تمثل الهيمنة على الإعلام من جانب النخب الحاكمة في مجالات الثقافة والفكر والأدب والأخبار والسياسة عاملا مهما من عوامل إزاحة الإسلام وإقصائه واستئصاله، لصالح ثقافة غريبة - وليس غربية – تدمن الفشل والخيبة، والتبعية، والتدهور في المجالات كافة، إنها ثقافة التدهور الذي لا يعرف التقدم ولا التطور، ولا المشاركة في بناء الحضارة العالمية.
بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، فرض الغزاة الأشرار عليها الإذلال والتبعية، ولكن النخب الثقافية اليابانية، كان لها رأي آخر، حيث أصرت على أن تلعب من خلال الوضع المهين الذي تعيشه اليابان؛ ثقافة خاصة بها تتجاوز ما هو كائن ومؤلم إلى ما هو قادم ومبهر، وذلك عن طريق بعث الثقافة البوذية، والإصرار على تقديس الإمبراطور، وتعميق الانتماء مع اللغة اليابانية والتواصل معها، وإجراء الأبحاث العلمية بها!
النخب الثقافية اليابانية الحاكمة تحت الهزيمة لم تخن بلادها، ولم تبعها بثمن بخس، ولم تخجل من عبادة الإمبراطور والركوع له كما تقضي التقاليد والعقيدة اليابانية.. واستطاعت هذه النخب أن تقود بلادها إلى حيث تنافس الآن أكبر دولة للشر في العالم وتناطحها بالعقل والفكر وقوة الين..
أما عندنا فإن النخب آلت على نفسها أن تحارب الإسلام، وأن تقصيه وأن تجعله سببا – يا للعار – في تخلف الأمة وانهيارها وهزيمتها!
وبينما يبعث اليهود النازيون الغزاة أساطير وخرافات عمرها أربعة آلاف سنة، ويبنون عليها دولة أقوى من دول العرب جميعا، وأكثر تنظيما وإنتاجا وقدرة على المواجهة العسكرية والاقتصادية والعلمية، ينشغل قادة النخب في بلادنا بكيفية القضاء على الإسلام والتشهير به وبالمؤمنين وبقدرته على التحدي الحضاري إذا أتيح له العمل، وخوض غمار التجربة في العصر الحديث.
النقاط التي يركز عليها الإعلام النخبوي
ويمكن لنا أن نبرز أهم النقاط التي يركز عليها الإعلام الموالي للنخب الحاكمة في النقاط الثلاث الآتية:
أولا: الإصرار على أن الإسلام ضد المدنية وأنه ضد الحياة والأمل، وأنه يكرس الجهامة والعنف والإرهاب.
ثانيا: التركيز على انتقاد بعض السلوكيات الإسلامية وما يمكن أن يكون رمزا للإسلام في الزى والسلوك والنشاط.
وبالنسبة للنقطة الأولى: فقد لعبت النخب المهيمنة على الإعلام بالمصطلح، أو استخدمت المصطلح في حربها ضد الإسلام بمهارة فائقة، لدرجة أن انجرّ بعض المعنيين بالشئون الإسلامية إلى المصطلح المعادي للإسلام، وصاروا يرددونه بحسن نية في محاولة للدفاع عن الدين، هناك مثلا مصطلحات معادية تصف الإسلام بالتطرف والإرهاب والتشدد والظلامية والإظلام والأصولية والسلفية والرجعية والماضوية والتخلف والجمود.. إلخ. هم لا يستطيعون في الغالب مواجهة الناس بانتقاد الإسلام مباشرة، ولكنهم عن طريق هذه المصطلحات يقولون ما يريدون، فقد صار الإسلام بوساطتها محل استهداف سهل، ولوحة تصويب معتادة.
