أكدت الدراسة التي أعدها كاتب الأطفال الأديب والشاعر (أحمد سويلم) عن (حاضر ومستقبل أدب الطفل العربي) أن أبناء الأمة العربية والإسلامية في خطر، بسبب افتقارهم لصحافة الأطفال المتخصصة باعتبارها إحدى الوسائل المعاصرة لتربية النشء المسلم وحمايتهم من مؤامرات الغزو الثقافي الذي يستهدف تغريب عقلية أبناء المسلمين.
وأوضح أن الاهتمام بصحافة الطفل سمة حضارية، وأن أكثر من 70 مليون طفل عربي ومسلم في حاجة إلى صحافة واعية، وأن إذاعات الدول العـربية والإسلامية ما زالت مقصرة في إنتاج البرامج الخاصة بالأطفال، وأن البرامج الإذاعية والتلفزيونية المعدَّة للأطفال المسلمين ما زالت في المهد وقاصرة - في أغلبها - على البرامج الترفيهية لا التثقيفية، في حين أن الأطفال المسلمين في حاجة إلى برامج التوعية بالقيم الإسلامية، وأن ثقافة الطفل في ديار المسلمين ما زالت تعاني من أزمتَي (الموجود والجودة).
كما طالب الباحث في دراسته بضرورة اهتمام الإذاعات الإسلامية (المسموعة والمرئية) بتقديم وسيلة مثالية تجذب الأطفال نحو تلاوة القرآن الكريم وتفسير آياته الكريمة وشرح الأحاديث النبوية بطريقة تناسب أعمارهم.. وهو ما يشكل قصوراً واضحاً في هذا المجال.
شخصية الأجيال المسلمة:
يقول الباحث: إن أجهزة الإعلام إذا ما أُحسِن استخدامها أدت دوراً إيجابياً هاماً في تثقيف أبناء الأمة الإسلامية، واستطاعت أن تغير من ظروفها، وأن تأخذ بيدها لما هو أفضل وأحسن. وأن هذا الأمر يتطلب وضع إستراتيجية لكل وسيلة من وسائل الإعلام المعاصرة لتجعل منها أجهزة للتنوير والثقافة الإسلامية، ولن يتأتى لها ذلك إلا إذا التزمت بالمنهج الإسلامي الأصيل لبناء شخصية الأجيال المسلمة.
وأضاف: يرى بعض أساتذة التربية وعلم النفس أن الطفل في حاجة إلى رعاية خاصة لصحته وعقله وقلبه ويده، وطالبوا الذين يعملون في مجال الطفولة أن يُولُوا هذه الأمور كلَّ عنايتهم ليشب النشء المسلم في ظل الرعاية والثقافة الصحية والاهتمام بالعقل والفكر وإذكاء المشاعر الطيبة في قلوبهم، ثم تدريب أيديهم على أن تكون عاملة منتجة بنَّاءة. وبذلك يصبحون مؤهَّلين لمواجهة الحياة وأزماتها ومشكلاتها. فالبيت والمجتمع والمدرسة وأجهزة الإعلام هي أهم مكونات ثقافة الطفل وتؤثر تأثيراً كبيراً في تربيته وصنع مستقبله.
وأوضح الباحث في دراسته أن الثقافة هي حصيلة للإعلام والتعليم والتربية والتوجيه، وهي أيضاً حصيلة الموروثات والخبرات والتجارب والممارسات، بل هي حصيلة للتسلية والترويج والترفيه والإمتاع، وأن أجهزة الإعلام تعمل على تنمية العقول والقدرات.
الإعلام.. الشكل والمضمون:
إن وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفاز وأفلام وكتب ونشرات ومسرح... لها أهمية كبرى في التأثير على الأطفال؛ خاصة ذلك المارد العصري (التلفاز) الذي تسلل إلى أغلب البيوت وربط المشاهدين إلى شاشته الصغيرة وأثَّر فيهم تأثيراً عميقاً.
