كأي مصري سواء في مصر أو خارجها، عاش حقبة مبارك كلها أو أكثرها وأدرك حقيقة النظام الحاكم فيها وكيفية تعامله مع الشعب.. لم يكن يخطر على بالي ولا على بال أحد ـ ولا حتى أكثر المتفائلين ـ أن يكون يوم الثلاثاء 25/1/2011 يوما فارقا في تاريخ مصر أو علامة بارزة في جبينه.
كما لم أتوقع أبدا، ولم يتوقع معي الكثيرون، أن يفعل شباب النت والفيس بوك والتويتر شيئا يذكر، فهم في نظر الكثيرين شباب فاضي ليس عنده أكثر من تضييع الوقت أمام الغول الجديد، والفضاء الواسع الذي يذوب فيه كل الناس ويغرق فيه أمهر السباحين، ثم هم في النهاية من شعب مصر يعانون كغيرهم، ومكبلون كغيرهم، ومهمشون ومقهورون ومغيبون ..و...و....
ولا شك أنهم أصابهم الإحباط من حل قضاياهم الخاصة كما أصاب الإحباط من حولهم في حل قضايا الوطن العامة، وأطفأ النظام الحاكم وطريقة تعاطيه مع الناس كل شعاع نور أو أي بصيص أمل في تغيير الحال ولو على الأقل في القريب المنظور.
لكن...كان ما لم يتوقعه أحد، لا في مصر ولا في الدنيا كلها، وكان يوم الثلاثاء 25/1/2011 صوتا هز أركان مصر، وواقعا غير كثيرا من المفاهيم أعظمها على الإطلاق أن شباب مصر هم شباب مصر، وأن هذا الشباب لا يستحق أبدا أن ينظر إليه نظرة استخفاف أو استصغار أو تهميش ونسيان وعدم تقدير.
لقد أثبت الشباب أنهم رجال وأبطال ويحملون هموم بلدهم ووطنهم وأنهم مارد خرج من قمقمه ليعيد صياغة عهد جديد ويعمل على إزالة نظام ديكتاتوري ظالم رأوا منه صنوف القهر والذل والاستعلاء والاستعباد، وأهمل كل قضاياهم ورؤاهم، وقتل كل طموحهم وأمالهم في أشخاصهم وبلدهم وأمتهم.
كان يوم الثلاثاء هو موعد خروج هذا المارد الذي قرر أنه لن يعود لقمقمه أبدا، لأنه خرج ليعيش حياة طيبة كريمة يختارها هو بنفسه لنفسه.
لقد أثبت الشباب المصري للعالم أنه شباب مثقف بلغ من الثقافة ذراها، وأنه يستوعب تماما ما يدور حوله، وأنه غير غائب وإن كان مهمشا ومغيبا بفعل فاعل، وجاءت المظاهرات لتثبت مدى عظمة الوعي وقمة التحضر، والإحساس العالي بالمسؤولية، ويُبدي الشباب قدرا من العظمة والقوة والصبر لم يكن يتوقعها أحد على الإطلاق.
ومرة أخرى جاء يوم الثلاثاء ليثبت للشباب وللعالم أن النظام هو النظام وأن الفكر البائر يبقى بائرا وبمنتهى الاستعلاء والتجاهل مر يوم الثلاثاء ولكن الشباب أصروا فكان الأربعاء والخميس وجمعة الغضب 28/1/2011.
وكل يوم يمر يسطر الشباب في كتاب عظمتهم أسطرا جديدة ويسطر النظام مخازٍ جديدة أيضا.
فبدلا من الاستجابة لمطالب الناس الذين خرجوا مع شبابهم يساندونهم، لما رأوا فيهم أمانيهم ومطالبهم، كانت الأوامر المشددة بإطلاق الرصاص الحي وقتل أبناء الشعب وشباب الأمة حتى سقط منهم المئات التي لا يعلم عددها إلا الله؛ لأن الأب الذي كان يدعي أنه رحيم قرر قطع جميع وسائل الاتصال عن العالم حتى لا يطلع أحد على مقدار جريمته التي لن يغفرها له لا التاريخ ولا الشعب الذي يريد هو أن يحكمه رغما عن أنفه.
أقولها بكل صراحة: لقد كنت ككثير من المصريين استحي أن أقول أنني مصري، لأن هؤلاء الظالمون جعلونا أضحوكة للناس بعد أن كنا سادتهم وجعلونا في الذيل بعد أن كنا قادتهم، وأظهرونا في قضايا الأمة كأننا عملاء بعد أن كنا أشرفهم وأطهرهم. لكنني الآن أقولها وبكل فخر أنني أنتمي إلى هذا البلد الكبير وأنتسب إلى هذا الشباب الرائع العظيم.
إنني أكتب هذا الكلام صبيحة الثلاثاء 1/ فبراير /2011 وهو موعد المظاهرة المليونية التي يريد الشباب فيها أن يسقطوا الرئيس ونظامه. ولست أدري هل يستطيع الشباب أن يسقطوه اليوم أم يتأخر الأمر أياما أخرى، أرجو من الله كما يرجو كل شريف ألا تطول.
وعلى العموم وفي كل الأحوال فأقول لشباب مصر لقد غيرتم مجرى التاريخ فاصبروا فإنكم تعيدون كتابة تاريخ مصر بل و العالم كله من جديد. واستعينوا بالله واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} صدق الله العظيم.