القرآن الكريم كتاب الإنسانية الخالد، اختاره سبحانه ليكون آخر الكتب السماوية، والمهيمن عليها، فيه هدى للناس، تكفل سبحانه بحفظه من التبديل والتغيير. وهيأ له من العلماء العاملين والمخلصين الذين يبينون حقيقته، ويدفعون الشبه عنه، ويكرسون حياتهم خدمة لهذا الكتاب.
ويأتي كتاب (دراسات حول القرآن الكريم)، لمؤلفه الدكتور إسماعيل أحمد الطحان ضمن الجهود المبذولة لخدمة هذا الكتاب. وفي هذه الصفحات نحاول أن نتعرف عن وجهة هذا الكتاب ومضمونه.
هدف الكتاب ومنهجه
بيَّن المؤلف في فاتحة كتابه أن كتاب الزركشي (البرهان في علوم القرآن)، كان أسبق ما كُتب حول علوم القرآن، وهو كتاب شامل لموضوعه. كما أن كتاب (الإتقان في علوم القرآن) للإمام السيوطي يأتي في الأهمية نفسها التي يحتلها كتاب الزركشي.
بيد أن المؤلف يأخذ على هذين الكتابين -على أهميتهما- ذكرهما لمرويات ليست صحيحة، مع إغفال التنبيه عليها، ومن ثم متابعة كثير ممن نقلوا عنهما فيما بعد، مما أشاع حول حول القرآن جملة من الشبهات، أثارها المستشرقون، والدارسون غير المنصفين.
وتجاوزاً لهذا المأخذ، فقد وضع المؤلف دراسته هذه؛ لتكون زاداً أمام طالبي الثقافة الإسلامية، يتضمن من الرواية أوثقها، ومن الآراء أعدلها، ومن الأسلوب أوجزه، نَأْيَاً بالقارئ عن الخوض في مسالك تصده عن متابعة طريق المعرفة الصحيحة، واستشرافاً لآفاق من المعرفة، تشوقه إلى الاستزادة منها، وتسلحه بمنهج النقد والتمحيص والتصويب.
مضمون الكتاب
اشتمل الكتاب -بالإضافة إلى المقدمة- على أربعة فصول، جاءت مضامينها وَفْق التالي:
الفصل الأول جاء تحت عنوان (القرآن الكريم، تعريف، وتاريخ). وقد بحث المؤلف تحت هذا الفصل موضوعات أربعة:
الموضوع الأول (القرآن الكريم)، بيَّن المؤلف تحت هذا العنوان أمرين رئيسين: الأول: تعريف القرآن الكريم. وقد قرر المؤلف هنا أن لفظ (القرآن) عَلَمٌ اختاره الله تعالى لوحيه المنزل على محمد صلى الله عليه سلم، للهداية والإعجاز. وذكر أسماء الوحي، وبين أن (الوحي) بأي اسم أسميناه، فسيظل اسم (القرآن) أشهر أسمائه دلالة عليه. وتعرض للفرق بين القرآن والحديث، وبين الحديث القدسي والحديث النبوي.
الموضوع الثاني الذي بحثه المؤلف في هذا الفصل، جاء تحت عنوان (مصدر القرآن إلهي لا بشري). وقد درس المؤلف تحت هذا العنوان جدل الكفار حول مصدر القرآن الكريم، وأتى بالعديد من الشواهد القرآنية التي تدل على أن القرآن كلام رب العالمين. كما بيَّن طبيعة الوحي وكيفياته وصوره، وخَلَص المؤلف هنا إلى أن من يتلو آيات الوحي الكريم المصدرة بقوله تعالى {قل}، يدرك أن محمداً لا دخل له في الوحي، فلا يصوغه بلفظه، ولا يلقيه بكلامه، وإنما يُلقى إليه الخطاب إلقاء، فهو مخَاطَب لا متكلم، حاك ما يسمعه، لا مُعَبِّر عن شيء يجول في نفسه، وأنه لا مناص في منطق العقل عن البحث خارج ذات محمد عن مصدر لهذا الوحي.