وبالرغم من أهمية تأثير الصحافة في حياة أبناء الأمة العربية والإسلامية، فإن قليلين هم الذين أَولَوا صحافة الطفل المسلم اهتماماً؛ فما زال الاهتمام بها في دائرة التواضع؛ فهي قليلة في ديار المسلمين وعدد النسَخ المطبوعة منها في دائرة الضآلة. مع أنها الوسيلة الأُولَى للتدريب على الاستفادة من الإعلام وعلى متابعة الأحداث، بل هي مدخل الأطفال إلى القراءة الحرة. فالصحافة مدرسة إذا أُحسِن استخدامها على نطاق واسع.
فالكلمة المطبوعة لها سحرها ومذاقها لدى الأطفال إذا ما اقترنت بالصورة الملونة وحُسْن إخراجها وتحريرها باعتبارها أحد مجالات التدريب على المشاهدة والإطلاع لدى الطفل؛ فصحافة الأطفال (شكلاً ومضموناً) مرآة لتقدُّم صحابها، والاهتمام بها سمة حضارية. لذا نتطلع إليها وإلى الأخذ بيدها لتكون وسيلة إعلام وأسلوب ثقافة.
صحافة الأطفال العرب:
وتناول مجلات الأطفال في بلدان العالم العربي، فأشار إلى أنها صحافة غير مستقرة؛ فبعضها يصدر ثم يحتجب عن الصدور لأسباب متعددة. إلا أن مشكلة التمويل هي من أهم المشكلات التي تعترض سبيل الصحافة الموجهة للأطفال، بالرغم من أن عائدها الأدبي كبير للغاية.
وفي مقابل الكم المحدود للغاية في صحافة الأطفال في الوطن العربي، نجد هناك سيلاً متدفقاً لصحافة الأطفال في الغرب تلك التي يُقبِل عليها العرب؛ فهناك 400 مجلة للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية ونحو 100 مجلة للأطفال في إنجلترا و 17 مجلـة في ألمانيا، بينما لا يوجد غير أقل من عشر مجلات تصدر في بلدان العالم العربي، وهي لا تكفي لعشرات الملايين من الأطفال العرب.
غزو الطفل المسلم:
وأكد في دراسته أن الأطفال العرب والمسلمين معرَّضون لأخطار الغزو الثقافي من خلال فيض المجلات الأجنبية المترجمة الصادرة عن الغرب، تلك التي تستهدف تغريب عقلية الطفل العربي والمسلم وإبعاده عن دينه وثقافته الإسلامية. وطالب المؤسسات الإسلامية في دول العالم أن تهتم بدراسة هذه الأخطار والعمل على التصدي لها ومواجهتها لحماية النشء المسلم. ولا يكون ذلك إلا بإصدار الصحف والمجلات العربية والإسلامية.
ويرى الباحث ضرورة أن يشارك الأطفال في إصدار بعض الصحف المدرسية وضرورة دعمها وتشجيعها من قِبَل المؤسسات التعليمية. مع ضرورة دراسة مدى تطورها بمعرفة الأجهزة التربوية المشرفة على النشاط المدرسي في بلدان العالم العربي والإسلامي.
تربية الأجيال مسؤولية:
وأوضح الباحث أن تربية الأجيال المسلمة هي مسؤولية جميع المسلمين. ومن هنا تأتي أهمية زرع القيم الإسلامية في نفوس النشء؛ لأن قيم الدين الإسلامي الحنيف تستهدف إقامة علاقات طيبة وفاضلة بين الإنسان وربِّه بتأدية حق الله - سبحانه وتعالى - والالتزام بالأوامر والنواهي الربانية وأداء العبادات المفروضة. كما تستهدف إقامة علاقات طيبة بين الناس بعضهم بعضاً. فيعرف الالتزام بواجباته نحو الآخرين، كما يعرف الحقوق التي له تجاه الآخرين أيضاً. كما تستهدف إقامة علاقات طيبة بين الإنسان ونفسه فينهض بما يمليه عليه ضميره، فيشعر بالرضا عن ذاته في عصر التمزقات والتوترات النفسية الشـرسة، وهي التي يكمـن عـلاجها في الإيمـان بالله - تعالى - وممارسة شعائر الدين الإسلامي الحنيف.
