مما لا شك فيه أن السياسة الاقتصادية الثقافية تفرض نفسها اليوم كمجال رئيسي للدراسة والتحليل لتتمكن الدول من الصمود بوجه السلطة الاقتصادية والرمزية "لرأس المال المنتصر"، بعد أن أصبح الإنتاج الثقافي جزءا لا يتجزأ من الإنتاج العام.
وهنا لا بد لنا من تكرار القول إن التطور العالمي لوسائل الاتصال والإعلام لا يزال يشهد تدفق المعلومات في اتجاه واحد من الغرب الصناعي الغني إلى الشرق النامي والأفقر، وإن الأخبار والمعلومات تصدر من أوروبا والولايات المتحدة نحو العالم النامي أو ما يسمى بالعالم الثالث، وذلك من خلال شركات ووكالات أنباء دولية وعبر الأقمار الاصطناعية وعن طريق برامج البث التلفزيوني التي تسيطر عليها الدول الصناعية
إضافة إلى الدور الذي تضطلع به الشركات التي درج على تسميتها المتعددة الجنسية، في احتكار نتائج البحوث والمعارف العلمية بوضعها في خدمة الدول الصناعية فقط والحيلولة دون وصولها إلى بلداننا إلا متأخرة.
وكثيرا ما تتشابه مضامين الرسائل الإعلامية المتدفقة من خارج الحدود، مع مواقف السلطات الرسمية التي تهدف في أكثر الأحيان إلى إسباغ الصدقية والمهابة على نظام الحكم والحكام والضبط الاجتماعي وقهر الناس فحسب.
ويحدد أحد الخبراء الاقتصاديين العوامل التي تحول دون تقديم الحلول الشافية بما يأتي:
- ندرة الموارد ونقص الكوادر الفنية المؤهلة في مجال الاتصال والإعلام.
- حجب المساعدات المادية والفنية الوافدة من الدول المتقدمة.
وليس المطلوب بالطبع نقل التكنولوجيا وإنما اكتساب القدرة والمعارف والمهارات لتوطين التكنولوجيا الملائمة وجعلها متمشية مع متطلبات المجتمع واحتياجاته ..
لذلك نقول إن دور التقنية على المستوى الاجتماعي لا يتحقق إلا من خلال ما تتيحه لهم من مجالات للتعبير عن آرائهم واتجاهاتهم واحتياجاتهم.
وفي هذا التوجه وحده تتحقق لها الصدقية وتصبح وسيلة أكثر فاعلية في خدمة توحيد المجتمع وتطويره، بل في المحافظة على النظام والأمن الاجتماعيين.
ولنأخذ العبرة من دول وقفت أمام هذه التحديثات تدفع عنها خطر التدفق الإعلامي غير المتوازن لتحول دون تأثر أجيالها بمضمون ما تشيعه وسائل خارجية من عادات وسلوك سيئة لدى الناشئة.
فنشير مثلا إلى موقف الحكومية الكندية التي أعلنت على لسان وزير التربية لديها أنها ضد غزو بعض البرامج والمسلسلات التلفزيونية و السينمائية الآتية عبر الحدود من الولايات المتحدة (مخدرات، جرائم ...) والمخالفة لثقافيتها الوطنية، وموقف فرنسا التي وقفت بصلابة أمام بعض ما ورد في اتفاق "الجات" من بنود تتعلق بتسهيل إدخال بعض البرامج المتعلقة بالتقنيات السمعية البصرية (أغان، أفلام ...) التي تروّجها الولايات المتحدة في السوق الفرنسية.
أما الوطن العربي فيمثل سوقا واسعة لمنتجات التقنية الغربية، ولا يوجد قطر عربي واحد لديه حاليا تقنيات محلية لإشباع احتياجات قطاعات الاتصال والإعلام.
ومن المؤسف أن أياً من الأقطار العربية لا يولي أهمية أو أولوية لمشروعات البحوث والتطوير في هذا المجال.
ومما لا شك فيه أننا أمام اختلال أو عدم توازن بين الأقطار العربية في مجال تقنية الاتصال والإعلام، بين من يحتاج إلى القليل ولديه الوفرة، ومن يحتاج إلى الكثير ويعاني عجزا في قدراته المالية وهو الذي يجعل امتلاك تقنيات حديثة في هذا المجال عبئا ثقيلا على برامج التنمية التي قد تكون أكثر إلحاحا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب "العرب والإعلام الفضائي"