نحن في هذا الكون نمضي في إطار سنن ربانية ثابتة, وإذا كان علينا أن نتعرف عليها, فإن ذلك ليس من أجل التحايل عليها، وإنما من أجل التكيف معها والعمل في ظلالها.
ومن تلك السنن أننا لا نستطيع أن نضمن نتائج محاولاتنا واجتهاداتنا على نحو دائم, وكلما كان ما نسعى إلى الحصول عليه كبيراً كانت حساباتنا أقل دقة, وكان حجم المخاطرة أكبر.
شيء جيد أيها الشباب أن تفهموا هذه الحقيقية وأن تتعاملوا معها كما هي.
وأنا ألمس في بعض تعاليم الإسلام ما يدعونا إلى أن تكون مطالبنا كبيرة, وألا نرضى بالقليل, وأن يكون لدينا نوع من المخاطر المحسوبة؛ لأن الذين لا يخاطرون قد لا يربحون, وإذا ربحوا, فإن أرباحهم تكون قليلة, ونلمح هذا في إحلال الله - تعالى – للتجارة وتحريمه للربا ؛ فالتجارة تشتمل على نوع من المخاطرة, لكن أفق الربح فيها واسع وغير محدود. أما الربا فإنه يخلو في العادة من المخاطرة, لكن هامش الربح دائماً محدود وقليل نسبياً.
إذا كان الإخفاق وعدم الحصول على المراد وحدوث الكبوة بعد الكبوة شيئاً متوقعاً, فكيف ينبغي أن يتعامل أبناؤنا وبناتنا مع ذلك؟ لعلي ألخص الجواب في المفردات التالية :
1 ـ انظروا إلى الإخفاق على أنه شيء طبيعي في الحياة , ولهذا فإن من المهم أن تكافحوا في حياتكم وفق القاعدة التالية : لا مكاسب كبيرة , ولا نجاحات عظيمة إلا عبر الكثير من المحاولات، وتذكروا أيها الأعزاء والعزيزات أنكم حين تخفقون تكونون في مسعى إلى تحقيق شيء قيم , الذين لا يذوقون طعم الإخفاق هم الكسالى و القاعدون والمحرومون من الطموحات الكبيرة.
2 ـ علينا أن نعود أنفسنا الرضا بالقضاء والقدر، فحكم الله – تعالى – نافذ, ولا معقب عليه, نحن البشر قصيروا النظر محدودو الرؤية، فقد نتعلق بالشيء, وننظر إليه على أنه مصيري, ثم يتبين لنا أنه يشكل خطورة كبيرة، أو يتبين أنه شيء تافه .
وتذكروا يا بناتي وأبنائي قول الله – عز وجل: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. فعلينا أن نأخذ بالأسباب , ونفعل أفضل ما يمكن فعله , ثم نتقبل نتائجه بروح صافية ونفس هادئة وراضية.
3 ـ من المهم أن تعرفوا أننا لا نستطيع ـ في معظم الأحيان ـ أن نتحكم بالأحداث؛ لأنها أكبر منا, ولكننا نستطيع أن نتحكم في ردود أفعالنا عليها، وهذا شيء يستحق الانتباه؛ لأن الذي يؤثر علينا ليس ما يحدث, وإنما الآثار التي يتركها في نفوسنا, مثل الذي يفقد مبلغاً كبيرة من المال, أو يفقد عزيزاً, أو يرسب في امتحان, فإن هذا قد يكون تأثيره مدمراً إذا أورثنا اليأس والقنوط أو غير اتجاهنا في الحياة...
إن مياه البحر تحمل السفينة ولا تؤذيها، لكنها إذا تسربت إلى داخلها فإنها حينئذ تغرقها, وهكذا الأحداث التي تحدث لنا.
4 ـ حاولوا بعد كل فشل وبعد كل سقوط أن تنهضوا بشكل أقوى لتثبتوا لأنفسكم وللناس من حولكم أن الإخفاق يشكل وقوداً روحياً لتوثب جديد .
5 ـ تعلموا من الإخفاق ومن تاريخكم الشخصي أعظم الدروس, وتعرفوا على الطرق المسدودة كي تصلوا في النهاية إلى الطرق السريعة, فتمضوا فيها واثقين مطمئنين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
50 شمعة لإضاءة دروبكم.