من أكثر التهم التي يوجهها وزراء إعلام الطواغيت وأزلامهم وأذنابهم الساقطون والمتساقطون للإعلام والإعلاميين الأحرار، الذين انحازوا إلى صف الشعوب الثائرة على الظلم والطغيان، إنهم خونة ومتصهينون. أما القائمون على وزارات الإعلام والإمعات والمرتزقة في جمهوريات القتل والذبح فهم وحدهم الوطنيون والشرفاء حسب رأيهم!!.
إن بعض المسؤولين في بلادنا مازالوا يعتقدون أنهم يعيشون في حقبة الخمسينيات والستينيات، ولا نلومهم فهم عبارة عن متحفيات وديناصورات كي لا نقول حثالات.
متى يعقل هؤلاء البلهاء؟ هل كل من يحاول أن يقترب من الحقيقة، وينصر شعبه المذبوح، ولا يصفق للديكتاتوريين، ويبارك جرائمهم الوحشية بحق شعوبهم خائن وعميل، وأنتم وحدكم "مهدي" منتظر؟
إننا نشفق عليكم فأنتم كالبحّار الهارب في عرض البحر بعد أن خسر معركته، وهو يطلق النار إلى الخلف لعله يصيب من هزموه ومرغوا أنفه بالوحل. لكن، فليتأكد أنه لن تصيب طلقاته أحداً، وحسبه أن يفرّغ مخزن بندقيته، ثم يختبئ بعد ذلك في البالوعات كالصراصير والجرذان.
أيهما الإعلام المتصهين؟!
أيهما الإعلام المتصهين يا من توزعون تهم العمالة والخيانة على الآخرين؟ مع العلم بأنكم المسؤولون عن كل مصائبنا السياسية والإعلامية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي انفجرت أخيراً في وجوهكم ثورات مباركة؟.
أما آن الأوان لأن نعيد تعريف التصهين يا وزراء الإعتام والظلام والجهل والتجهيل؟
من الذي يخدم الصهيونية فعلاً، الإعلام العربي الجديد الذي يحاول كسر الهيمنة الحكومية، ويقترب من هموم الناس وقضاياهم، ويعبر عن مشاعرهم، ويسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية، أم إعلام الديكتاتوريات الجمهورية الذي قدم للصهيونية، وما زال يقدم خدمات جليلة لم ينافسه على تقديمها أحد؟
أيهما الإعلام الصهيوني حقاً ؟! ، الإعلام الذي يميط اللثام عن أمراض هذه الأمة، ويفضحها، ويحاول اقتراح علاجات لها، أم الإعلام البائس الذي عاش، وما زال يعيش على النظرية الإعلامية الهتلرية الجوبلزية (نسبة إلى جوبلز) المفضوحة القائمة على التدجيل والتضليل والكذب ثم الكذب لعل شيئاً يعلق في أذهان الجماهير؟
أيهما الإعلام الصهيوني ، الإعلام الذي بدأ يتحدث بلسان الجماهير، ويعالج همومها، ويتطرق إلى القضايا الحقيقية في مجتمعاتنا العربية المبتلاة بآلاف السرطانات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية المسكوت عنها، أم الإعلام الذي لا هَمَّ له سوى تغطية تحركات الطاغوت والذي يستغل جل صفحات الجرائد والمجلات ووقت الإذاعات والتليفزيونات العربية ليحدثنا عن تحركات القائد وإنجازاته "التاريخية" الفارغة؟
من هو الإعلام المتصهين؟ أليس الإعلام السلطوي الذي يكرس جل وقته ليحدثنا و"يمتعنا" بتفاصيل تحركات الزعيم الذي "يفرغ من قهوته"، ثم يلعب بعروته؟
من الذي يخدم الصهيونية والأعداء عموماً؟ أليس الإعلام المنافق الذي يتظاهر بمعاداة الصهيونية بينما يقدم لها خدمات عظيمة من خلال احتقاره للشعوب والمجتمعات، وتصوير الأسود أبيض، والأبيض أسود؟.
ألم يكن أحد الشعراء العرب على حق عندما قال: "إعلامنا إعدامنا، يركلنا يشتمنا، يبصق في وجوهنا، وما بأيدينا سوى أن نشكر الإحسان"؟
أليس الإعلام المتصهين الفعلي هو الإعلام الذي "يختزل الأوطان في كبسولة يدعونها محقان"، ومن ثم يتجاهل هموم سكان الوطن الحقيقيين الذين يرزحون تحت نير الظلم والقهر والفساد والتنكيل اليومي؟.
لقد اعتاد الإعلام العربي الحكومي على مدى العقود الماضية التستر على معظم أمراضنا، فالنقد ممنوع وفتح الملفات قد يؤدي بالصحفي الجريء إلى غياهب السجون لعشرات السنين.