تقرأ مثلا خبرا عن قيام المقاتلات الاستعمارية الصليبية في أفغانستان بقتل العشرات من أهل باكستان في وزيرستان، فيقول الخبر الذي تذيعه القنوات العربية الإسلامية جميعا على النحو التالي: [قامت طائرات مجهولة بدون طيار بقصف معاقل المتشددين الإسلاميين في وزيرستان فقتلت منهم عشرين شخصا]. العبارة بسيطة للغاية وتنقل لنا خبر القتل. ولكنها في الوقت نفسه تبرئ القتلة الصليبيين الاستعماريين، لأن القتلى من منظور من صاغوا الخبر من نخبنا التعيسة- أو من يسميهم الإسلام بالشهداء - من المتشددين، أي الذين يستحقون القتل جزاء تشددهم، وقس على ذلك اتهام الأفراد والمجموعات بالأصولية والإرهاب والسلفية والتطرف والإرهاب..
هذا مثل بسيط للغاية يكشف عن كيفية توظيف المصطلح لمحاربة الإسلام والمسلمين، ناهيك عن وصف كل من يسعى لإقناع الناس بصلاحية الإسلام للحياة بأنه متطرف ومتشدد وإرهابي.
وقد جرت مثلا في الآونة الأخيرة مقولات تتحدث عن تنقية منهج التربية الدينية الإسلامية من التطرف(؟؟). ماذا يعني أن يكون في مناهج التربية الدينية تطرف؟ هل فيها شيء من خارج الإسلام يا ترى؟ ولكنها صياغة المصطلح المرعب الذي يجعل من يدافعون عن الإسلام في حالة المحارب الذي ظهره إلى الحائط!
إن الحرب على الإسلام كما أطلقتها القيادة الاستعمارية الصليبية في العالم؛ أعني الولايات المتحدة، تعني عمليا الحرب على الإسلام، فهي لم تحارب من اتهمتهم بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ولم تنل منهم، ولكنها حاربت شعب أفغانستان الفقير، وهدمت بيوته ومساجده ومستشفياته، وعبرت عن انتصارها في هذه الحرب بخلع الحجاب لبعض النساء الأفغانيات، وإقامة حفل غنائي لمطربة أفغانية، بوصف ذلك هو التنوير الذي نقله الغزاة إلى الشعب البائس!
النماذج كثيرة التي تؤكد أن الحرب على الإرهاب هي حرب على الإسلام، وكل ذلك من خلال المصطلح الذي تردده النخب المهيمنة على الإعلام في أكثر دول العالم العربي!
النقطة الثانية: تتعلق بالحرب على السلوك الإسلامي ومحاكمة الإسلام من خلال سلوك بعض أفراده. بينما المبتدئون في العلم يعلمون أن الفكرة غير التطبيق، وأن سوء التنفيذ لا يعني فساد المعتقد. ولكن القوم في غمرة حملاتهم الضارية ضد الإسلام وتشريعاته وقيمه لا يكفون عن تشويه الإسلام والمسلمين. إنهم لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في السلوك الإسلامي إلا وانتقدوها وحملوا عليها وشوهوها. بدءا من اللحية والثوب الأبيض والحجاب والنقاب إلى الختان والنسل والسواك والصلاة والأذان وتحية الإسلام: السلام عليكم.
إنهم يرددون – طبق الأصل - ما يقوله السادة الاستعماريون الصليبيون في حملتهم الضارية ضد الإسلام والمسلمين منذ الحروب الصليبية حتى الآن. إنها الانتقادات نفسها التي يوجهها الغرب المعاصر للسلوك الإسلامي، والرمزيات الإسلامية.
