إذا أردت الصعود فاتخذ لك سلما ، وإذا أردت الانحدار فأطلق يديك ، فما أيسر الهبوط إلى الهاوية: تشرفَ وتشنفَ تاريخُنا الإسلامي برجال عظماء،ونساء عظيمات ، شيدوا حضارة الإسلام الرائعة على أكتافهم ، واليوم تتأرجح قيم حضارتنا، وتتضطرب في أكتافنا ،فقد نسينا أن الكنوز والجواهر في أيدينا ، ونتطلع الى قمامات العالم وفتاتهم ، فكيف لنا أن نرسم المستقبل ؟ او نشيِدَ صروح الحضارة؟ أونفجر ينابيع المعرفة ؟
أي النفوس نحن ؟ رحم الله بن الجوزي الذي كتب في صيد الخاطر يقول: (دعوت يوما فقلت: اللهم بلغني آمالي من العلم والعمل، وأطل عمري لأبلغ ما أحب من ذلك. فعارضني وسواس من إبليس، فقال: ثم ماذا؟ أليس الموت؟ فما الذي ينفع طول الحياة؟. فقلت له: يا أبله: لو فهمت ما تحت سؤالي علمت أنه ليس بعبث. أليس في كل يوم يزيد علمي ومعرفتي فتكثر ثمار غرسي، فأشكر يوم حصادي؟. أفيسرني أنني مت منذ عشرين سنة؟ لا والله، لأني ما كنت أعرف الله تعالى عُشر معرفتي به اليوم. كل ذلك ثمرة الحياة التي فيها اجتنيت أدلة الوحدانية، وارتقيت عن حضيض التقليد إلى يفاع البصيرة، واطلعت على علوم زاد بها قدري، وتجوهرت بها نفسي. ثم زاد غرسي لآخرتي، وقويت تجارتي في إنفاذ المباضعين من المتعلمين وقد قال الله لسيد المرسلين: وقل رب زدني علما.....). ويقول رحمه الله في نفس الكتاب: (وإني أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتاباً لم أره، فكأني وقعت على كنز. ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية، فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميدي، وكتب شيخنا عبد الوهاب وابن ناصر وكتب أبي محمد بن الخشاب وكانت أحمالا، وغير ذلك من كل كتاب أقدر عليه. ولو قلت أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب. فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد).
لله درك يا بن الجوزي ، ولله في خلق شؤون ، والناس يتفاوتون بتفاوت هممهم ( إن سعيكم لشتي ) واغتنام الأوقات والحرص على عدم تضييعها هبة من الله تعالى ،( والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ).
على قدر أهل العلم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم .
فتجد في الخلق من ينشط للسمر ، وخلق آخر ينشط في تلاوة كلام خير البشر ، سبحان الله القلوب لا تستوي ، والهمم لا تتعادل ، والخطوات لا تتطابق .
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصي على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا .
فتحصيل العلوم المختلفة ، والأعمال الجليلة ،لا تتحقق إلا بالجد والاجتهاد وسهر الليالي ، وأن يجود الإنسان لتحقيق ذلك بالغالي والنفيس ، وأن يبذل الوقت والمال ، وأن يركب المصاعب ، ويستهين بالمخاطر ، ومن طلب الراحة عاش ذليلا ، فحبل النجاح التعب ، وطريق الجنة يحتاج السهر .
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يُفقر والإقدام قتَال .
يكابدون المشاق من اجل كلمة واحدة :
يقطع سعيد بن جبير الصحراء القاحلة والمميتة؛ بحرها، وعطشها، ورمالها، وهبوبها يقطعها من الكوفة الى المدينة ليسأل إ بن عباس – رضي الله عنه - عن قول الله تعالى: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) هل هي منسوخة ؟ فيقول له : ما نسخها شيئ. كلمة واحدة فقط !!!
والحسن البصري رحل إلى كعب بن عجرة الصحابي وكان مع النبي – عليه الصلاة والسلام – في الحج فأصابه أذىً في رأسه فرحمه النبي صلى الله عليه وسلم وأذن له بحلق شعره و إخراج الفدية فسافر له الحسن البصري إلي الكوفة ليسأله قائلاً: ما كان فداؤك حين أصابك الأذى ، قال : شاة. كلمة واحدة فقط !!!
. قيل للشافعي كيف شهوتك للعلم ؟ قال : اسمع بالحرف مما لم اسمعه من قبل فتود أعضائي أن لها سمعا تتنعم به مثل ما تنعمت به الأذنان . فقيل له: كيف حرصك عليه ؟ قال : حرص الجَموع المَنوع في بلوغ لذته للمال ، قيل : كيف طلبك له ؟ قال : طلب المرأة ولدها ليس لها غيره.
نداء لجيل الأمة الجديد:
أيها الشباب الظامئ للمجد التليد، والمتعطش للنصر القريب ، والتوَاق للمستقبل الجميل، يا جمال الكون ، ويا سر النجاح ، ويا عزَ الأمة ، ويا مصدر الخير ومرهم الشفاء، ويا سواعد العمل المثمر .اقرؤا القرآن ففيه سر النجاح ، واقتدوا برسول الله فقد رسم درب الفلاح ، واقتفوا أثر السلف ففيه الصلاح ، واقتبسوا من أنوار شيوخ الدعوة المعاصرين قصص الثبات والكفاح. والله يا شاب لو تعلقت قلوبنا بحب الله لبذلنا لحبه كل المتاح ، ولو تابعنا المصطفي لتبوءنا مراقي الفلاح، ولو اقتدينا بالصالحين لنلنا أعلا درجات النجاح.
مصائبنا في داخل نفوسنا فلنطردها ، ونكسر قيود الأرض ، ونزيل عنا مثبطات الهمم ، وأسباب الجهل وعلينا أن نأخذ بأسباب الفلاح .