الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من خير الأنام، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعباد نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فإن رسالة الإعلام رسالة عظيمة، ورسالة لها وزنها وقيمتها قديماً وحديثاً؛ لكنها في الزمن الأول كانت محدودة بين الأشخاص، محصورة في من له حق التوجيه والإرشاد للناس، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً - رضي الله عنه - لما بعثه إلى أهل اليمن مرشداً وداعياً لهم إلى الإسلام بقوله: «فأعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخَذ من أغنيائهم فترُّد على فقرائهم...»[متفق عليه]، فالإعلام هنا إبلاغ الحق ونشره. لقد كان الإعلامي في السابق له حدوده وخصوصيته، وفي هذا الزمن أصبح الإعلام ذا شأن كبير، ومدى بعيدٍ، وأصبح يؤثر على آراء الناس، وفي أخلاقهم، وأعمالهم، وتصوراتهم؛ لذا كان الواجب على الإعلاميين الإسلاميين حقاً أن يكونوا أهل نصيحة للأمة، وأهل دعوة صادقة، وأهل صدق في ما يقولون، وفي ما يطرحونه من قضايا، وفي ما يعالجونه من مشاكل.
فالأمة المسلمة تواجه تحديات كثيرة، تحديات ضد عقيدتها، وضد أفكارها، وضد مجتمعاتها، وضد أمنها، وضد قِيَمها، وضد اقتصادها، وضد وحدتها، وضد كل عمل فيه خير للأمة الإسلامية، هي تحديات من إعلام فضائي، وإلكتروني، وغير ذلك، وهي تحديات قائمة ظاهرة؛ فكيف يواجهها الإعلام الإسلامي؟ وكيف يواجهها الإعلاميُّ المسلم؟ كيف يواجه رجلُ الإعلام هذه التحديات العظيمة؟ أيواجهها بمجرد قول ورأي فقط؟ أو أنه يواجهها برأي، وحكمة، وبصيرة؛ بأن يتصور ذلك الباطل المدسوس، ويتصور هدفَه ومغزاه على الأمة الإسلامية، وهذه الأراجيف والإشاعات يتصورها تصوراً حقيقياً، ويدرسها دراسة متعمقة؛ لينظر ما وراء السطور، وما الهدف والمقصود من ما قيل ونُشِر؟ ثم يعالجها بحكمة، ونقاش هادف يقصد منه إيضاح الحق، ودحض الباطل. يقول الله - تعالى -: {وَقُلْ جَاءَ الْـحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، نعم! الحق جاء، والباطل أمام الحق لا يثبت إذا جاء الحق مدعماً بالأدلة على لسان إعلاميٍّ مسلم ذا دين وتقوى يرجو الله ويخافه، ويتصور الموقف بين يديه، وينظر لمصدر المعلومة، ويستشعر حقيقة نفسه، وأنه مؤمن وُجِد في هذه الدنيا ليعمُر الأرض بطاعة الله، وكُلِّف بالواجبات والفرائض ليقوم بنصرته لدينه، وجهاد في سبيله، وإنقاذ الأمة مما لُبِّس عليها، ومما جُنِي عليها من أفكار منحرفة، وآراء ضالة؛ وذلك لأن الإعلامي المسلم ينبغي عليه - في مناقشة الباطل - أن يدحض حجة المبطلين. قال الله - تعالى - عن المشركين: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاَّ جِئْنَاكَ بِالْـحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: ٣٣]. قال بعض المفسرين: هذه عامة في كل زمان، ومع كل أهل الباطل؛ لأن الباطل لا يمكن أن يثبت أمام الحق. قال الله - تعالى -: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].
