أصدرت محكمة جنايات المنيا صباح الاثنين الموافق 24 مارس حكمًا بإحالة أوراق 529 متهمًا إلى مفتي الجمهورية، بتهمة التورط في أحداث شغب وعنف، وقعت في مركز مطاي بمحافظة المنيا بالتزامن مع فض اعتصامي رابعة والنهضة، والتي كانت أسفرت عن مقتل ضابط شرطة. وقضت المحكمة ببراءة 17 آخرين في القضية، المتهم فيها 545 شخصا، وصدر الحكم حضوريا على 147 من مؤيدي الجماعة، وصدر غيابيا على الباقين.
وكانت أولى جلسات هذه القضية بدأت في 22 مارس، حيث حدد القاضي جلسة 24 مارس للنطق بالحكم، وواجه المتهمون في هذه القضية اتهامات بالقتل والشروع في القتل، واستخدام القوة والعنف مع موظفين عموميين، إلى جانب تخريب منشآت الدولة وحيازة أسلحة دون ترخيص، والقيام بأعمال عنف أدت إلى مقتل ضابط شرطة.
هذا الحكم الصادم بهذه السرعة الجنونية، مع هذا العدد الذي لم يسبق له وجود في تاريخ قضاء العالم، حتى ربما أيام الحكم النازي في ألمانيا، مع كل الخروقات القضائية التي حدثت.. جعلت صحف العالم تتناول الحدث بكثير من التهكم والسخرية واصفة الحكم بأنه مهزلة، ومتهمة القضاء المصري بأنه أصبح مسيسا للنخاع. أو كما وصفه الكاتب والمحلل السياسي مجدي عبد الهادي، في مقال لصحيفة بريطانية بأنه إجراء بمثابة «تدمير للذات» وتبديد للثقة في القضاء المصري ونزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة.
قمع سياسي وتكميم أفواه:
صحيفة "الجارديان" البريطانية كتبت في تقرير لها في اليوم التالي للحكم تقول: "إن أجزاء من السلطة القضائية في مصر باتت "مجندة" بالكامل في حملة "القمع السياسي"، التي تقودها السلطة الحاكمة في البلاد. وأضافت: "إن بعض القضاة في مصر أحسوا بتهديد من قبل حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي، ومن ثم تجمعوا حول المؤسسة القديمة المتمثلة في "الدولة العميقة" من البيروقراطيين، الذين شكلهم "المستبد المخلوع" حسني مبارك.
وتابعت الصحيفة: "القاضي الذي أصدر الحكم بإعدام 529 متهما من أنصار مرسي لقتلهم شرطيا واحدا في محاكمة جماعية استغرقت أقل من يومين للنطق بالحكم، ربما يكون قد أصدر الحكم لمساعدة السلطة الحاكمة في مصر في تكميم أفواه المعارضة، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه واهم، لأن حكمه الوحشي هذا سيساعد فقط في دفع البلاد نحو أزمة أعمق".
أمر لا يقبله عقل
صحيفة النيويورك تايمز وفي مقال لهيئة تحريرها كتبت حول الحكم تقول: "إن عقوبة الإعدام التي قررتها محكمة مصرية أمس، على ما يزيد عن 500 من الإسلاميين، تمثل "تصعيدا لحملة قمع الجيش لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من أنصار مرسي، ومن شبه المؤكد أن يزيد من عدم الاستقرار في أكثر البلدان العربية أهمية".
وأضافت الصحيفة: أن "هذا الإجراء لا يمكن أن ينظر إليه إلا على أنه محاكمة صورية ذات نتيجة سياسية مقررة سلفا، وتهدف بوضوح لترهيب أي شخص يجرؤ على تحدي الجيش أو يظهر تعاطفه مع الإخوان و مرسي، الذي انتخب رئيسا في عام 2012 في انتخابات ديمقراطية ثم أطيح به في انقلاب عسكري في الصيف الماضي".
