قضية البنت المراهقة في مجتمعنا اليوم، الذي يواجه هجمة قوية من المتغيرات الاجتماعية بسبب الانفتاح الثقافي والتطور الهائل في وسائل التقنية.
وتعد هذه القضية أشد حساسية من قضية المراهق الذكر خاصة وأن هناك دراسات توصلت إلى وجود فجوة في علاقة البنت المراهقة بأمها، وأن أساليب التنشئة الاجتماعية المطبقة داخل بيوتنا تعتمد على التسلط والتوجيه دون وجود حوار حقيقي داخل المنزل، وأن الاهتمام بالأبناء الذكور أكثر من الإناث؛ مما ينعكس بدوره على التنشئة السوية للأبناء من الذكور والإناث.. لذلك نجد الفتاة المراهقة تلجأ لأشخاص من خارج الأسرة لطلب المعلومة أو النصح أو الإرشاد، ولا يخفى ما في هذا من الخطر الشديد.
والملاحظة التي لا تخفى أن كثيرا من الاتصالات التي تتلقاها القنوات الفضائية تأتي من الإناث لطلب النصح والتوجيه، والقريب من مؤسسات التوجيه والإرشاد الأسري يلحظ أيضا أن كثيرا من طالبات الاستشارة أو الإرشاد هن من الإناث أيضا وصغيرات السن..
بل قد تلجأ البنت في بعض البيوت والبلدان إلى الخادمة في المنزل!! ولنا أن نتخيل ما المعلومة التي ستعطيها الخادمة للبنت المراهقة ـ خاصة في الأمور المتعلقة بالتغير البيولوجي الذي ستواجهه فجأة؟!!
هذه الفجوة التي أنشأها طرفا العلاقة أو البيئة الأسرية التي تعيشها البنت.
هناك في بعض البيوت حساسية شديدة جدا في أكثر الأحيان في علاقة البنت بأمها ويجب على الأمهات الانتباه لذلك وإدراكه والعمل على مد جسور العلاقة الإيجابية مع بناتهن لضمان لجوء البنات لهن عند طلب الإرشاد والنصح. كما أن في إهمال المراهقة آثارا وخيمة على شخصية الفتاة المراهقة من حيث تشكل مكونات الشخصية الأساسية؛ لذلك يجب أن تكون المتابعة قريبة ومرنة دون أن تعني التلصص أو إعطاء الحرية الكاملة.. بل يجب أن يكون التوسط والديمقراطية في الحوار والحرية المقيدة هما الأسلوب الأمثل في التعامل مع حالات المراهقة.
ولابد من التنبيه على ضرورة وجود الأب في العملية التربوية فأن مشاركة الأب بمنطقه وتعلق البنت به من الأمور المستحبة؛ فكلنا يعرف حب البنت لوالدها وتعلقها به. ويزداد هذا التعلق في سن المراهقة.. لذلك من المهم قرب الأب من ابنته للإسهام مع أمها في تخطي ابنتهما لهذه المرحلة.
وفي تصوري فإن هناك ضرورة لإيجاد برامج للتوعية والتوجيه والاستشارة النيرة التي تنفع الأسر، كما وأني أنصح بتنظيم الدورات التأهيلية حول إدارة الحياة الأسرية ومهارات التعامل مع الأبناء والبنات خصوصا في مثل هذا السن وتلك المرحلة الهامة في حياة الأسرة جميعها.
ومن المؤسف أن الواقع لدينا لم يصل للمستوى الذي يكون فيه تواصل بين الأسرة وبين مراكز التوجيه والإرشاد الأسري المتخصصة.. فكثير من قضايا الأسرة ومشكلاتها يمكن حلها بتوجيه بسيط من قبل مختص يجيد فنون التعامل مع مثل تلك المشكلات.
لقد أصبح وجود مراهقة في المنزل واحدة من أكثر المشكلات تعقيدا عند بعض الناس لأنه لم يتوفر لدى الأسرة مهارة التعامل مع من يدخل هذه المرحلة من بناتها؛ لذلك أرى أن موضوع التعامل مع المراهقة من منظور أنها مرحلة متغيرة يجب ألا تكتفي فيه الأم والأب بعرض تجربتهما الشخصية في هذه المرحلة لنقلها لبناتهما. فالظروف والأوضاع قد تغيرت كثيرا، ولذا فإن التزود بالمعلومة مهم جدا والتعامل مع جهات ذات اختصاص وخبرة بات أمرا ضروريا..
كما أن قضية التعامل مع المراهقة تحتاج مساندة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية وبالأخص مؤسسات الأسرة والمدرسة، ويجب أن يكون هناك تلاق في التوجيهات والوصايا المطلوب إرسالها للفتاة في هذه المرحلة؛ حتى لا تحدث الهوة بين المؤسستين وتبقى الفتاة هي الضحية لهذا الاضطراب والاختلاف في الرسائل الموجهة لها، بل على العكس يجب أن يكون هناك تساند معرفي وإرشادي بين المؤسسات التربوية المختلفة لضمان حسن التوجيه..
كان من المفترض أن تضطلع وسائل الإعلام والاتصال بدورها وأن تتحمل مسؤوليات كبرى في التعبئة والتوجيه المجتمعي لما فيه صلاح الأسرة.. ولكن للأسف فالواقع يقول غير ذلك تماما.. والقارئ والمتابع يدرك جيدا الدور السلبي الذي تقوم به بعض ـ أو أكثر ـ وسائل الإعلام في النخر في جسد الحياة الاجتماعية وإشغال الناس بالكثير مما تخشى عاقبته وبما يعود بالسلب على العملية التربوية والتنشئة على شبابنا وبناتنا. فالله تعالى المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.عبدالعزيز الغريب (الأسرة:154)