لا شك أن تناول الوجبات السريعة من الأمور التي استحدثت في النظام الغذائي العربي، وذلك ضمن حمى العولمة التي أصابت العالم.
وعلى الرغم من أن الثقافة الأمريكية تدعي أنها ثقافة الجسد الوظيفي الذي يتسم بالنحافة والرشاقة والقوة بسبب ركام المكملات الغذائية الدوائية التي أفرطت الحضارة الأمريكية في إنتاجها...
بالرغم من هذا، فإن هذه الوجبات تحوي معدلات عالية من السعرات الحرارية وخاوية من العناصر المغذية، وتنطوي على الكثير من الأضرار الصحية بالغة الخطورة، مما جعلها تلعب دورا أساسيا في أمراض هذا العصر، كما أنها سبب جوهري في فتور العلاقات الاجتماعية والتباعد الأسرى بعد أن كان الطعام هو الذي يجمع أفراد كل الأسرة ثلاثة مرات يوميا على الأقل.
مشاكل صحية
إن تناول الأطفال لهذا النوع من الوجبات بما تحتويه من كميات كبيرة من الدهون ومكسبات الطعم، تؤثر على كيمياء المخ، وتسلبهم الإرادة في التوقف عن تناول هذه الوجبات مثلما يحدث مع المدخنين، كما أظهرت الأبحاث أن كثرة تناول الوجبات السريعة تعمل على تنشيط الجين الخاص بالسمنة بصورة مرضية.
وقد تنبهت إلى هذا الخطر أكثر من 20 ولاية أمريكية، ومنعت طلاب المدارس من تناول هذه الوجبات لوجود علاقة بينها وبين الإصابة بالأنيميا وفقر الدم وارتفاع نسبة الكولسترول، بجانب وجود علاقة بين المشروبات المرفقة مع هذه الوجبات التي تحتوى على الصودا وبين الإصابة بهشاشة العظام وعسر الهضم.
علاقتها بالسمنة
لا شك أن السمنة تعتبر من أخطر الأمراض التي تهدد صحة الإنسان، وهى تعتبر أول الأعراض الناتجة عن تناول مثل هذه الوجبات السريعة، خاصة عند الأطفال، فقد ذكرت دراسة حديثة أجراها العلماء البريطانيون أن الأطفال في بريطانيا أكثر عرضه للأمراض الخطيرة الناتجة من تناول الوجبات السريعة، وأوضحت الدراسة أن10% من الأطفال مصابون بالسمنة، بينما يعانى 20 % من الوزن الزائد، مع زيادة حالات الوفيات بين الأطفال.
وتقول (جين واردل) أستاذة علم النفس الإكلينيكي بجامعة لندن: منذ 30 عاما فقط كانت البدانة شيئا نادرا بين الأطفال، لم نكن نسمع عن البدانة المفرطة والزائدة .. إنني اعتقد بوجود شيء ما غريب لدي هؤلاء الأطفال، واعتقد أنهم يعانون من حساسية في علاقتهم بالأطعمة أو أجهزة تخزين الدهون.
وتضيف (جين) قائلة: إن الناس يعرفون أن البدانة مرتبطة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، لكنه خلال الآونة الأخيرة تكشفت لدينا نتائج مذهلة تربط بين السمنة والإصابة بالسرطان.
مزيد من الأخطار
أظهرت دراسة أمريكية أن تناول الوجبات السريعة يزيد درجة قصر النظر بالمقارنة بتناول الوجبات الغذائية الغنية بالبروتين، وقد أكد الباحثون أن زيادة استهلاك الأطعمة النشوية في مراحل الطفولة والشباب قد يكون وراء زيادة معدلات الإصابة بقصر النظر.
وقد ثبت من خلال البحث الذي قاده البروفيسور (أنتوني سبتون) – الأستاذ بقسم طب البيئة والمجتمع بجامعة «أباردين»- زيادة نسبة التعرض لأزمات الربو الشعبي في الأطفال الذين يتناولون الأطعمة والوجبات السريعة، ويخلو طعامهم من مضادات الأكسدة – التي توجد في الألبان والخضراوات - والأطعمة التي تحتوي على فيتامين «هـ» والكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم والفوسفات، وقد تسبب ذلك في زيادة نسبة الإصابة بالربو ثلاثة أضعاف عن الأطفال الذين يعيشون في بيئة الريف ويتناولون الخضراوات والألبان.
وأوضحت باحثة أمريكية أن تناول السكريات والأطعمة السريعة والدهون بكثرة يغير سلوك الأطفال ، وأن الوجبات السريعة تدفع إلى خمول العقل وكسله وإلى ترهل الجسم!
كما ذكرت مجلة «نيو ساينتيست» (new scientist) مؤخرًا أن ما يحصل عليه الجسم من الدهون الموجودة بكثرة في الساندويتشات السريعة ووجبات الشوارع يسبب أضرارًا بالغة بالمخ، ويؤذي قدرة الذاكرة؛ لأن هذا الغذاء يمنع وصول الجلوكوز إلى المخ بكمية كافية.
