الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
فإن لوسائل الإعلام المختلفة من مكتوبة ومسموعة ومرئية أثرها البالغ على الرأى العام وتثقيف الجماهير وتوجيههم، لذا عمد الغرب إلى توجيهها لخدمة أهدافه والسيطرة عليها، وإعداد من يتولون أمرها إعداداً يجعلهم ـ دون أن يشعروا ـ يستكملون ما بدأه الغرب فيهم، فنجحوا وما زالوا في تحقيق ذلك قديماً وحديثاً بصورة خفية غير محسوسة.
يقول المستشرق الإنجليزى (جب) موضحاً أهمية الصحافة فى تغريب المسلمين: "وللوصول إلى هذا التطور الأبعد الذى تصبح الأشكال الخارجية بدونه مجرد مظاهر سطحية يجب ألا ينحصر الأمر فى الاعتماد على التعليم فى المدارس بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفاً إلى خلق رأى عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة".
ثم يقول: "إن الصحافة هى أقوى الأدوات الأوروبية وأعظمها نفوذاً فى العالم الإسلامى".
ثم يبين نتائج هذا الغزو الفكرى عن طريق الإعلام المكتوب إلى جانب غزو المناهج التعليمية : "إن النشاط التعليمى والثقافى عن طريق المدارس العصرية والصحافة قد ترك فى المسلمين من غير وعى منهم أثراً جعلهم يبدون فى مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد، وذلك خاصة هو اللب المثمر فى كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته، من آثاره أن الإسلام كعقيدة لم يفقد إلا قليلاً من قوته وسلطانه، ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانته، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانبه، وهى فى كثير من الأحيان تتعارض مع تقاليده وتعاليمه تعارضاً صريحاً، ولكنها تشق طريقها بالرغم من ذلك إلى المجتمع الإسلامي فى قوة وعزم، وبذلك فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت فى طقوس محدودة".
فتأمل كلام هذا المستشرق الذى مر عليه عقود عديدة لتدرك ما نحن فيه من الغفلة وما هم عليه من التخطيط والتنفيذ من وراء الستار !!!
ومعلوم أن بدء الاهتمام بالصحافة عندنا كان من نصارى، أمثال جورجى زيدان الذى أنشأ مجلة الهلال سنة 1892 م، وكان له صلة بالمبعوثين الأمريكان، وملأ قصصه التاريخية عن الإسلام بالتشويه للإسلام والمسلمين، وسليم تقلا مؤسس جريدة الأهرام، ويعقوب وفؤاد صروفى صاحبا دار المقتطف.
ولقد قامت وما زالت تقوم العديد من الصحف الحزبية بل والمستقلة بدور واضح فى التغريب ونشر أفكاره فى المجالات المختلفة، ولقد قامت وما تزال تقوم وسائل الإعلام المختلفة بحرب شعواء على الشباب الملتزم بدينه، إلى جانب إشاعة الفاحشة والإغراء بالجريمة والسعى بالفساد.
إن الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية تمتلئ بصور السعى إلى ترويج المعاصى والفساد، خاصة المهتمة منها بالفنون والسينما والمسرح، إلى جانب صفحات الحوادث المثيرة، كما تشغل صفحات الرياضة المبهرة فكر وعقول الشباب بما لا ينفعهم ويضيع أوقاتهم، ويرى الكثيرون أن من أهداف هذه المجلات والجرائد شغل الناس عما يفعله أصحاب النفوذ من أخطاء، إلى جانب كونها متنفس للجماهير تفرغ من خلاله همومها اليومية التى لا تنتهى.
ولكن أخطر جوانبها السلبية هو إبعادها الناس عن الإسلام وصبغ حياتهم بما لا يتلاءم مع آدابه وأخلاقياته.
إن إصلاح المجتمع وإعادة بنائه بناءً إسلامياً صحيحاً يحتاج إلى إصلاح وسائل الإعلام أولاً، وإيجاد الإعلام الإسلامي القادر على التوجيه والتأثير والتصدي للتغريب والعلمانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.علاء بكر