وأضاف: إنَّ زَرْع القيم الإسلامية الفاضلة في نفوس النشء المسلم هي مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة والمجتمع وأجهزة الإعلام والثقافة في بلدان العالم الإسلامي. ولكن الملاحظ مع انتشار الأمية أن الأسرة تقدم لأطفالها ثقافة دينية متفاوتة حسب اهتمامات الأسرة ودرجة ثقافتها. لذا فإن التركيز على دور المدرسة يأتي في مقدمة اهتمامات المجتمع؛ باعتبار أن المدرسة هي بيئة العلم والمعرفة. وليتها تنهض لأداء هذا الدور عن طريق المعلم القدوة وبواسطة المناهج والمقررات التي تناسب عمر الأطفال في سن المدرسة. ولاحظ الباحث أن الكتب الدراسية السائدة في جميع المراحل الدراسية معبأة بما هو فوق مستوى إدراك الطفل.
ما أشد حاجتنا لأن تنهض أجهزة الإعلام لأداء دورها في مجال تثقيف الطفل المسلم. والملاحظ أن الإذاعات أصبحت تقدم كمّاً وافيّاً من البرامج الدينية للكبار؛ لكنها ما زالت قاصرة في مجال إنتاج برامج الأطفال. لذا فإن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أجهزة الإعلام في هذا المجال؛ وذلك بتقديم المادة الإعلامية في المجال الإسلامي، تلك التي يقبل عليها الكبار والأطفال في آن واحد؛ وذلك عن طريق توظيف الفن الإذاعي والتلفزيوني من مؤثرات صوتية وغيرها لتحقيق الجذب المنشود.
طريقة مثالية:
انتقل الباحث بعد ذلك إلى القول بأنه لا بد من الإشادة بالدور الكبير الذي تؤديه وسائل الإعلام المسموع والمرئي في تلاوة القرآن الكريم. وقد ثبت أن الإقبال على الاستماع لتلاوة آيات الذكر الحكيم بأصوات كبار المقرئين يشكل نسبة مرتفعة من بين المواد التي تلقى الاهتمام؛ إلا أننا لم نبتكر حتى اليوم وسيلة مُثلَى لتلاوة القرآن الكريم للأطفال من خلال الشاشة الصغيرة والمذياع!
أمَّا عن الطريقة المثلى لتلاوة القرآن الكريم التي يراها الباحث، فهي: أنه تم إجراء أول تجربة في هذا المجال بالاشتراك مع مؤسسة اقرأ بالقاهرة؛ حيث تم تسجيل الآيات القرآنية المقررة على طلبة المدارس الابتدائية على شرائط كاسيت بصوت أحد المذيعين حتى يعرف الأطفال الألفاظ القرآنية الواردة في الآيات الكريمة، ثم نصحبها بصوت أحد كبار المقرئين للقرآن الكريم. وقد لاقت هذه التجربة استحساناً لدى المسؤولين عن المناهج الدينية بوزارة التعليم في مصر. وبعد تعميم هذه التجربة بالمدارس المصرية يمكن التعرف على آراء التلاميذ أنفسهم في درجة استيعابهم للألفاظ القرآنية.
وأضاف الباحث: نحن سعداء لإقبال كثير من الأطفال على حفظ القرآن الكريم وتجويده وإجادة تلاوته. إلا أننا نشعر بأن هناك قصوراً في مجال تفسير القرآن الكريم بالنسبة للأطفال يتوافق مع أعمارهم المختلفة. وما يقال عن تفسير القرآن يمكن أن يقال بالنسبة للأحاديث النبوية الشريفة.
المنهج المدرسي ونفسية الطفل:
وأضافت الدراسة أن الطفل قد تنشأ معرفته بالدين في مرحلة مبكرة عن طريق طرح عدة أسئلة على والديه حول مفهوم (الجنة والنار) و (الثواب والعقاب) و (الخير والشر). ويصعب على الآباء تقديم تفسيرات واضحة لأبنائهم حول هذه التساؤلات التي قد تظل مبهمة لديهم أو تفسَّر لهم بشيء من التجاوز والمغالاة والأخطاء. وقد تزرع هذه الإجابات في نفوس الأطفال شيئاً من الخوف والرعب بدلاً من الشعور بالأمن والطمأنينة. وهو ما يصيب الأطفال في هذه السن المبكرة بحالة نفسية يصعب علاجها، وقد يؤدي ذلك إلى عدم إقبال الأطفال على معرفة حقائق دينهم الإسلامي الذي يتناول الرحمة والعدل والتسامح أكثر من تناوله للعقاب والجحيم.