هل يخدم إخفاء مشاكلنا الحقيقية وتغييبها سوى الأعداء؟ لماذا نرى إعلام أعدائنا ينقب في كل شاردة وواردة، ويطول أعلى قياداتهم بالنقد والتجريح أحياناً، ويغوص في أعماق مشاكلهم على مختلف أنواعها بحرية هائلة، بينما تضطر وسائل الإعلام الحكومية التعيسة إلى تجاهل أبسط قضايانا الحقيقية أو التستر عليها أو تزييفها توخياً للسلامة خوفاً من كلاب أجهزة الأمن المدير الحقيقي لوزارات التعتيم والتجهيل؟
من المستفيد الحقيقي من تغييب قضايا الشعوب عن صفحات الجرائد والتليفزيونات العربية الرسمية؟ أليس الأعداء والصهاينة في مقدمتهم؟ هل ننال من الصهيونية بدفن مصائبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت السجادة ومنع تناولها في وسائل إعلامنا، أم أننا نخدمها خدمة جليلة لا مثيل لها؟
ليس لديّ أدنى شك بأن أعداءنا مستمتعون جداً بالطريقة التي تدار بها وسائل إعلام الطواغيت، خاصة في الديكتاتوريات الحقيرة؟ فالصهيونية مستعدة لدعم إعلام الأنظمة الديكتاتورية العربية وتشجيعه والتصفيق له لأنه خادمها الأفضل والأروع، ولن تجد أفضل منه سنداً لها.. ولا شك أيضاً أن أعداءنا أصيبوا بخيبة أمل كبرى عندما ظهرت بعض وسائل الإعلام العربية المتحررة من نير النظام الشمولي العربي، فهم لا يريدون لإعلامنا أن يتحرر كي يكشف عوراتنا وعيوبنا ويصححها، بل يريدون له أن يبقى بوقاً رخيصاً لسيادته وفخامته وسعادته، ومزوراً للحقائق والبديهيات.
لم تعد تهمة التصهين تمر على رؤوس المستمعين والمشاهدين والقراء العرب بتلك السهولة القديمة، فقد بات الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج يعرف جيداً من هو الإعلام المتصهين ومن هو الإعلام الوطني الحقيقي.
إن الإعلام المخلص فعلاً لقضايا أمته هو الذي يكشف المستور، ويتصدى لدماملنا السياسية والاجتماعية بشجاعة وقوة، ولا يداري على مصائبنا، ويصورها لنا على أنها ضرورات تاريخية، أما الإعلام المتصهين الحقيقي فهو الإعلام الديكتاتوري الذي يصور لنا هذه الأيام الثورات العربية على أنها من فعل جماعات مسلحة، بينما هي في الواقع، ثورات شعوب عظيمة لم تعد تقبل بحكم الطواغيت والسفاحين.
لقد غدا إعلام الديكتاتور نكتة سمجة لا تطاق. وكم شعرت بسعادة غامرة عندما سمعت مشاهداً عربياً ذات مرة يرد على الذين يتهمون الإعلام الحر بالتصهين بالقول: "إذا كانت الصهيونية تقدم لنا إعلاماً كمواقع الإنترنت الجريئة والصحف المنفتحة والفضائيات الإخبارية الرائعة والمقدامة فمرحباً بالصهيونية وأهلاً وسهلاً بها، وعاشت يداها وسجل أنا متصهين ورقم بطاقتي مئتان وخمسون مليوناً أو أكثر!".
لقد آن الأوان، لا بل كان حرياً بنا منذ زمان، أن نعيد تعريف التصهين الإعلامي، فلا يكفي أن تلعن الصهيونية وتشتمها وتسبها في وسائل إعلامك ليل نهار كي يُقال عنك إنك إعلام وطني، فما الفائدة أن تدين الصهيونية ثم تحقق لها كل مآربها من خلال إعلامك المزيف الكاذب الحافل بالدجل والتعتيم على أصغر القضايا وهموم الشعب؟ أليس هذا نوعاً من التصهين الإعلامي المفضوح؟
ليس التصهين أن تقتحم كل المواضيع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بجرأة وحنكة، إنما التصهين هو أن تسخـر وسائل إعلامك للكذب والنصب والتجهيل والتعتيم والتضليل والضحك على ذقون الشعوب.
إذا اتهمتكم وسائل إعلام الطواغيت بالخيانة، فاعلموا بأنكم وطنيون شرفاء، والعكس صحيح.
التاريخ وحده كفيل بإثبات من هو الخائن الحقيقي للأوطان: الإعلاميون المتحررون من ربقة الطاغوت، أم لاعقو وماسحو أحذيته وبساطيره العسكرية والمخابراتية الثقيلة؟.