ويكمن الحل الجذري لمشكلة بدانة الأطفال في رأي هؤلاء الخبراء فيما يصفونه بتعديل وتغيير البيئة التي نعيش فيها، أو إعادة عقارب الساعة إلي الوراء لعشرات السنين فيما يتعلق بالغذاء، فاليوم يتم أعداد أغذية غنية بالطاقة والدهون للأطفال..والبدانة تحدث عند الأطفال بسبب هذه الدهون لأنهم يكتسبون طاقة أكثر مما يفقدون.
مضار اجتماعية
هذا فضلا على أن ظاهرة الوجبات السريعة تمثل أحد مظاهر التغريب التي غزت أمتنا، والتي أفقدتنا حس التماسك الاجتماعي، والدفء الأسري.
فلقد نشأت ثقافة الـ «تيك أوي» هذه لتلبي حاجة اجتماعية طارئة على المجتمع الغربي، الذي تهيمن فيه المادة لدرجة أن من لا يلتزم فيه بمواعيد الطعام يمكن أن تضيع عليه أجرة عمله في ذلك اليوم، بل ومن لا يلتزم بالمواعيد عمومًا فإن هذا يؤدي إلى تعقيد حياته وإصابتها بالركود والشلل.
ولا شك في أن هذا النظام والالتزام في المواعيد من الآداب الحميدة التي حث عليها الإسلام، وأمرنا بها باعتبارها ضمن الوفاء بالعهود. لكن إن كنا نحن المسلمين ننظر إليها هكذا، فإن المجتمعات الغربية لم تعتبرها أدبًا في الحياة، بل عبئًا أخلاقيًا، وأسهمت ضغوط الحياة المادية في الغرب في إنتاج ثقافة الـ «تيك أوي» لتساعد الناس على انتهاز الوقت واستغلاله.
وبدلاً من قيام الرجل بتناول الإفطار والغداء والعشاء في بيته، وسط أهله، بين أمه وأبيه، أو مع زوجه، أو وسط بنيه، صار يتناول أي طعام يحصل عليه من الطريق أو من جانب عمله أو من أي مكان.
إن ثقافة الـ «تيك أوي» هذه قد أدت إلى تقليص الفترة التي يجلس فيها الآباء مع الأبناء...لقد كان الأب قديمًا يتناول فطوره بالمنزل مع أهل بيته, وكان البيت يرسل لمن في الخارج طعامه، وكان الأب في منتصف النهار يقيل في بيته متبعًا إياه بتناول وجبة الغداء مع أهله، ثم تكون وجبة المساء التي تكاد تجمع الجميع في دفء عائلي نفتقده هذه الأيام.
وخلال هذه الجلسات كان الأهل يتواصلون، فينقلون القيم الاجتماعية التي يريد المجتمع الحفاظ عليها بين بعضهم بعضًا، فيستمع الأب أو الأم إلى مشكلات الأبناء ويوجهونها، ثم يسمعون الاعتراضات ويردون عليها، ثم يعرفون موطن الخلل الذي لم تعالجه الجلسة فيسعون إلى زيادة مساحة الوقت المخصص لعلاجها.
أما اليوم، فالسهر الطويل أمام أجهزة التلفزة يعقبه نوم حتى الظهيرة، يعقبه صحو متعجل، بغرض الذهاب إلى مكان العمل، والفطور يكون «تيك أوي»، ويكون المحظوظ من عملت له أمه هذا الـ «تيك أويي» فلا يزال محملاً بمحبتها وحنانها، وبراعتها في صناعة الغذاء المفيد أولاً واللذيذ ثانيًا.
بينما يكون الأب قد ذهب إلى العمل، وربما قام متأخرًا فذهب إلى العمل رافضًا أن يحمل طعامه في يده، معتمدًا على أن السوق فيه «تيك أوي».
وتتناول الأم إفطارها وحيدة شاعرة بالعزلة، هذا إذا كنت ربة منزل.
وفي وقت الغداء الأب قد يأتي مبكرًا لتناول الغداء أو لا يأتي لانشغاله، والابن يكون مع الرفاق أو في المدرسة يلهو أو في النادي، أو يحضر إلى البيت من دون التزام بموعد يجمع الأسرة كلها معًا.
وفي المساء تجد الأولاد خارج البيت يتناولون طعام الـ «تيك أوي»، بينما الأم والأب في المنزل وحدهما، إن جمعهما عشاء.
وهكذا ضاعت من بيوتنا قيمة غالية حيث انفرط عقد جلسة تجمع الأسرة ثلاث مرات يوميًا.. تلك هي عواقب ثقافة الـ «تيك أوي» التي تقودنا إلى ضرر بدني واجتماعي، لا يعلم مداه إلا الله تعالى وحده.