الموضوع الثالث جاء تحت عنوان (تنزلات القرآن: كيفيتها، وحكمتها)، وقد بين المؤلف هنا معنى (النزول) لغة، وكيف أخذ جبريل الوحي، وعمن أخذ الوحي، ومدة التنزيل، والمقصود بـ (تنجيم القرآن)، وحكمة التنجيم. وأوضح أن الحكمة من التنجيم التثبيت، وتيسر الحفظ، والتفاعل مع الأحداث، والتدرج في التربية، والتدرج في التشريع.
أما الموضوع الرابع فكان تحت عنوان (ثبوت القرآن وتواتره لفظاً ومعنى). ذكر المؤلف في فاتحة حديثه عن هذا الموضوع، أن المقصود من تنزيل القرآن على الرسول هو إبلاغه للناس أجمعين، وأن هذا المقصود يستدعي أن يكون هذا القرآن محفوظاً من التبديل التغيير. كما بحث المؤلف تحت هذا الموضوع النص القرآني في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث كتابة الوحي وأشهر كُتَّابه، وعدد الحفَّاظ من الصحابة، وما تركه الصحابة من مخطوطات قرآنية. كما بحث أيضاً النص القرآني في عصر الصحابة رضي الله عنهم، ذاكراً الأسباب التي دعت لجمع القرآن، وتوقف عند الحديث عن منهج جمع القرآن.
وقارن المؤلف في هذا الفصل بين القرآن والكتب السابقة (العهدين القديم والحديث)، وعرف بالأناجيل الأربعة التي يتعبد بها النصارى. وقرر بهذا الخصوص أن سند هذه الأناجيل، ليس بأقوى من أضعف الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم جاءت مليئة بالتناقضات، والتعارضات والاختلافات فيما بينها؛ ما يفيد أنها ليست من عند الله، ولا صلة لها بالوحي الإلهي على الإطلاق، وشتان ما بينها وبين القرآن.
الفصل الثاني جاء تحت عنوان (إعجاز القرآن، وجوه، وآراء). بحث المؤلف في هذا الفصل الموضوعات التالية: معجزات الأنبياء، معجزة القرآن، وجوه الإعجاز، كُتب الإعجاز، شهادة العرب بالإعجاز، افتراءات المستشرقين، بيان آراء المتقدمين في حقيقة الإعجاز. ومن ثم ناقش مذهب القائلين بالإعجاز بالصرفة، (بمعنى أنه سبحانه صرف العرب عن الإتيان بمثل القرآن).
ومن جملة ما قرره المؤلف هنا، أن عَجْز العرب عن الإتيان بمثل القرآن راجع أساساً إلى نظم القرآن وبلاغته وشرف معناه ودقته، وأن ما أضيف إلى إعجازه البلاغي من وجوه أُخر، كالإعجاز الغيبي، والعلمي، والتشريعي، فإنما كان ذلك عندما اكتمل عقد القرآن، ونظر الباحثون إليه جملة.
أما الفصل الثالث فكان تحت عنوان (ترجمة القرآن، أنواع، وأحكام)، بدأ المؤلف حديثه في هذا الفصل بلمحة تاريخية، وضح من خلالها بدايات الترجمة القرآنية، ثم بين مفهوم الترجمة وأنواعها وأحكامها. وذكر أربعة أنواع لترجمة القرآن: الترجمة الحرفية، والترجمة المعنوية، والترجمة التفسيرية، وترجمة التفاسير. وقد بيَّن المؤلف عدم مشروعية النوع الأول من الترجمة، أما الأنواع الثلاثة الأخرى فذكر أنه لا خلاف في مشروعيتها وفق الشروط التي قررها العلماء. وختم المؤلف حديثه في هذا الفصل عن مشروع الأزهر لترجمة القرآن.