فالإعلامي المسلم لا بد أن يكون آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر؛ بأن لا يخط بقلمه إلا أسطراً مضيئة مِلْؤها الخير، والصدق، والأمانة، والدفاع عن الأمة الإسلامية وعن قضاياها؛ فلا يخط بقلمه إلا ما فيه خير للإسلام وأهله، ورحم الله امرأً نصر الإسلام ولو بشطر كلمة، إنه يأمر بالمعروف لأن كتاباته، ومناقشاته، وأطروحاته كلها تنضح بالخير، وكلها تهدي البشرية، وكلها تصلح الأمة، وكلها تسعى في تقويم ما اعوجَّ من السلوك؛ ذلك أن الإعلام اليوم يقوم عليه علماء نفس واجتماع، وأناس لهم تفنن في ترويج الباطل، وخداع الأمة، فإذا وُجِد إعلامي مسلم ذا طابع إيماني، وقدرة جيدة، ولغة سليمة، وفهم صحيح، وتصور للحق يحمل على الإيمان والهدى ليعالج قضايا الأمة علاجاً صحيحاً من خلال المجلات، ومن خلال الصحف، ومن خلال القنوات الفضائية، ومن خلال الإنترنت في المواقع والمنتديات؛ لا يخلو من أن يناقش فكرة، أو يكتب قولاً سديداً، وينشر مقالاً مفيداً، ويكون رحب الصدر، واسع الأفق؛ يسمع، ويقرأ، ثم يعالِج وينشر؛ فكم من مواقع على أيدي بعض إخواننا نفع الله بها، وصار لها شأن ودور فعَّال في دمغ الباطل، وإيقاظ الأمة الإسلامية مما يحاك ضدها؛ إذ إن هذه المنتديات الآن مليئة بأنواع من الشرور، وفي بعضها خير، ولكن الخير يحتاج إلى حملة من رجال ذوي تقى وعلم؛ إعلاميون إسلاميون، متجردون لنصرة الدين والدفاع عن قضايا الأمة، ويعملون على دمغ الباطل، وتبيين الحق، ويسعون لزهق الضلال الذي رُوِّج له، وكُذِب به على هذه الأمة الإسلامية، ويحرصون على عدم إشاعة الأخبار الكاذبة ودفنها في مهدها، والتأكد من صدق المشكوك فيها قبل نشرها، وهل المصلحـة في نشـرها، أو الإعـراض عنهـا امتثالاً لقـول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦].
إننا في زمن بأمسِّ الحاجة إلى الدعوة إلى الله، وإن وسائل الإعلام إذا استقامت فنعمَّا هي، والمسلم يَلِج كل وسيلة من الوسائل النافعة المفيدة؛ يلجها بصدر رحب ليناقش، ويدعو إلى الخير، ويهدي إلى الحق، ويحذِّر من الباطل والضلال؛ فأنت مسلم؛ فليس لدعوتك حدود، وليس لها أقاليم، أنت مسلم تدعو إلى الله هيئت لك فرص ما سبقت لمن قبلك؛ فرص النشر السريع، والكلمة التي تكتبها الآن خلال ثوانٍ يقرؤها كثيرون في مشارق الأرض ومغاربها.
فهي فرصة سانحة هيئت لك - أيها الإعلامي المسلم - لتقوم بواجبك داعياً إلى الله، مرشداً عباد الله، متصوراً للحق داعياً إليه؛ لأن الإعلام الإسلامي يحتاج إلى الرجال الصادقين، والرجال المخلصين، والرجال المتفانين في خدمة هذا الدين؛ لأن الله - جل وعلا - فرض علينـا القيام بهذه الدعوة، فقال الله - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...} [آل عمران: 110]، وقال - تعالى -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
إن القنوات الفضائية يلج إليها من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وإن كان يشاهد ويرى ما لا يُقِرُّه بنفسه، ولا يرضاه، لكنه يتحمل كل شيء في سبيل أن يوصل كلمة ومعلومة لعلها تجد أذناً صاغية، أو قلباً واعياً ينتفع بها، ويستفيد منها، ويؤثِّر بها على غيره.
إنّ هذه القنوات المتعددة، ومواقع الإنترنت، والتقنيات الحديثة هي من أقوى الوسائل لو استغلها المسلمون الإعلاميون في سبيل الدفاع عن الحق، وفي سبيل تأصيل العقيدة، ونشر قيم الإسلام وأخلاقه، ولانتَفَعَ بها كثير من المسلمين، واهتدى بها غير المسلمين، إن الغرب: إما أن يكون عند كثير منهم جهل بالإسلام، أو يكون عندهم إعراض عن العلم والحق؛ لكنهم إذا ووجهوا بالحقيقة اعترفوا بذلك من خلال هذه المواقع النافعة التي انبرى لها رجال نحسبهم - ولا نزكي على الله أحداً - أنهم صادقون في ما يقولون؛ انبروا غيرةً على دين الله ليدعوا إلى الله على بصيرة، وينشروا الحق، ويدافعوا عنه فهكذا واجبنا؛ لأن الإعلامي له مسؤولية، وعليه واجب؛ فمتى صلح واستقام وكان طريقه طريقاً سليماً، ومنهجه منهجاً قيِّماً فعندها يتم الخير والصلاح.