وقالت الصحيفة في مقالها المنشور عبر موقعها الإلكتروني: "إن الحكم طبقا لخبراء قانونيين كان أكبر حكم جماعي بالإعدام في تاريخ مصر الحديث، وإنه أعقب محاكمة استمرت أقل من يومين وهي مدة لا تكفي لنظر قضية ضد شخص واحد وليس 529 متهما. وترى الصحيفة أن "الحكم على مثل هذا العدد من الناس في مقتل شخص واحد أمر لا يقبله العقل، وأن تبرئة 16 من المتهمين لا تضفي شرعية على المحاكمة. وتضيف: إن القضية تعري نظاما متحيزا أسرع بمعاقبة أنصار مرسي بينما أهمل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل الحكومة المؤيدة من الجيش".
وتضيف أنه "حتى لو ألغي الحكم في الاستئناف كما يتوقع محامون، تظل المحاكمة غير قانونية وتمكن مساعي الحكومة الجلية لسحق جماعة الإخوان...
واختتمت الصحيفة بالقول: «الحكومات من واجبها بالطبع حماية مواطنيها، وتقديم المجرمين للعدالة، ولكن هذا الحكم هو ثأر ولا يمكن وصفه بأنه حكم عادل».
قضاء فاسد وممارسات مخجلة
عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة "رأي اليوم" الإلكترونية كتب يقول:
أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة جنايات المنيا في حق 528 متهما من أنصار الرئيس محمد مرسي جاءت بمثابة رصاصة رحمة للثورة المصرية، وكل الآمال المعقودة عليها بالحريات والعدالة والقضاء العادل المستقل... وإذا أخذنا هذه الأحكام كمعيار لأحكام قادمة، فإن هناك أكثر من 16ألف معتقل في السجون المصرية بينهم الرئيس مرسي نفسه وقادة الصفين الأول والثاني في حركة الإخوان المسلمين، وهؤلاء فرادى كانوا أو مجتمعين قد يواجهون الحكم نفسه.
وقال: إصدار القاضي هذه الأحكام الجائرة في غضون يومين من بدء المحاكمة وبطريقة تتواضع أمامها المحاكم العسكرية، ويحيل الأوراق الى المفتي للتصديق عليه، فإن هذا يعني أن هناك نوايا جدية لتنفيذ حكم الإعدام شنقا بهؤلاء أو معظمهم. مثل هذه الممارسات المخجلة، وما تعكسه من نوايا مبيته بالانتقام، تشكل استفزازا لشريحة عريضة من الشعب المصري، وتدفعها دفعا للاحتكام الى السلاح للرد على المظالم التي تتعرض لها، وهو أمر لا نتمناه لمصر وشعبها.
وقال عطوان: "إنه قضاء فاسد، وأحكامه مهزلة، ومعظم قضاته بلا ضمير، ولا يعرفون معنى العدالة، وهؤلاء يسيئون لمصر، ويعملون على تكريس الظلم فيها، وجرها الى الصدامات الدموية التي قد تحصد ارواح الابرياء في المستقبل، لإشفاء غليل بعض من تسيطر عليه نزعات الحقد والضغائن.
اكرهوا “الإخوان المسلمين” مثلما شئتم، ولكن لا تكرهوا مصر، ولا تدمروا صورتها ومؤسساتها وثورتها، وتفتحوا أبوابها للفتن وأصحاب الفتن الذين لا يريدون الخير لها وشعبها الطيب المسحوق.
تداعيات خطيرة
قال حقوقيون أمريكيون، التقتهم وكالة أنباء الأناضول في نيويورك، إن إصدار تلك الأحكام يكشف بوضوح التداعيات الخطيرة لتسييس الأحكام القضائية على أوضاع حقوق الإنسان، وعلى ضمانات تعزيز إجراءات التقاضي والعدالة لجميع المواطنين بلا استثناء، حسب وصفهم.
وقال ريتشارد ديتير – أحد الأعضاء البارزين بالمحكمة الأمريكية العليا–: إنه “من الواضح أن الحكم الصادر جاء متأثرا بالمناخ السياسي الحالي في مصر بينما تقتضي العدالة أن يتمتع كل متهم بإجراءات تقاضي منفردة وبمحامي خاص يتابع قضيته بشكل منفرد، في حين ظهر وأنه يحاكم جماعة ذات توجه سياسي، وليس أشخاص من لحم ودم" علي حد وصفه.