إن رحلتنا مع الإيمان منذ الطفولة تجعلنا ننادي بضرورة تقديم مفهوم الإسلام للأطفال على أنه رحمة وحب، ويجب ألا تكون ردودنا على استفسارات أطفالنا بوابة لطرح كثير من التساؤلات الأخرى، وإجابات غير مسؤولة تزيد من حالة أطفالنا النفسية سوءاً؛ لأن شر ما يقدم للطفل هو ما يبعده عن تعاليم دينه.
استراتيجية التثقيف:
يقول الباحث في مجال تناوُله لإستراتيجية تثقيف الطفل المسلم: إن النظرة المستقبلية تحتاج إلى كثير من المواد الخاصة ببرامج الأطفال الإسلامية – وهي تعوزنا إلى حد كبير – لذا فإن الأفكار التي نعرضها لا نبدأ فيها إلا من منطلقات تصورية وليس من أرض الواقع؛ لنضع بذرة في تربة طيبة وكلنا أمل أن تنمو. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الحوار والمناقشة في لقاءات التربويين مع رجال الإعلام ورجال ثقافة الطفل.. لوضع إستراتيجية تثقيف الطفل المسلم؛ من خلال إعداد البرامج الجادة التي تجذب أطفالنا نحو التجاوب مع ثقافتنا الإسلامية وإبعادهم عن مؤثرات ومغريات وسـائل التثقيف الأجنبية؛ لأن ما يصلح للطفل في دول الغرب لا يصلح للطفل في الدول العربية والإسلامية. ومن الضروري أن يضع المهتمون بثقافة الطفل أمر مشاركة الأطفال في برامج التثقيف؛ حتى لا يتحولوا إلى مجرد متلقٍّ لهذه الثقافة بصورة سلبية قد تنفِّرهم وتدفعهم إلى الجانب الآخر من الثقافة المستوردة؛ لأن الهدف الذي نبتغيه هو تحويل الأطفال من سلبية التلقي إلى إيجابية المشاركة.
وانتهى الباحث إلى القول بأن أجهزة الإعلام والتثقيف والتعليم قادرة - دون شك - على أن تغير من ثقافة أطفالنا وتطورها؛ وذلك لحماية أطفالنا من السلبيات وتصونهم من هامشيات الفكر المتسرب إلى ديار الإسلام، وتحميهم من الأخطار التي يتعرضون لها بسبب الغزو الثقافي الموجَّه إليهم، الذي يعمل على استيعابهم وبناء شخصياتهم وَفْقاً للمنهج الغربي. لذا فإن وسائل تثقيف الطفل في ديار المسلمين يجب أن تنهض لاحتلال موقعها في هذا المجال لتنشئة الأجيال المسلمة وَفْقاً لمفاهيم الدين الإسلامي الصحيح لتعمِّق لديهم الاعتزاز بأمتهم والانتماء السليم إلى الأمة الإسلامية. فالأطفال هم شباب المستقبل وأهم ثروة تملكها الأمة في دروب تصحيح المسيرة وحشد الطاقات لصالح الإسلام والمسلمين.
أخطار الترجمة:
وحول رؤيته بشأن تداول قصص الأطفال التي وضعها خبراء الغرب وأخطار ترجمتها ونشرها في دول العالم الإسلامي يقول الباحث: يجب أن نتصدى لأخطار الترجمة في مجال تثقيف الطفل المسلم، ونعمل على تنحية المناهج الغربية التي لا تساير عقيدتنا وعاداتنا الإسلامية، وذلك في إطار تقديم البديل الإسلامي الصالح لمخاطبة أطفال هذه الأمة الإسلامية بعيداً عن الأسلوب الوعظي الجاف؛ حتى لا تصبح أزمة الطفل المسلم أزمة مزدوجة تتمثل في حرمانه من أعمال الغير وعدم صلاحية الأعمال التي تقدَّم إليه بمعرفتنا وعدم تناسُبِها مع نفسية الطفل في ديار المسلمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد عبدالشافي (البيان:292)