إن الأَوْلى بالإعلاميِّ المسلم أن يتذكر الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مَنْ تَبِعَه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مَنْ تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً»[رواه مسلم]؛ فأنت إذا دعوت إلى الله وانتفع بك آلاف الناس، وانتفع بانتفاعهم آخرون، وتواصل الخير، وانتظمت سلسلة الانتفاع فأنت على خير وأجر كبير، وصدقة تجري لك بعد موتك بعدد من انتفع واهتدى بسببك، ويدل لذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له»[رواه مسلم].
وفي المقابل والضد عندما ينحرف الإعلام عن مسيرته، وينحرف عن منهجه القويم ويتَّجر به المتَّجرون، ويروجه المتسوقون، ويكون لا لله، ولا لأجل الله، عند ذلك تقع المصيبة والبلاء؛ فإعلام منحرف يسمعه الطفل والشاب والكبير، هذا الإعلام هو الذي يؤثِّر على مسيرة الناس، ويكون سبباً في ضلالهم وهلاكهم وعلى من روَّجه إثمُ ووزرُ من اتَّبَعه، إذن فإن من واجب الإعلاميين ومن له استطاعة على تغيير هذا المنكر إصلاح هذا الإعلام الجائر، وعلينا أن نسعى جميعاً لخدمة هذا الدين، والدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، والسعي بالخير والصلاح؛ فهكذا واجب المؤمنين. قال الله - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
يقول العلماء في قوله - تعالى -: {أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108]: البصيرة هنا عامة؛ تشمل العلم الذي يعلمه، فلا يدعو عن جهل؛ بل لا بد أن يكون على حق ويقين مما يدعو إليه، وتشمل أيضاً فهم الداعي لحقيقة مَن يدعوه: ما أحواله؟ ما أخلاقه؟ كيف التعامل معه؟
لأن الداعي إلى الله إذا كان على بصيرة استطاع أن يوظف دعوته في سبيل الخير؛ فيدرس، ويقرأ، وينظر، ويفتش ما المطروح في الساحة من آراء وأفكار؟ حتى يستفيد من الخير، ويعالج الشر والباطل، ويُعلِي كلمة الحق، هكذا المسلم يدعو إلى الله على بصيرة؛ على علم وهدى؛ ولهذا لما وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن في العام العاشر من الهجرة قال: «يا معاذ! إنك تأتي قوماً أهل كتاب...»[متفق عليه]، قال العلماء: إنما قال لمعاذ ذلك لأن أهل الكتاب أهل علم ومناقشة، ومناقشةُ أهل العلم ليست كمناقشة جاهلي نشأ على فكرة معيَّنة، لكنَّ هؤلاء الذين عندهم علم وانحرفوا عنه لا بد أن يكون الجدال معهم مختلفاً عن الجدال مع من ليس كذلك؛ فالوثني ضال، والمتمسكون بدياناتهم بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضالون؛ لكن هناك من يحتاج إلى نقاش خاص، وهناك من يُدعَى دعوة عامة.
فالمهم أن الكاتب الإعلامي عندما يكتب قصة، عندما يطرح موضوعاً، عندما يناقش قضية يجب عليه أن يتقي الله، وينظر ما هو الخير والصلاح للأمة في كلماته، هل هذه الكتابة تخدم الإسلام وأهله أم لا؟ جاء في الأثر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «كلٌّ منا على ثغر من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ! أن يؤتى الإسلام من قِبَلِنا»؛ فكلٌّ منا على ثغر، والواجب علينا أن ندافع عن الأمة الإسلامية، والحذر أن يكون منا خطأٌ، فيزلَّ بخطئنا أناس، ويغتر بخطئنا أناس، ونتحمل الأوزار والآثام.
فيا أيها الإعلاميون! وصيتي لكم ولنفسي تقوى الله في سرنا وعلانيتنا، وأن نصدق الله في ما نقول، فإن الله - سبحانه وتعالى - يقول: {قُلْ إن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 29]، ويقول - تعالى -: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21]؛ فالصدق مع الله حسن النية وحسن القصد، والتحرك على ضوء الكتاب والسُّنة حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره، وعلى بيِّنة من أمره.
وفي الختام أسأل الله - سبحانه - لي ولكم التوفيق، والهداية، والسعادة في الدنيا والآخرة، كما أسأله - جل وعلا - أن ينصر دينه، ويُعلِيَ كلمَتَه، ويوفِّق المسلمين لما يحبُّه ويرضاه، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يجنِّب أمة الإسلام المزالق والمتاهات، وأن يحقن دماءهم، ويحفظ أعراضهم، ويصون أموالهم، ويجمعهم على الخير والتقوى؛ إنه على كل شيء قدير.