وجاء الفصل الرابع حاملاً العنوان التالي: (تفسير القرآن، مناهج، ورجال). استهل المؤلف فصله هذا ببيان معنى التفسير والتأويل لغة واصطلاحاً، ووجه الفرق بينهما، واختار المؤلف أن القول بالتفرقة بين التفسير والتأويل أرجح من القول بتساويهما في المراد منهما. ثم عرَّج على نحو سريع على تاريخ التفسير بدايات ونهايات. فتحدث عن التفسير في عصر النبوة، ثم في عصر الصحابة، ثم في عصر التابعين، ثم في عصر التدوين، ذاكراً أهم أعلام كل عصر، ومتْبِعَاً ذلك بذكر الطابع العام للتفسير في كل مرحلة من هذه المراحل. وتوقف المؤلف للحديث عن منهج التفسير بالرأي، مبيناً ما هو محمود منه وما هو مذموم، وأهم العلوم التي تعين على التفسير بهذا المنهج، وأهم الكتب المؤلفة وفق منهج التفسير بالرأي، وشروط الأخذ بهذا المنهج.
كما تعرض المؤلف في هذا الفصل للحديث عن تفاسير بعض الطوائف الإسلامية، فتحدث عن تفاسير المعتزلة، وتفاسير الشيعة، وتفاسير المتصوفة، وأهم المؤلفات التفسيرية عند كل طائفة من تلك الطوائف، والمنهج التي سارت عليه في التفسير.
وختم المؤلف الفصل الأخير بالحديث عن الاتجاهات العامة للتفسير في العصر الحاضر، وأهم من أسهم في هذا الباب، ممهداً لذلك بالحديث عن جهود كلٍّ من جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، راصداً لثلاثة اتجاهات رئيسة عند المتأخرين في تفسير القرآن الكريم.
الاتجاه الأول وصفه المؤلف بالاتجاه الاجتماعي في التفسير، ويمثل هذا الاتجاه -بحسب المؤلف- الشيخ محمد رشيد رضا.
أما الاتجاه الثاني فوصفه بالاتجاه العلمي في التفسير، ويمثله الشيخ طنطاوي جوهري.
ووصف الاتجاه الثالث بالاتجاه الأدبي، وجعل كلاً من الدكتورة عائشة عبد الرحمن، والشهيد سيد قطب خير من مثل هذا الاتجاه.
وقد بين المؤلف على وجه الاختصار طبيعة المنهج التفسيري الذي سلكه كل اتجاه من هذه الاتجاهات الثلاثة.
بعد هذا العرض لمسيرة علم التفسير الحديث -منهجاً وأعلاماً- بين المؤلف الملامح العامة للتفسير في العصر الحاضر. وختم كتابه ببيان المنهج الأمثل لتفسير القرآن العظيم.
وقد يؤخذ على المؤلف في هذا الفصل، أنه لم يتعرض لذكر عدد من المفسرين المعاصرين، الذين كانت لهم جهود مشكورة في تفسير كتاب الله، كالشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه "محاسن التأويل"، والشيخ الطاهر ابن عاشور في كتابه "التحرير والتنوير"، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه "أضواء البيان"، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي في كتابه "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، وغيرها ليس بالقليل.
مزايا الكتاب
والكتاب -على الجملة- امتاز بأسلوبه السهل، وغنى مادته، ووجازته؛ إذ هو ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، يستفيد منه الخاص والعام، وهو مغن عن كثير من الكتب المؤلفة في هذا الموضوع. ومما امتاز به الكتاب أيضاً تضمنه لجملة من التحقيقات العلمية في العديد من المسائل المتعلقة بعلوم القرآن. كما أن تنوع مراجع المؤلف وتعددها أضفت على الكتاب كثيراً من الموضوعية. كل هذا وغيره جعل الكتاب مفيداً في بابه، لا غنى عنه لطالبي الثقافة الإسلامية عموماً، وللثقافة القرآنية خصوصاً.
صدرت الطبعة الثانية من الكتاب عن مكتبة الفلاح في الكويت سنة 1408-1988، وجاءت صفحاته في نحو مئتين وأربعين صفحة.