الوقت هو رأس مال العبد الذي يتاجر فيه مع الله، ويطلب به سعادة الدنيا والآخرة، وبقدر ما يفوت من هذا الوقت في غير طاعة وقربة بقدر ما يضيع على العبد من السعادة في الآخرة، وهذا الوقت ـ والله ـ أغلى من الذهب والفضة؛ فإنه لا يشترى بمال ولا يسترجع بالآمال
عن الحسن قال: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
ولا والله ما كان لمسلم أن يضيع ساعة من وقته ولا لحظة من عمره هباءً؛ وكل شيء في دينه يدعوه إلى حسن استغلال الوقت والانتفاع به.
القرآن والوقت:
لقد اهتم القرآن بالوقت اهتماما عظيما:
• اهتم بالوقت حين أقسم الله به في كتابه: أقسم الله بالفجر وليال عشر، وأقسم بالصبح إذا تنفس، وأقسم الله بالضحى والليل إذا سجى، وأقسم بالعصر وأقسم بالليل. والله لا يقسم إلا بعظيم فهذا تنبيه منه على أهمية الوقت وعظم منزلته.
• اهتم القرآن بالوقت حين ربط به عبادات المسلمين: ما بين عبادة سنوية كالحج، أو عبادة شهرية كالصوم أو أسبوعية كالجمعة، وما بين عبادة يومية كالصلاة "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا".. كما ربط بالوقت أحكاما أخرى كثيرة كالعدة والرضاع والكفارات وغيرها.. كل ذلك لتربية المسلم على الإحساس بقيمة الوقت.
• واهتم لقرآن بالوقت يوم دعاك إلى استغلاله والانتفاع به: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون" (الروم:17، 18).
وسبحان مصدر بمعنى فعل الأمر: أي سبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون... "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا" (الأحزاب:41، 42). أي من أول النهار وآخره.
"وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى" (طه130).
• ومن أعظم دلالات القرآن على أهميته أنه بين حال المضيعين المفرطين في أعمارهم: "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون" المؤمنون:99، 100).
"ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا..." الأنعام. "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا لا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير" فاطر.
• الوقت في السنة:
وكما اهتم القرآن بالوقت كذلك اهتمت السنة به:
روى المنذري في الترغيب والترهيب بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه". وقد رواه الترمذي أيضا بسند حسن صحيح لكنه قال وعن جسمه بدلا من شبابه.
وفي صحيح الترغيب والترهيب عن ابن عباس وفي مشكاة المصابيح عن عمرو بن ميمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: [اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك]. "صحيح الجامع رقم 1077"
وروى الترمذي عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: [بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو تنتظرون الدجال فشر غائب ينتظر، أو تنتظرون الساعة فالساعة أدهى وأمر. وقال حديث حسن غريب .
وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز و جل فيها]. وقد جود السيوطي إسناده في البدور السافرة، [وكان الألباني قد صححه في صحيح الجامع 5446، ثم تراجع الشيخ وضعفه،
الوقت عند السلف:
لقد كان السلف يهتمون بالوقت فلا يضيعون منه لحظة في غير منفعة ويسألون الله أن يبارك لهم فيه وينفعهم به:
قال أبو بكررضي الله عنه: "اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غِرة، ولا تجعلنا من الغافلين".
قال عمر: "اللهم إنا نسألك صلاح الساعات، والبركة في الأوقات".
قال عمر بن عبد العزيز: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".
وقد تعب يوما من كثرة العمل فقيل له: لو أجَلت هذا إلى غد؟ فقال: إني ليعييني عمل يوم واحد فكيف بعمل يومين؟!
قال الحسن: لقد أدركت أقواما كانوا أحرص على أوقاتهم منكم على دراهمكم ودنانيركم.
قال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك. قال: لولا أني أبادر لكلمتك قال: وماذا تبادر؟ قال: أبادر طلوع روحي.
وصدق رحمه الله فإن الوقت لا يقف محايدا أبدًا فهو إما صديق ودود ينفعك ويسرك، وإما عدو لدود يحزنك ويضرك. {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}.