عام على الأقل:
وحول سرعة إجراءات التقاضي في هذه المحاكمة، قال ريتشارد: "إن القاضي في الولايات المتحدة الأمريكية يحتاج الي عام على الأقل قبل أن يصدر حكما بالإعدام علي المتهم، وفي بعض الحالات تصل المدة الي أكثر من 15عاما، حتي تتجمع لدى القاضي جميع الأدلة والقرائن، ويصبح علي يقين لا يقطعه شك من عدالة حكمه".
ولفت الانتباه الي أن العام الماضي شهدت الولايات المتحدة الأمريكية نحو 80 حالة إعدام، من بينها 39 حالة إعدام، امتدت أوراق قضاياها إلى أكثر من 10 سنوات سابقة.
مهزلة وصدمة
أما مدير منظمة "هيومان رايتس ووتش" لدى الأمم المتحدة "فيليب بولبيون" فقد وصف الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات المنيا بـ”المهزلة”، واعتبره “دليلا صارخا علي أوجه القصور في النظام القضائي المصري، ويبين حجم الانتهاكات التي يتعرض لها منتقدو النظام الحالي في مصر”.
وأردف: "لقد أصابنا هذا الحكم بالدهشة والصدمة معا ،لأننا لم نسمع لو مرة واحد فقط عن إخضاع المسؤولين الأمنيين للمحاسبة، مع ثبوت تورطهم في تنفيذ هجمات أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص منذ 3 يوليو/تموز 2013.”
الأحزاب المصرية
وأما في مصر فقد أثار الحكم ردود فعل متباينة بين عدد من قيادات الأحزاب والقوى السياسية، ففي الوقت الذي اعتبره البعض «صادما ويوفر مادة تحريضية على العنف»، رفض آخرون التعليق على الحكم.
الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، أصدر بياناً قال فيه: «من ثوابت الوفد عدم التعليق على أي أحكام قضائية، ونعلم يقينا أن القضاء المصري مستقل لا تملى عليه أحكام من أي جهة كانت".
أما حزب الدستور فيرى أن «صدور الحكم بمثل هذه الصورة من شأنه توفير مادة دعائية وتحريضية للجماعات الرافضة للموجة الثورية التي شهدتها مصر 30 يونيو الماضي، وأنه سيتم استغلال الحكم للترويج لمزاعم بشأن تسييس القضاء».
واستقبل حزب مصر القوية، الذي يترأسه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، المرشح الرئاسي السابق، الحكم بـ«الدهشة والاستغراب»، مؤكدًا أن الحكم «صدر دون سماع شهود نفي، ودون فض الأحراز، ودون مرافعة للمحامين، بل دون حضور لمحامى المتهمين أنفسهم».
وقال الحزب، في بيان أصدره، الأربعاء، إن «هذا الحكم هو الأقسى من نوعه في تاريخ مصر، بعد سلسلة طويلة من أحكام البراءة التي صدرت من محاكم الجنايات المصرية بحق ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير، بحجة عدم كفاية الأدلة، وبعد صدور حكم بسجن ضابط واحد وبراءة 3 آخرين ساهموا بدم بارد في قتل 37 سجينا خنقا في عربة ترحيلات سجن أبو زعبل!! كيف يتقبل أي إنسان هذا الحكم بالغ السرعة المخالف لكل قواعد القانون حتى الشكلية منها، في مقابل أحكام البراءة السابقة؟!!».
وقد استطلعت الصحف المصرية آراء عدد من الحقوقيين حول قرار إعدام الـ 528 شخصا، حيث قال محمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي: "إن الحكم قياسي من حيث عدد الحالات التي تم الحكم عليها بالإعدام، ليس فقط في تاريخ القضاء المصري فحسب، بل في تاريخ القضاء الدولي كله".
وقال عبد الله خليل المحامي والناشط الحقوقي: "إن الحكم الأخير غير منطقي، ويثير علامات تعجب عديدة، ويعد قاسيا للغاية".