لفظ (اليسر) من الألفاظ المتقابلة في القرآن الكريم، وهو لفظ سهل المبنى، لطيف المعنى، وُصفت به الشريعة الغراء؛ إذ إنها شريعة (اليسر) بامتياز، لا يفوقها في ذلك شريعة من شرائع الأرض أو السماء. فما هو دلالة هذا اللفظ في القرآن الكريم؟ .
المدلول اللغوي للفظ (اليسر)
تدل مادة (يسر) في اللغة على أصلين اثنين:
أحدهما: انفتاح الشيء وخفَّته. فـ (الميسَرة) بفتح السين وضمها: السعة والغنى. وقد يسَّره الله لليسرى، أي: وفَّقه لها. وياسره: ساهله. و(اليسار) و(اليسارة) الغنى. وقد أيسر الرجل يوسر: استغنى. واليَسَرات: القوائم الخِفاف، يقال: فرس حسن التيسور، أي: حسن نقل القوائم. ومن الباب: يسَّرت الغنم: إذا كثر لبنها ونسلها. ويقال: رجل يَسْرٌ ويَسَرٌ، أي: سهل الانقياد. وتيسر الشيء واستيسر: سَهُلَ وتهيأ. ويقال: خذ بميسوره، ودع معسوره. ويقال: أيسرت المرأة، أي: يسرت عليها الولادة. و(اليسير) و(الميسور): السهل. و(اليسير) يقال في الشيء القليل. ومن الباب: الأيسار: القوم يجتمعون على الميسر، واحدهم: يَسَر. ومن (اليسر) الميسر: وهو قمار العرب بالأزلام. و(اليُسر) بسكون السين وضمها ضد (العسر). و(الأيسر) ضد الأيمن. و(الياسر) نقيض اليامن. و(اليسار) خلاف اليمين. و(الميسرة) ضد الميمنة.
ثانيهما: اليسار لليد. يقال: تياسروا: إذ أخذوا ذات اليسار. والأجود: ياسروا. وتقول: ياسر بأصحابك، أي: خذ بهم يساراً.
توارد لفظ (اليسر) في القرآن الكريم
ورد لفظ (اليسر) في القرآن الكريم في واحد وأربعين موضعاً، خلا لفظ (الميسر)، وقد ورد في خمسة عشر موضعاً بصيغة (الفعل)، من ذلك قوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} (القمر:17)، وورد بصيغة (الاسم) في ستة وعشرين موضعاً، منها قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} (البقرة:185).
مدلول لفظ (اليسر) في القرآن الكريم
ولفظ (اليسر) جاء في القرآن الكريم على عدة معان، هي:
- بمعنى (هين)، ومثاله قوله سبحانه: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} (الحج:70)، قال الطبري: {يسير} يعني: هين. ونحو ذلك قوله تعالى: {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير} (العنكبوت:19)، يعني: هيناً ليس بشديد عليه سبحانه. وقل مثل ذلك في كل الآيات التي جاءت على هذا النحو.
- بمعنى (الخفيِّ)، ومثاله قوله سبحانه: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا} (الفرقان:45-46)، قال الطبري: قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضاً خفيًّا سريعاً بالفيء الذي نأتي به بالعشي. وهذا قول مجاهد. وفُسِّر أيضاً بمعنى: قبضاً سريعاً. وهذا الأخير مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
- بمعنى (قليل)، ومثاله قوله سبحانه في قصة يوسف عليه السلام: {قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير} (يوسف:65)، قال البغوي: أي: ما حملناه قليل، لا يكفينا وأهلنا. وقيل: لا مؤنة فيه، ولا مشقة. وقال مقاتل: كيل سريع، لا حبس فيه، يعنون: إذا جاء أخونا معنا، عجل الملك لنا الكيل.
- بمعنى (التخفيف والتسهيل)، ومثاله قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} (البقرة:185)، قال الطبري: يريد الله بكم، أيها المؤمنون - بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الإفطار، وقضاء عدة أيام أُخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم - التخفيف عليكم، والتسهيل عليكم؛ لعلمه بمشقة ذلك عليكم في المرض والسفر. ونحو ذلك قوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (الطلاق:4)، قال الطبري: ومن يخف الله، ويجتنب معاصيه، ويؤدى فرائضه، ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته، فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسراً، وهو أن يسهل عليه إن أراد إرجاع امرأته ما دامت في عدتها، وإن انقضت عدتها، ثم دعته نفسه إليها قَدَر على خطبتها.
- بمعنى (الرخاء والفرج) ، ومثاله قوله سبحانه: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا} (الشرح:5-6)، قال الطبري: يقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: فإن مع الشدة التي أنت فيها من جهاد هؤلاء المشركين، ومن أوله ما أنت بسبيله رجاء وفرجاً. ونحو ذلك قوله تعالى: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} (الطلاق:7)، أي: سيجعل الله للمطلق من بعد شدة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى.
- بمعنى (السهل)، ومثاله قوله سبحانه: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} (القمر:17)، أي: سهَّلناه وهوَّناه للقراءة. ومثل ذلك قوله تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا} (مريم:97)، قال البغوي: أي سهِّلنا القرآن بلسانك يا محمد لتبشر به المؤمنين، وتنذر به قوماً شداداً في الخصومة. ويُحمل على هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل: {فالجاريات يسرا} (الذاريات:3)، قال الطبري: السفن التي تجري في البحار سهلاً يسيراً.
- بمعنى (العِدَة الحسنة)، ومثاله قوله تعالى: {فقل لهم قولا ميسورا} (الإسراء:28)، قال الطبري: أي: عِدْهم وعداً جميلاً، بأن تقول: سيرزق الله فأعطيكم، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ.
وبما تقدم يُعلم، أن لفظ (اليسر) ورد في القرآن الكريم بحسب معناه الأول في اللغة، وهو معنى التيسير، والتسهيل، والتخفيف، ولم يأت في القرآن الكريم بمعناه الثاني، وهو اليد الجارحة المقابلة لليمين.