جاء في الأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: ((من عرّض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن)).. وهي عبارة مهمة تؤكد على أن سوء الظن الذي يلحق بنا نساهم إلى حد كبير في إلصاقه بأنفسنا.
فالصورة الزائفة السوداء عن الإسلام والمسلمين - والتي يراد لها أن تلتصق بنا إلى الأبد ويروج لها في الإعلام الغربي ليل نهار ويتبناها إعلام خدامه في بلادنا - للأسف الشديد نحن نشارك في صنعها بما كسبته أيدينا دون أن ندري، ربما بتصرف سيء غير مقصود أو بقول ليس بموفق وغير محمود. لاسيما والصورة اليوم مرئية وعلى الهواء مباشرة!!
هذا ما يتعلق بالصورة التي تُصْنع لنا. أما الصورة التي نَصْنَعُها لأنفسنا: فهي مصيبة المصائب وداهية الدواهي. فمع أن الإسلام اهتم بالصورة في دقائق الأمور في العبادات والمعاملات والأخلاق بما يعكس صورة حضارية لدين عظيم. إلا أن الواقع يصور لنا شيئا آخر عند المقارنة!!
ففي جانب العبادات وجدنا اهتماما بالصورة: خذ مثلا الصلاة، ففي تسوية الصفوف صورة رائعة قد تغري غير المسلمين بالدخول في الإسلام. ثم انظر بعد ذلك لصورة بعض المصلين أثناء خروجهم من الصلاة بطريقة لا تليق وتزاحمهم على باب المسجد.. ترى تناقض بين الصورتين. وإذا كنا ننادي بأعلى صوت " أن الدين المعاملة " وأن باب المعاملات في الإسلام لا نظير له في أية ملة من الملل أو شريعة من الشرائع.. فكيف ونحن نؤتى اليوم من خلال الإساءة إلى هذا الباب؟ فالناظر لمعاملات كثير من المسلمين مع بعضهم البعض يراها في قمة السوء ولا تمت بصلة للإسلام وهي أسوأ مع غير المسلمين، فكيف تكون الصورة التي نصنعها لأنفسنا إذن؟
اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بصورة الإسلام فنبه أصحابه لأخذ الحيطة من المتربصين بالإسلام ومن أن تشوه الصورة أو يستغلها حاقد أو مُغرض ليصد الناس وينفرهم من هذا الدين الحنيف.
فقد مقت الإسلام الغدر، فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) رواه البخاري. وحرَّم قتل المُعَاهَد وتوعَّد من فعله، فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)) رواه البخاري.
فحين يمارس بعض المسلمين – خاصة المنتسبين للحركات الإسلامية - عنفًا عشوائيا غير مرتبط بقوانين الشرع فإنه يسيء ويشوه صورة الجهاد الإسلامي الناصعة البياض على مر التاريخ.
ثم يأتي دور الخًدَّام ممن يرتزقون بالإعلام لتسليط الضوء على هذه الصورة فقط، فراحوا يضخمونها ويسخرون لها وسائل الإعلام والاتصالات ! فلا همَّ لهم إلا التنقيب والبحث عن هذه الحوادث الفردية وتضخيمها مع أنهم يمرون على مثلها يوميا عند غيرهم، وفي الوقت نفسه هم يعلمون علم اليقين أن الإسلام يجرمها ولا يقرها.
انظر إلى النبي في هذا المشهد الذي يريد من خلاله أن يعلم المسلمين – وأهل الإعلام خصوصا – أن صورة الإسلام وقرآنه ورسوله وصورة المسلمين وحضارتهم يجب أن تقدم للعالم في أحسن صورة. ففي مشهد الرجل المنافق الذي قال كلاما آذى به الرسول صلى الله عليه وسلم قام أحد الصحابة طالبا ضرب عنقه، ومعلوم أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وصورتهم جميلة أمام الرائي قال تعالى {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم والذي لم يؤمر بقتل المنافقين قال للصحابي: ((دعه.. لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)) والحديث في الصحيحين، وفي رواية: ((أكره أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)).
وفي واقعة أخرى قال له عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ قال: ((معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه)) رواه أحمد.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يهمه الصورة وحماية جناب الإسلام.. يهمه حديث الناس عن الإسلام.. ونبي الإسلام وعن المسلمين.. ماذا سيقولون؟ وبماذا سيروجون؟ ولذا فالعجب ممن لا يبالي بكلام الناس عن دعوته ويقول كلاما مرسلا، ويمارس أفعالا تصب في صالح الكارهين لما أنزل الله.
من الخلل أن يهتم الواحد منا بالصورة الصغيرة لشخصه أو أسرته الصغيرة أو أقاربه أو أصدقائه أو جماعته الصغيرة أو حركته التي ينتمي إليها، وفي الوقت نفسه لا يبالي بالصورة الكبيرة للمجتمع الإسلامي الذي ينتمي إليه.
فتحسين صورة الإسلام يكون بالمحافظة على تعاليمه أن تنتهك من قبل المنتسبين إليه و المجاهدة في كشف وإظهار الصورة الحقيقية لنقائه وسماحته وعدله والتصدي للمجرمين الذين ينفقون أموالهم ليشوهوا صورته ويصدوا عن سبيل الله.. والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ أشرف عبدالمقصود (المصريون)