خذ الحجاب مثلا. إنهم يشنون حملة ضارية ضد الحجاب، ويجدون في أنفسهم الجرأة لإنكار التشريع للإسلامي الخاص به، بل ينكرون أن يكون في القرآن أو السنة ما يوجب فرضه، ولذا يحاربونه في الإعلام حربا ضارية، ويكفي أن يكون التلفزيون الرسمي لبعض حكوماتنا رافضا لوجود مذيعة محجبة تقرأ نشرة الأخبار مثلا، أو تقدّم برنامجا. في الوقت الذي سمح فيه التلفزيون البريطاني الناطق بالعربية ( بي بي سي ) بمذيعة محجبة، ولكن البعض عندنا رفض تنفيذ أحكام القضاء التي تسمح بظهور المحجبة على شاشة التلفزيون..
وفي الوقت نفسه يرحب ذات التلفاز بالمذيعات السافرات بل المتبرجات بل من يعرضن البضاعة في صورة (فجة!)، وبالطبع فإن السافرة فرصتها أفضل في الترقي والوصول إلى أرفع المناصب. ومن المفارقات أن السيدة رئيس التلفزيون الحالي تحجبت بعد أن وصلت إلى منصبها، ومع ذلك لا تستطيع أن تقرأ نشرة الأخبار ولا تقدم برنامجا!
كانت النخب تحارب الحجاب من منطلق أن نظام المجتمع يرفض ظهور امرأة محجبة على الشاشة الصغيرة. وأن الحجاب يصنع حجابا على العقل.
ويتناسى هؤلاء أن نظام المجتمع اسمه – كما يفترض - النظام الإسلامي. وأن هذا النظام يفرض ظهور المحجبة وليس السافرة، ولكنها التبعية المقيتة للنخب المهزومة الفاشلة التي تتحكم في الإعلام والمجتمع.. وليتهم ينظرون إلى المذيعة المحجبة في قناة الجزيرة، ويقارنون بينها وبين مذيعات الريادة في كافة الجوانب، ثم يخبروننا بعدئذ بالنتيجة!
في إعلان نتيجة الثانوية العامة كل عام، تظهر البنات المحجبات في مقدمة الناجحين ؛ أي الأوائل! وهناك ألوف من المحجبات المتفوقات في مجالات العلم والمعرفة والثقافة والقانون والاقتصاد بل والسياسة.. ولكنها كراهية الإسلام التي تحكم عقول النخب الخائبة الفاشلة.
في إحدى المطبوعات الصحفية أحدهم موضوعا حول لاعبي الكرة الملتحين، واستغرق الموضوع ثلاث صفحات عريضة من الحجم الكبير جدا. وجاء الموضوع في صيغة بلاغ أمني. يعني الحقوا هؤلاء المتطرفين الذين سيقلبون الدولة والحكومة. ونسي هذا الكاتب أن قيادات التمرد الطائفي في الكنيسة بدءا من زعيمها حتى أصغر الكهنة كلهم يربون لحاهم التي تصل إلى صدورهم. ولكن هذه اللحى لها حصانة خاصة. وبلاش اللحى اليهودية، ولكن تأمل اللحى التي يربيها عدد من وزراء حكومة الليكود وفي مقدمتهم الإرهابي ليبرمان. وهذه اللحى أيضا لها حصانة.
المفارقة أن هذا الصحفي يتجاهل كل مشكلات الناس التي يفترض أن يعالجها. مثلا ارتفاع أسعار، وعدم وجود السلع في الأسواق، ومشكلات تصدع العدالة، والتعذيب المنهجي، وأزمات المرور والفشل الاستراتيجي في حلها، والقتل اليومي لعشرات الأبرياء على الطرقات... الخ.
كل هذا ينسى ويترك لأن هذا الصحفي مشغول باللحية ويضعها في مقدمة مطبوعته، لأنها قضية استراتيجية لدي النخب الفاشلة!
أقول هذا التمرد الإعلامي على الدين صار أمرا عاديا لدي النخب التي خانت الإسلام والوطن والأخلاق، وعاشت لمصالحها ومنافعها، وهو ما يعني أن الإسلام لا محل له في إعلامنا إلا ما رحم ربي!
ولله الأمر من قبل أو من بعد!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: د. حلمي القاعود