها لتوقف مهزلة ضياع الأخلاق وإعادة الضبط إلى تعاملات الناس بعضهم مع بعض وذلك بإقامة سياج أخلاقي تكون مهمته حماية القيم وحفظ الأخلاق المستمدة من تعاليم الإسلام، ومن الخطأ أن نبحث عن مكان آخر لنستورد فنون (الإيتكيت) والحب والرومانسية، ونحن أصحابها ولنا من شواهد التاريخ من الأخلاقيات ما يمكن لنا أن نغرق به العالم.
ولكن مع الأسف أن نرى بعض شبابنا وبناتنا تحولوا إلى نسخ مكربنة لبعض الفنانين والفنانات حتى أصبح من السهل أن يلجأ بعضهم إلى عيادات التجميل ليطلب شكلاً من الأنوف والشفاه ليغير خلق الله، دونما حاجة إلى هذا الشيء، مع حرمته شرعاً ما لم يكن هناك حاجة.
نأمل من الكتاب ألا يحاولوا تبسيط الآثار السلبية للمسلسلات المدبلجة أياً كانت من خلال إظهار أن هناك إيجابيات خصوصاً بعد تدخل السلطة الدينية وخروج بيان هيئة كبار العلماء وبيان ما في عرض تلك المسلسلات من محظورات شرعية وأن يحاولوا حماية عقول أبناء وبنات الوطن من الهجمة الشرسة على العقول والأخلاق، فليس في مصلحة الوطن ظهور شباب وفتيات لا ينتمون إلى الوطن إلا بالاسم بعد أن (تغربوا) في أشكالهم وملابسهم وجميعنا بدأنا نشهد ظواهر لا أخلاقية وتعد سلبية مثل اصطحاب الكلاب ولبس السلاسل للشباب والقلائد وتطويل الشعور وارتداء البناطيل غير الساترة.
المسلسلات أخطر ما فيها أنها تشكل أنماطاً من السلوك لا تصلح لمجتمعنا المحافظ المسلم، ومن الخطأ أن نرى ذلك الانفلات الأخلاقي عن القيم وثوابت المجتمع ثم لا نعلم شيئاً، وبعد أن يقع الفأس في الرأس نبدأ نتنادى ثم نسأل أبناء وبنات الوطن: إلى أين أنتم ذاهبون بنا؟
وعندها يصدق فينا قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ** إياك إياك أن تبتلَ بالماءِ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع "مداد"